Commentary

Op-ed

لا مفر من انتفاضة ثالثة ما لم تغيّر إسرائيل سياستها

كتب صديقٌ لي على صفحته على موقع الفيسبوك مؤخراً “لو قرأت صحيفة الأيام الفلسطينية اليومية  للاحظت أن التصعيد الحالي للأحداث في فلسطين يُشار إليه بتسميات مختلفة، بما في ذلك الانتفاضة أو الهبة أو الثورة أو حتى الحرب”.

مما لا شك فيه أنّ الأحداث الأخيرة في القدس والضفة الغربية قد أظهرت، دون أدنى شك، أربعة استنتاجات هامة: المسجد الأقصى خط أحمر بالنسبة للفلسطينيين، وفشل استراتيجية المفاوضات التي تقودها السلطة الفلسطينية بشكل أساسي، وعجز الحكومة الإسرائيلية عن إدارة الصراع، وقرار باراك أوباما بالتخلي عن القضية الفلسطينية في خطابه أمام الأمم المتحدة في سبتمبر والذي كان خطأ فادحاً.

إن الظروف التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000 مشابهة جداً للظروف التي أدت إلى الاضطرابات الراهنة.  قد يكون الدور الرئيسي للحرم الشريف هو الأكثر وضوحاً. اشتعلت شرارة الانتفاضة الثانية حين تحدى أرييل شارون، الذي كان في حينها زعيم المعارضة الإسرائيلية، الفلسطينيين وزار الحرم ليؤكد على خضوعه للسيادة الاسرائيلية. وكما حذّر الكثيرون في حينها من هذه الزيارة، شكلت هذه الخطوة تحريضاً ضد الفلسطينيين. أما موجة الاحتجاجات الراهنة، فقد بدأت في منتصف شهر سبتمبر والتي رافقتها اشتباكات دارت بين قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينيين في باحة المسجد الأقصى والتي استمرت لمدة ثلاثة أيام متواصلة. وجاء ارتفاع عدد الزائرين اليهود للحرم في السنوات الأخيرة ليشعل التوتر مجدداً.

ومن النقاط المشابهة للانتفاضة الثانية، الانهيار الأخير للمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية التي رعتها الولايات المتحدة. في سبتمبر من العام 2000، ترك فشل مفاوضات كامب ديفيد الفلسطينيين من دون أي أمل يلوح في الأفق.  وفي حين تابع الإسرائيليون حياتهم في شكل طبيعي بعد المفاوضات، عاد الفلسطينيون إلى نضال العيش في ظل الاحتلال من دون أي نهاية وشيكة في متناول اليد.

اليوم، وبعد فشل جولة جديدة من المفاوضات، يشعر الفلسطينيون مجدداً أن ما من أمل يلوح في الأفق. ومن خلال تمردهم، يعلن الفلسطينيون أنّ السلطة الفلسطينية واستراتيجيتها بالاستمرار في عقد مفاوضات عقيمة لا نهاية لها مع الحكومة الإسرائيلية فاشلة ولا جدوى منها. لم يقدّم التزام محمود عباس بهذه المفاوضات إلا المزيد من خيبة الأمل إلى شعبه. وأظهر استطلاعٌ للرأي أُجرِيَ في شهر سبتمبر أن 65 بالمئة من الشعب الفلسطيني يعتقد أن الوقت قد حان لرحيل السيد عباس.

هذا وانكشفت أيضاً الحكومة الإسرائيلية على حقيقتها. إذ إنّ استراتيجية بنيامين نتانياهو في إدارة الصراع من خلال السعي لتحقيق “سلام اقتصادي” مع الفلسطينيين، بينما يستمر في توسيع المستوطنات وتغيير الوقائع على أرض الواقع في القدس لم تحافظ على الهدوء.

لن يرضى الفلسطينيون بالحصول على وظائف ومشاريع تنمية بينما يستمر المستوطنون بالاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي ويستمر الاحتلال. لقد تعلموا أن وعود نتانياهو بمكافأة “حسن السلوك” هي كذبة ليس إلا.

كل ما فعلته حالة الهدوء هذه هو أنها جعلت عدداً كبيراً من الإسرائيليين يتجاهلون القضية الفلسطينية. في المقابل، دفعت الانتفاضة السيد نتانياهو إلى إلقاء أقصى اللوم على الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية الهولوكوست.

ازداد اضطراب الأفق السياسي أمام الفلسطينيين حين أغفل السيد أوباما عن الإشارة إلى الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في خطابه الذي ألقاه أمام الأمم المتحدة في شهر سبتمبر، وذلك يُعتبر إسقاطاً كبيراً بالنسبة لأي رئيس في مكان كالأمم المتحدة.

بالنسبة للفلسطينيين، كان ذلك بمثابة رسالة واضحة جداً: إن هدوءكم يجعلكم طي النسيان، لذا يتعين عليكم أن تفرضوا أنفسكم على جدول الأعمال. الآن، وقد تخلى الفلسطينيون عن هدوءهم، ليس من المفاجئ أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حاول سريعاً إقامة اجتماع بين السيدين نتانياهو وعباس. ولكن يبدو أن الأوان قد فات لتهدئة الوضع، نظراً لكشف سوء إدارة السيد كيري والسيد نتنياهو للصراع.

والمثير للاهتمام بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، لقد حطمت “الانتفاضة” الجديدة أسطورة أن الشرق الأوسط يعاني مشاكل كثيرة أخرى ليقلق بشأنها غير الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. إن طبيعة القضية الفلسطينية الجوهرية تمنحها الإمكانية لأن تحتل مركز الصدارة في أي وقتٍ كان. قد تختلف آراء شعوب الشرق الأوسط بشأن الصراعات في كل من سوريا واليمن وليبيا، إلا انها لا تختلف أبداً بشأن فلسطين. فلا بد من الإشارة هنا لما كتب المدون والناشط التونسي عزالدين عبد المولى في هذا الصدد: “قد تخسر بوصلة أي معركة عربية وجهتها، إلا بوصلة فلسطين… فهي تتجه دائماً نحو الاتجاه الصحيح”. 

يمكن أن تستمر موجة العنف هذه لأشهر ويمكن أن تنتهي غداً، إلا أنّ الوضع قد تغيّر إلى الأبد.

لقد هزم مشروع المقاومة الفلسطيني مشروع المفاوضات التقليدي الذي تقوده السلطة الفلسطينية. حتى وإن توقف التصعيد الآن، إلا أنه لن ينتهي. وما لم يحدث شيء أساسي وجوهري لحل محنة الفلسطينيين، سوف تشتعل انتفاضة أخرى قريباً لا محالة.