Commentary

Op-ed

لماذا تُعتبر قطر عاملاً أساسياً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة؟

لطالما اعُتبرت مصر لاعباً أساسياً في عملية السلام في الشرق الأوسط ، فهي دولة عربية كبرى، مستعدة للتعامل مع إسرائيل بينما تسعى جاهدةً، وإن على مضض ب، للدفع بمصالح الشعب الفلسطيني. ولكن مع استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، يبدو واضحاً أكثر فأكثر أن حكومة مصر الجديدة ليست في موقعٍ يسمح لها بالتوسط في عملية وقف إطلاق النار هذه المرة. في الحقيقة، قد تجد القوى الغربية نفسها في موقف يدفعها إلى البحث عن مساعدة شريك مختلف: قطر.

في ظلّ حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، أثبتت مصر أنها أكثر حرصاً على تأمين الدعم للسياسيين والدبلوماسيين في تل أبيب، واشنطن ونيويورك لإرساء مبادرة سلام أكثر من حرصها على دعم الفلسطينيين. وإلى حدٍ ما، هذه هي بشكل خاص الحالة في نظر قادة حماس في قطاع غزة ، علماً أن عدداً منهم عَلِم باقتراح وقف إطلاق النار عبر تقارير الإعلام.

وفي ما رفضت حماس الاتفاق “بشكله الحالي”، أبدت القاهرة، على ما يبدو، اهتماماً ضئيلاً في فهم تفسيرات حماس لأسباب الصراع أو تغيير شروط وقف إطلاق النار المقترح لمواجهة القضايا طويلة الأمد. في الواقع، هاجمت مصر، في ظلّ حكم السيسي، المجموعة الإسلامية كجزء من حملتها القاسية لقمع حركة الإخوان المسلمين، بعد الإطاحة برئيس الجمهورية الإخواني السابق محمد مرسي من السلطة ومحاكمته وقتل المئات من أنصاره وسجن الآلاف منهم. على مدى العام الماضي، تعرضت حماس لحملات التشويه في التصريحات الرسمية والرأي العام، مع منع أعضائه من دخول الأراضي المصرية، وتمّ إغلاق معبر رفح الذي يربط بين البلدين ، وتم تدمير مئات أنفاق التهريب – مما منع وصول الطعام والوقود ومواد البناء والأدوية وكذلك الأسلحة.

في حين دمرت الغارات الجوية والصواريخ والمدفعية الإسرائيلية الأحياء في قطاع غزة، وأدى الاجتياح البري إلى ارتفاع حصيلة الموتى إلى ما يزيد عن 600 شخص، أبقت الحكومة المصرية على المعابر الحدودية مغلقة بشكلٍ صارم، حتى في وجه قافلة المساعدة التي ضمت ناشطين ومتطوعين طبيين – لضمان بقاء قطاع غزة معزولاً عن العالم من جميع الجهات. كما نزح نحو 118 ألف فلسطيني ضمن مساحة قطاع غزة الصغيرة، وتفيد المعلومات أن مؤن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تنفذ سريعاً.

إن الادعاء القائل بأن مصر تلعب دور الوسيط بين طرفين متنازعين متساويين هو ادعاء ضعيف، نظراً للخناق الذي سببه حصار دام سبع سنوات حول قطاع غزة والدمار الرهيب الذي لحق به أثناء هذا الحصار على يدّ الجيش الإسرائيلي الذي كان يفلت من العقاب كلّ مرة.

لا تبدي حركة حماس أي اهتمام بوقف إطلاق النار الذي يطيل هذا الوضع، وتقل الأسباب التي تدفعها لتثق بأن حكومة السيسي ستتابع مسألة الترويج للالتزامات الغير واضحة بتحرير الحدود المغلقة، لا سيما بعد مبادرة سابقة – سعت بها حكومة مرسي المتعاطفة مع حكومة حماس إلى حدٍ بعيد – كان تجميد الوضع المأساوي الراهن في قطاع غزة أكثر ما حققته.

إلا أن المسؤولين المصريين رفضوا فكرة أن أي اقتراح غير الذي ستقدمه مصر قد يساعد على إنهاء حمام الدمّ في القطاع. أصدر وزير الخارجية المصري سامح شكري تحذيراً صارماً يوم الخميس الماضي حذر فيه ما أطلق عليه تسمية محور”حماس- قطر – تركيا”، متهماً الأطراف الثلاثة بتقويض دور مصر في المنطقة بعد أن انتشرت أخبار تفيد أنهم يناقشون اتفاقاً بديلاً.

ولكن، في حين كان الخلاف قائماً بين الحكومتين المصرية والقطرية منذ الإطاحة بمرسي، لا بدّ أن ترغب حكومة السيسي ومناصرو مبادرة وقف إطلاق النار بتقديم دور الوساطة لقطر. في الواقع، حتى الحكومات والمنظمات التي دعمت الاقتراح الراهن – أي الولايات المتحدة، فرنسا، الأمم المتحدة – تواصلت مع الإمارة الخليجية، معترفةً أن قطر هي أحد اللاعبين الإقليميين القلائل في المنطقة التي حافظت على علاقات قوية مع قيادة حماس (وربما على تأثيرها عليها).

صحيح أن سجل قطر في الوساطة متفاوت، مع مبادرات لحلّ الصراعات في اليمن ولبنان ودارفور غالباً ما كانت تؤدي إلى المزيد من الحماس الإعلامي بدلاً من تأمين الحلول المستدامة. ولكن في حين قوضت سياسة قطر الخارجية الناشطة أثناء الريبع العربي سمعتها كوسيط محايد، وأثارت، في بعض الأوقات، حفيظة قوى إقليمية (كالمملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، والبحرين التي سحبت سفراءها من الدوحة في مارس نتيجة التعنت القطري الملموس)، تبقى قطر وسيطاً قادراً على التعامل مع بعض شخصيات المنطقة الأكثر بغضاً.

تواصل مبعوثو قطر مع جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة للتفاوض على تحرير راهبات معلولا، وكانت قطر الجهة التي رعت مفاوضات الولايات المتحدة مع طالبان والتي أدت إلى صفقة تبادل الأسرى التي حررت أسير الحرب الرقيب في الجيش الأمريكي بوي بيرغدال. الأحد الماضي، تلقت الدوحة زيارة من أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، واجتماعاً آخر بين محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل المقيم في الدوحة.

ولكن قطر – لا سيما الأمير تميم ووزير خارجيته خالد العطية – ستطلب الدعم في حال طُلب منها أن تكون أكثر من “قناة تواصل”، وفقاً لما أشار إليه العطية يوم الأحد. أما بالنسبة للمهتمين من المجتمع الدولي في الاعتماد على قطر وعلاقتها مع حماس، فهُم بحاجة إلى قبول تدخل قطر الدبلوماسي في الخليج (حيث هناك خلافات قائمة حول اتهامات الإعلام القطري للإمارات العربية المتحدة بالتآمر مع إسرائيل ضد حماس)، ومع مصر، التي رأت منذ عهد مبارك في محاولات الوساطة القطرية تعدياً على الدور التقليدي لمصر.

الحقيقة هي أن الأزمة الحالية تتطلب استجابة إقليمية في حال كانت المناورات الدبلوماسية ستقدم أكثر من ستار يغطي حمام الدم المستمر وتدمير قطاع غزة. مع تزايد شعور الأمم المتحدة والولايات المتحدة بعدم الارتياح إزاء حجم الدمار الذي خلفته حملة إسرائيل في عقابها الجماعي لقطاع غزة، فإن شجب أعمال حماس لن يجدي نفعاً لإقناعهم بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. أبقت قطر على قنوات التواصل هذه مفتوحة – وقد حان الوقت لاستعمالها.