Commentary

Op-ed

موجةٌ عالمية لمحاربة الفساد

مع إيلاء الحكومة الصينية أولوية كبيرة للتصدي للفساد، وُضِعت أعمال شركة النفط الصينية )بترو الصين( تحت المجهر. أما في سلطنة عمان، فقد وُضع رئيس شركة الغاز الوطنية العُمانية وعدد من زملائه في السجن لأخذهم رشاوي. وفي الهند، يشهد حزب عام آدمي المناهض للفساد نمواً كبيراً، وهو الآن ثاني أكبر حزب في المجلس التشريعي لولاية دلهي. حتى العراق، الذي هو تقريباً على رأس قائمة الفساد بحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية، فقد كلف لجنة النزاهة في التحقيق في عدة صفقات ومنظمات.

منذ أن سنّت الولايات المتحدة قانون الممارسات الأجنبية للفساد في العام 1977، شيئا فشيئا اتضح للعاملين في قطاعي النفط والغاز الذي اشتهر في ما مضى بالغش والرشاوي أن النزاهة هي السياسة الفضلى. سعت الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات، على غرار بايكر هوغز، والتي وقعت ضحية لهذا القانون، للسيطرة على سلاسل إمداداتها أو على الأقل لشرائها لتجنب مخاطر العمل مع الغير ومع وكلاء في دول بعيدة.

أبقت المراقبة المستمرة والاهتمام الضروري الصارم هذه الشركات المتعددة الجنسيات بعيدة عن قبضة السلطات الحكومية التي تفرض حالياً غرامات بمليارات الدولارات على الشركات الكبرى كـ سيمنز. تواجه الشركات التي تفشل في تأمين سلاسل إمداداتها خطر التورط في قضايا الفساد. وهذا ما حصل أرامكو السعودية حين تم استدعاؤها إلى المحكمة في قضية رشوة ضد أحد مزودي شركة تايكو. ولمصلحتها، عمدت أرامكو إلى تطهير تنظيم المشترين والمستخدمين النهائيين الفاسدين كردة فعل.

بدأت حكومات الشرق الأوسط والشركات المملوكة للدولة تتنبّه إلى حقيقة أن العديد من المديرين الأجانب يعملون منذ فترة طويلة مع وكلاء أجانب عديمي الضمير لشراء السلع والخدمات بأسعار مبالغ فيها إلى حدٍ كبير، وإبقاء الباقي لأنفسهم. يبدو أن هذه الطفرة شارفت على الانتهاء الآن، إذ أصبحت الشركات المتعددة الجنسيات تراقب تصرفات موظفيها عن كثب.

ونتيجة لذلك، أصبحت محاكمات الفساد في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط أكثر انتشاراً. علاوة على ذلك، لقد استفادت المجتمعات المحلية من تحسن مطرد للتعليم على مدى أجيال عدة، وهم الآن يديرون الشركات المملوكة للدولة الخاصة بهذا المجتمعات بما يخدم مصالح بلدانها.

من الواضح أنّ العديد من الشركات الغربية المتعددة الجنسيات وضعت أسعارٍ خيالية لخدماتها ومنتجاتها واستغلت السوق الإقليمي على مدى سنوات عدة. بيد أنّ التنافس على الأسعار والتكاليف في تزايد حالياً. على سبيل المثال، دخلت الشركات الكورية إلى الأسواق، وبيدها العقود الرئيسية في قطاع الطاقة. كذلك، أدّت الشركات الصينية الكبرى دوراً مهماً في العراق وإيران، ويُشاع أن تكون في القائمة النهائية للشركاء المحتملين لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك).

إنّ شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط تدرك الآن الحاجة إلى التدقيق في تكاليف السيور الناقلة وتوربينات الغاز والأنابيب. وفي ظلّ تطور عولمة الأسواق، يبدو أنّ الفرص المتاحة أمام الشركات المتعددة الجنسيات لفرض أسعار مختلفة إلى حد كبير في مختلف المناطق بدأت بالتراجع.

كذلك، دفع الانحسار في أوروبا عدداً من الشركات الجديدة الصغيرة والمتوسطة الحجم للتوجه الى الشرق الأوسط بحثاً عن فرص عمل وبالتالي زيادة المنافسة. رغم أن الشركات المتعددة الجنسيات قد ابتلعت عدداً من الشركات المماثلة في عمليات جديدة من الاستحواذ والدمج ا، لا يزال البحر يزخر بكميات كبيرة من الأسماك كما يقال. بهذا يبدو أن الأيام التي ستشتري فيها الشركات المتعددة الجنسيات لوائح المشترين في شركات النفط الوطنية أصبحت معدودة مع ظهور منافسين جدد.

أكثر من أي وقت مضى، تقوم دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط بالسيطرة على احتياطاتها من النفط والغاز، وعلى غرار أبو ظبي، تأخذ زمام الأمور وتملي السياسيات على الشركات المتعددة الجنسيات للمرة الأولى بدلاً من كونها معتمدة كلياً عليهاً. على مدى العامين المنصرمين، نظّمت غرفة تجارة وصناعة أبوظبي تدريباً لامتثال الشركات، كما وأنّ مجموعة شركات أدنوك بدأت باعتماد إجراءات الإبلاغ عن المخالفات. سيكون من المثير للاهتمام أن نرى من هم شركائهم الجدد في المشاريع المشتركة القادمة. أياً كانوا، فمن الأفضل أن يتأكدوا أنّ كل أوراقهم قانونية وأنّ أيديهم نظيفة.