Commentary

Op-ed

دعم الولايات المتحدة لاتفاق المصالحة الفلسطينية: ضرورة ملحة

طويت صفحة سبع سنوات من الخصام بين الفصائل الفلسطينية، فتح وحماس، أقله على الورق. دعا اتفاق المصالحة الذي تمّ التوقيع عليه يوم الأربعاء إلى تشكيل حكومة تكنوقراط من المستقلين وإلى تحديد موعد للانتخابات العامة. وما لبثت وزارة الخارجية الأمريكية أن رأت في هذا الاتفاق اتفاقاً “مخيباً للآمال”وأعربت عن مخاوفها إزاء تأثيره المحتمل على مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. أياً كانت مخاوفها، يتعين على واشنطن أن تدرك أن معالجة الصدع الداخلي يشكل ضرورة وطنية للفلسطينين وشرطاً ضرورياً لأي مصالحة سياسية مستقبلية مع إسرائيل. وبهذا يتعين على واشنطن أن تدعم الاتفاق وأن تبني استراتيجيتها في شكلِ تتأقلم معه مع الوحدة الفلسطينية في حال تم التوصل إلى اتفاق بدلاً من مواجهتها.

بالطبع، لا أحد يعلم إلى أي حدٍ قد تفي الأطراف بالتزاماتها. فقد سبق أن وقّعت فتح وحماس اتفاقين مختلفين في السنتين الماضيتين – في القاهرة والدوحة – إلا أنهما أخفقتا في الالتزام بهما. إلا أن الاتفاق هذه المرة يبدو مختلفاً اختلافاً تاماً عن سابقيه. ولعل أهم ما فيه يتجلى في أنه تمّ توقيعه في قطاع غزة، وتحديداً في مخيم الشاطئ لللاجئين، وليس في الخارج. خلافاً للاتفاقات السابقة، عمدت الأطراف نفسها إلى طرح هذا الاتفاق وإلى مناقشته وتوقيعه – فجاءت عملية مصالحة محلية الصنع من دون أي ضغوط وشكوك متبادلة بوجود وساطة قوى خارجية. ويدل هذا الأمر إلى ملكية كلا الطرفين لعملية المصالحة. يدعم الشعب الفلسطيني على نطاق واسع هذا الاتفاق ويدافعون عنه بشدة، لا سيما وأنهم لطالما انتظروا من حماس وفتح تسوية خلافاتهما. إن تجربة الشعب الفلسطيني الذي عانى مرارة الانقسام على مدى سبع سنوات – بالإضافة إلى الإحباط الهائل الناتج عن ألمهم الكبير ومعاناتهم العميقة في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي – تعني أنهم على استعداد تام لدعم الخطوة هذه والدفاع عنها أياً كانت التكلفة التي سيضطرون إلى تحملها.

لا يتعين على واشنطن أن تستخف بالدعم العام الكبير الذي يحظى به هذا الاتفاق في فلسطين. فالمعارضة الأمريكية لن تثير صراعاً مع حركة حماس فحسب، إنما مع الشعب الفلسطيني بأكمله. تضع هذه المصالحة حداً لأكثر فصول تاريخ صراعهم مع إسرائيل ظلمة. ظهر الموقف الأمريكي – المعارض لمطالب الشعب الفلسطيني الشرعية بإرساء الوحدة والتوصل إلى مصالحة – عقب الربيع العربي حين احتل الشعب مكانة مركزية وطالبوا حكّامهم بأساليب جديدة.

علاوة على ذلك، يدعو اتفاق المصالحة إلى عقد انتخابات عامة خلال ستة أشهر من توقيع الاتفاق، الأمر الذي يمثل التزاماً واضحاً بانتقال السلطة بشكلٍ سلمي وأسس الحكم الديمقراطي. بالنظر إلى القوات العسكرية والموارد التي التزمت الولايات المتحدة بتوفيرها لما أطلقت عليه تسمية “دعم الديمقراطية” في العراق وأفغانستان، هل يمكنها فعلاً أن تعارض اتفاقاً يرعى ديمقراطية محلية الصنع على الأراضي الفلسطينية؟ يتعين على الولايات المتحدة، أقله حفاظاً على صورتها في المنطقة، أن تتوخى الحذر في ما يتعلق بمحاربة اتفاق يوحد الشعب وينهي خلافاته وانقسامه ويضعه على طريق الانتخابات الديمقراطية.

وفي سياق الأهمية عينها، يعزز الاتفاق شرعية أي اتفاقية سلام ترمي الولايات المتحدة إلى دعمها. في حين يتمتع عباس بمستوى عالٍ من الشعبية على الأراضي الفلسطينية، فإنه لا يملك أي سلطة على قطاع غزة. وبهذا، فإن أي اتفاقية سلام مستقبلية ستحاكي جزءاً واحداً من الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية) في حين أنها ستتجاهل قطاع غزة كاملاً. سيعزز الدعم الأمريكي لهذه المصالحة اتفاقية سلام أكثر شمولية، قد تحظى بفرصة قبول أكبر. لا تعني التواقيع الكثير، لا سيما إن جاءت من طرفٍ واحد، في حال لم يتمّ تنفيذ الاتفاق. فرغم توقيع اتفاقية أوسلو منذ 20 عام، تبدو الظروف أسوء مما كانت عليه في العام 1993.

لا يتعين على الرئيس أوباما أن يفسح المجال أمام التهديدات الإسرائيلية لتحدد موقفه من المصالحة الوطنية، أو من عزمه لحثّ جهود السلام على المضيّ قدماً. فحكومة نتنياهو – ليبرمان ستأتي بمطالب جديدة لضمان بقاء المفاوضات معلقة طالما انها لم تتم بعد مشروعها الاستعماري الرامي إلى السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء مستوطنات جديدة أياً كان الوقت الذي سيستلزمه مخططها. مطالب الإسرائيليين لن تنتهي وستستمع الولايات المتحدة إلى المزيد منها بشكلٍ دائم، من الأمثلة التي توضح المطالب الإسرائيلية التي ظهرت منذ مفاوضات عام 2008 بين عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت نذكر منها التشديد على اعتراف الجهة الفلسطينية بإسرائيل “كدولة يهودية”، ومحاولات لضم مستوطنات وادي الأردن. وقع عباس على الاتفاق مع حركة حماس لأنه لا يملك أي بديل آخر، قد يكون الأمر صحيحاً؛ ولكن يتعين على الولايات المتحدة أن تتذكر أن المفاوضات التي قادتها واشنطن في الأشهر التسعة الماضية لم تقدم لعباس شيئاً باستثناء زيادة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. لم تتمكن الإدارة الأمريكية من كبح شهية حزب الليكود للمزيد من الأراضي الفلسطينية ولن تتمكن من القيام بذلك عن طريق محاربة اتفاق يرعى المصالحة بين الفلسطينيين.