Toward reimagined global financial architecture: Progress and challenges

LIVE

Toward reimagined global financial architecture: Progress and challenges

Commentary

Op-ed

نواز شريف الطفل العائد إلى أحضان باكستان

إنه نواز شريف، الطفل العائد إلى أحضان السياسة الباكستانية. بعد أن فاز حزبه في الانتخابات، من المتوقع أن يستلم شريف سدةّ رئاسة الوزارء للمرة الثالثة على التوالي كسابقةٍ أولى من نوعها في البلاد. رحلة شريف كانت طويلة وملفتة للانتباه – إلا أننا سنراقب الآن إن كان يستطيع تحويل نصره إلى بداية جديدة تدفع ببلادٍ تعاني شرّ الاضطرابات والمشاكل قدماً وتلغي العلاقات المشوهة التي جمعتنا بها.

وُلِد نواز شريف البالغ من العمر 63 عاماً لعائلة غنية جداً في مدينة لاهور. دخل عالم السياسة ليحمي مصانع عائلته من التأميم. في الثمانييات، حظي شريف بحماية الدكتاتور العسكري الباكستاني الثالث محمد ضياء الحقّ وأصبح سياساً بارزاً في البنجاب إحدى أكبر وأغنى محافظات البلاد. في العام 1990، انتُخِب شريف رئيس وزراء بعد أن أطاح بمنافسته بينظير بوتو التي أقصاها الجيش.

تعود معرفتي بنواز شريف لأوائل التسعينييات حين شغلت فيها منصب مدير شؤون جنوب آسيا والخليج في البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج بوش. كان شريف آنذاك متمسكاً بالسلطة في كابول وشريكاً لأميركا في محاولة إنهاء الحرب الدائرة منذ عقدٍ من الزمن في أفغانستان ضد الحكومة الشيوعية المدعومة من الاتحاد السوفيتي التي استمرت طويلاً بعد هزيمة قوات الجيش السوفييتي 40 (الجيش الأحمر) في العام 1988. في تلك الفترة، لسوء الحظ، لم يسفر انهيار الحكومة الشيوعية أخيراً في العام 1992 إلا عن حرب أهلية شرسة دارت رحاها بين المجاهدين المنتصرين. وقد تُركت باكستان في حينها تتخبط وحيدةً في عواقب الحرب بعد أن تخلت أمريكا عن أفغانستان وتركتها تواجه مصيرها لوحدها. في العام 1993، خسر شريف منصبه لصالح بينظير بوتو.

انتخب نرواز شريف رئيساً للوزارء لولاية ثانية في العام 1997. بعد مرور عام أنهى شريف اختبار الأسلحة النووية الباكستانية بعد أن كانت الهند قد أنهت هي أيضاً اختبارها الأول. بصفتي المساعد الخاص للمسؤول عن شؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في عهد الرئيس كلينتون، حاولت إقناع شريف بعدم اتباع الطريق عينه الذي اعتمدته الهند ولكن من دون جدوى. في العام 1999، نقض الجنرال برويز مشرف الذي عيّنه شريف قائد أركان، اتفاق سلمٍ كان شريف قد أبرمه مع الهند من خلال إشعال حربٍ في كشمير. في الرابع من يوليو من العام 1999، دعا شريف، المعروف عموماً بخجله، نفسه لزيارة البيت الأبيض للعثور على طريقة تخوّله الخروج من الأزمة، ووافق بحكمة على طلب كلينتون بتخلي باكستان من جانب واحد عن الحرب التي أشعلها مشرف. وقد جنّب شريف بقراره هذا المنطقة من إمكانية اندلاع حربٍ أكبر قد تكون نووية.

في 12 أكتوبر من العام 1999، أقال شريف برواز مشرف من منصبه فيما كان هذا الأخير يقوم بزيارة إلى سريلانكا، إلا أن الجنرال رفض التخلي عن منصبه وبدلاً من ذلكّ نظم انقلاباً عسكرياً واعتقل شريف وأحاله إلى محكمة عسكرية أدانته بتهمة الخيانة. ولا بدّ من الإشارة إلا أنه، وفي باكستان وحدها من دون سواها من الدول، تتم إدانة رئيس وزراء منتخب بطريقة شرعية بتهمة الخيانة عند إقالة رئيس أركان سبق واختاره للقيام بمهام هذا المنصب. كثرٌ هم الذين توقعوا أن يحكم مشرف على شريف بالإعدام، تماماً كما أعدم محمد ضياء الحقّ ذو الفقار بوتو، والد بينظير بوتو.

كلفني الرئيس كلينتون في حينها بإنقاذ حياة شريف، فقد آمن أن شريف لا يستحق الموت وأن باكتسان لا تحتمل للمرة الثانية كارثة إعدام رئيس منتخب آخر بعد انقلاب عسكري. أمضيت فترةً طويلة من الزمن ألتمس الشفقة والرحمة من السفير الباكستاني إلى واشنطن، وقد أثمرت جهودي خيراً، إذ اقتنع السفير بحججي وتعاطف معها إلا أنني احتجت في حينها إلى المزيد من المساعدة، مدّني بها الأمير بندر الذي شغل في حينها منصب السفير السعودي إلى واشنطن.

لم ترغب المملكة العربية السعودية في تلك الفترة أن يتكرر كابوس محمد ضياء الحقّ، فاستعمل ولي العهد عبد الله ما للملكة العربية السعودية من نفوذ كبير على باكستان لإنقاذ شريف. في تلك الفترة كانت المملكة العربية السعودية حليفة باكستان الأقرب وكانت تقدّم مساعدات مالية كبيرة لباكتسان فاقت بأشواط ما كانت تقدّمه لأي دولةٍ أخرى في العالم. طلب الملك عبد الله من مشرف نفي شريف إلى المملكة السعودية. واستناداً إلى ما دوّنه مشرّف في مذكراته لاحقاً، فإن عرض المملكة العربية السعودية كان عرضاً لا يمكن رفضه. بعد أن أمضى 14 شهراً في السجن، نُفي شريف إلى المملكة العربية السعودية في ديسمبر من العام 2000. في تلك الفترة قلةٌ هم الذين اعتقدوا أنه قد يعود يوماً إلى باكستان.

الآن تغيّرت الموازين. حقق شريف نصراً انتخابياً ساحقاً وبات الجلاد الذي عذّبه لفترة طويلة من الزمن مشرّف رهن الاعتقال في باكستان بعد عودته من منفاه للمشاركة في الانتخابات. ساهم الضغط الشعبي في العام 2008 بطرد مشرف وتمكن في منفاه في لندن أن يجمع ثروةً هائلة وقرر أن يكون في ذلك الشتاء منقذ باكستان وقرر العودة إلى أرض الوطن ثم إلى السلطة بفضل الشعب. لسوء حظّه، أخطأ مشرف الحسابات، فلم يحظى الرجل الذي عيّن نفسه منقذاً للبلاد بالاستقبال، بل على العكس من ذلك، سارعت السلطات إلى اعتقاله وواجه عدداً من التهم وكان من الممكن أن يُحاكم بتهمة تنظيم انقلاب ضدّ شريف؛ فيا لسخرية القدر!

إلا أن شريف يواجه تحدياً حقيقياً إذ يتعيّن عليه أن يعرف كيف يتخذ قراراً صائباً بشأن مصير بمشرف. لم يكن الجنرال يحظى بدعم إلا عدد قليل من المؤيدين حتى من أوساط الجيش، إلا أن المؤسسة العسكرية لن تشعر بالارتياح مع احتمال وجود شخصٍ يُمضي فترة سجنه أو أسوء من ذلك. ولما كان عدد من القادة الكبار في الجيش اليوم بمن فيهم رئيس أركان الجيس أشفق برفيز كياني، يستفيدون سابقاً من حماية مشرّف ووصلوا معه إلى مراكز القوة، أصبحت مسألة البتّ في مصير مشرّف تحدياً خطيراً. صحيحٌ أن مصيره معلق بقرار المحاكم إلى أن لرأي رئيس الوزراء السابق ثقلٌ وأهمية لا يُستهان بهما.

يُعتبر البت في كيفية معالجة قضية مشرف أحد التحديات الكبيرة التي سيواجهها شريف. ترزح البلاد تحت حصار بعض المتطرفين الذين عملوا على تغذية هذا الحصار في خلال الحروب في أفغانستان. وصل عدد القتلى إلى نحو 45 ألف باكستاني نتيجة الإرهاب المتطرف منذ العام 2001، وخرّب العنف الانتخابات. ودعا شريف إلى المباشرة في عملية سياسية في محاولة منه لانهاء الارهاب، وواجه آراء كثيرة واسعة النطاق اتهمته بالتساهل مع حركة طالبان الباكستانية. ولطالما دللّ المجموعة الباكستانية الإرهابية الأخطر “لاشكار الطيبة” التي نفذت مذبحة مومباي في العام 2008 والتي تتخذ من مدينة بيت شريف في لاهور مقراً لها والتي تحتفظ بعلاقات وطيدة جداً مع الجيش والمخابرات الباكستانية.

ومع ذلك، فقد وعد شريف أيضاً بفتح صفحة جديدة في كتاب العلاقات بين باكستان والهند ودعا رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ لحفل تنصيبه. كملياردير صناعي، يدرك شريف أن الاقتصاد الباكستاني في حاجة ماسة إلى التجارة والاستثمار الهندي الحيوي. يشهد الاقتصاد الباكستاني حالة من الفوضى ويقلّ عمر نصف الشعب في البلاد عن 15 عاماً ولا يتأمل الكثيرون الحصول على تعليم لائق أو على وظيفة جيدة. لا يعاني شريف هاجس المنافسة مع الهند خلافاً لضباطه، فرؤيته لباكستان أوسع من ذلك بكثير إذ يطمح إلى بناء الطرق السريعة وإنشاء مؤسسات النقل المشترك أكثر مما يطمح إلى الدخول في صراع على التسلّح يدرك تماماً أن باكتسان لن تكسبه. أثناء حملته الانتخابية وعد ببناء خط قطار سريع يربط مدينة كراتشي الساحلية بشمال مدينة بيشاور، علماً أنه بنى سابقاً بصفته رئيساً للوزارء الطريق السريعة الحديثة لربط لاهور بإسلام اباد.

وصلت العلاقات الأميركية-الباكستانية إلى أدنى مستوياتها، إلا أن واشنطن لا تزال تقدّم كميات هائلة من المساعدات العسكرية والاقتصادية لباكستان تخطت 25 مليار دولار منذ العام 2001. فالولايات المتحدة على طرفي نقيض من الحرب في أفغانستان حيث تؤدي باكستان والمخابرات الباكستانية دور الحليف الرئيسي لطالبان الأفغانية ، حتى وإن كنا نعتمد على باكستان لضمان خطوط الإمداد الحيوية التي تتيح لنا سحب المعدات الثقيلة من أفغانستان بينما نغادر البلاد مع حلول العام 2014. تنفذ الطائرات الأمريكية من دون طيار داخل باكستان مهمات يومية ترمي من خلالها البحث عن تنظيم القاعدة – وهي مهمات وعد شريف بمحاولة إيقافها أثناء حملته الانتخابية. علاوةً على ذلك، لم يعلن شريف دعمه لدعوة منافسه عمران خان لاسقاط الطائرات من دون طيار الأمريكية (التي قد تكون مزودة بإف – 16 أمريكية) لكنه سيواجه مطلب شعبي كبير بانهاء حرب الطائرات بدون طيار.

عمل كلّ من الرئيسين بوش وكلينتون مع شريف وأدى التعاون هذا إلى نتائج مختلطة في خلال عهديه السابقين كرئيس وزراء. الآن وبعد عودة الطفل إلى أحضان السياسة الباكستانية وبعد اقترابه من استلام دفة رئاسة الوزارة للمرة الثالثة، سيحتاج باراك أوباما إلى إقام شركة معه. إنها بحقّ فرصةٌ يحتاج أوباماً لإنجاحها.