Commentary

Op-ed

حرب أمريكا المنسية على أفعانستان: ما الجديد؟

الآن وقد مضى شهر أغسطس وانتهى شهر رمضان، نجد أنفسنا في آخر ما يُسمى موسم القتال في أفغانستان. وعلى الرغم من أنها سوف تستمر لبضعة أشهر، وعلى الرغم من أن العنف لن يتوقف في الشتاء القادم، إلا أنّه لا يزال الوقت مناسب لنسأل كيف تسير الأمور في الحرب. إنّ التقييم العام الذي نتوصّل إليه هنا يعطي سبباً للتفاؤل الحذر، غير أننا بالطبع بعيدين كل البعد من خط النهاية.

إنّ تركيزنا هنا على القتال لا يعني أن المهمة التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان هي كفاح مسلح فقط. ولكن كثُر الحديث وما كثُر عن السياسة والدبلوماسية في ما يتعلّق بالاهتمام المتأخر – وهذا أمر مفهوم – والمتناقص بما يحدث في الوقت الذي يأخذ فيه الجيش الأفغاني والشرطة زمام المبادرة – للمرة الأولى – في الصراع الفعلي ضد طالبان.

هذا العام، أخذت القوات الأفغانية للمرة الأولى زمام الأمور على أرض المعركة. قلّصت قوات حلف شمال الأطلسي الناتو حجم قواتها حتى أصبحت أصغر مما كانت عليه في ذروة قوتها منذ 18 إلى 24 شهراً مضت بمقدار الثلث. يبلغ عدد القوات الأمريكية المنتشرة حالياً في البلاد 60 ألف جندي بعد أن وصل عددهم إلى 100 ألف جندي إبان عهد الجنرال ديفيد بترايوس ومن بعده الجنرال جون ألين حين كانت الموارد الأفغانية كاملة تحت تصرفهما. وقلصت القوات الأجنبية الأخرى أيضاً من أعداد جنودها بعد ما كان حدّها الأقصى 42 ألف جندي إلى حوالي 27 ألف جندي اليوم.

إلا أن قوة التحالف ككل بالكاد انخفضت، لأنه مع انسحاب الأمريكيين استلمت القوات الأفغانية زمام الأمور. يبلغ عدد أفراد القوة المشتركة التي تتألف من الجيش الأفغاني والشرطة 335 ألف رجل الآن، أي تقريباً الرقم الذي حدده جنرال ستانلي ماكريستال ونظرائه الأفغان منذ ثلاث سنوات. علاوة على ذلك، لقد تلقّت هذه القوات التدريب الضروري ولديها الأجهزة اللازمة – والضرورية على أرض المعركة – على مدى بضع سنوات. ففي خلال تلك الفترة، حدث تحسناً ملحوظاً على مستوى نوعية قيادة هذا القوات، ووحدات التخطيط وأنظمة الخدمات اللوجستية التابعة لها وبالطبع وحداتها المقاتلة.

والأهم من ذلك هو أن القوات الأفغانية استلمت الآن مهمة إدارة المعركة. وبحسب وزارة الدفاع الأمريكية، باتت القوات الأفغانية اليوم تدير 99 بالمئة من العمليات. بالطبع، لا تزال القوات الأمريكية وغيرها من قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن (إيساف) تشرف على إدارة أصعب العمليات في بعض الحالات، وربما تحتاج القوات الأفغانية مساندة قوات أجنبية في عدد كبير من العمليات التي تشرف على قيادتها، لكن التقدم كبير من دون شكّ.

في الواقع، عندما يشنّ العدو هجوماً، يدرك الآن تماماً أن القوات الأفغانية هي العدو الرئيسي، فيشن عليها هجوماً 65 بالمئة من الوقت ويضرب وحدات الناتو 35 بالمئة فقط، بحسب ما أورده البنتاغون. منذ عامين، شنّ العدو هجوماً ضع قوات الناتو والإيساف 90 بالمئة من الوقت عندما بدأت الهجوم.

وبطبيعة الحال، تظهر هذه النزعات في أعداد الضحايا. سقط عدد كبير من القتلى في صفوف القوات الأفغانية في خلال هذه الحرب، وخاصة خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنّ الحصة النسبية أصبحت الآن أكثر انحرافاً. قبل عامين، كان متوسط عدد الشهداء في صفوف القوات الأجنبية يصل إلى 50 شهيداً في الشهر في حين تراوح بين 100 و200 شهيد في صفوف القوات الأفغانية بسحب الموسم. أما في العام 2013، فقد انخفض عدد القتلى في صفوف القوات الأجنبية ليصل إلى متوسط 15 شهيد في الشهر، في حين غالباً ما يزيد عدد الوفيات في صفوف الجيش الأفغاني والشرطة ليصل إلى 250 أو 300 شهيد.

مما لا شك فيه أنّ هذه الإحصاءات تكشف الجانب الأقل سعادة من المجهود الحربي. ففي حين تُعتبر القدرة على تحمل خسائر كبيرة في الأرواح دليل قوة من جهة، إلا أنّ زيادة عدد الضحايا تكشف أيضاً مدى مرونة عدو يقوم بتنفيذ نفس عدد الهجمات في عام 2013 الذي كان ينفّذه في العام 2012. كما أنها تشير، في بعض الأحيان، إلى أنّ قوات الأمن الأفغانية ليست قادرة حتى الآن على حماية قواتها أو تقديم الإسعافات الطبية لهم حين يصابوا.

ومن النتائج الأخرى الناجمة عن هذه الخسائر الضخمة، نذكر معدلات الغياب من دون مبرر العالية في أوساط الجيش الأفغاني – حوالي 2.5 إلى 4 بالمئة شهرياً، مما يعني تبديل الجنود أكثر من ثلث مجموع الجنود كل عام. يقلل هذا الواقع من قدرة الجيش على تطوير الخبرة والمهارة في العمليات العسكرية. من ناحيةٍ أخرى، من المنصف أن نلاحظ أن معظم الجيوش حول العالم تسجل معدلات تبديل الجنود لا تُعتبر أقل بكثير من هذه؛ إنما تعكس جزئياً من حيث طبيعتها الطريقة التي تعتمدها القوات المسلحة لملء صفوفها بمجندين شباب ومؤقتين. ولحسن الحظ،، تقترب معدلات الغياب من دون مبرر في أوساط الشرطة من 1 أو 1.5 بالمئة شهرياً، وهو معدل أكثر منطقاً.

بعيداً عن الإحصائيات، من الملاحظ أن وحدات أفغانية تستكمل العمليات الهجومية التي تبنتها قوات يقودها الناتو في السنوات الماضية. لا تزال هناك أجزاء من ولاية قندهار، ولاية هلمند، وجزء كبير من الشرق يستوطن فيها العدو وهي تحتاج إلى عمليات تطهير, مع كل ما تحمله من صعوبات و مخاطر. ثمة حاجة لمزيد من المعلومات بشأن ما تمكّن الجيش الأفغاني والشرطة من القيام به في خلال هذا العام في هذه المجالات. كما ينبغي على الإيساف إصدار المزيد من البيانات، لا أن التقارير تشير إلى موسم قتالي فعال معتدل حتى الآن. لقد قامت القوات الأفغانية كذلك بتصميم خطة الحملة لهذ السنة بساعدة محدودة للإيساف.

استناداً إلى معظم الحسابات، يبدو الأمن مستقراً في المناطق المأهولة في البلاد، بعد أن تحسن في شكل كبير في السنة إلى السنتين الأخيرتين. لا تزال المدن والطرق الكبرى تواجه هجمات كبيرة تهدف إلى خلق مشاهد إعلامية، إلا أن معظم أرجاء المدينة تنعم بأمان أكثر من ذلك الذي تنعم به معظم المناطق الحضرية في أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، على الأقل إحصائياً. وتصلح أغلبية الطرق الرئيسية في البلاد للاستعمال. ومع ذلك، يمكن للإيساف أن تقوم بما هو أفضل هنا أيضاً، عبر نشر استطلاعات دورية للسكان عن ثقتها في قدرتهم على استخدام شرايين النقل الرئيسية. ما نقوم بنشره اليوم في تقاريرنا ليس إلا نتيجة مؤقتة، واتجاهات لا بدّ من مراقبتها في المستقبل.

لا تزال الحرب في أفغانستان قائمة، والعدو الذي تواجهه عنيد. تبقى الخسائر في الجيش الأفغاني والشرطة عالية جداً (حتى ولو كانت أقل بكثير من خسائر الشعب الأفغاني، ولحسن الحظّ، من خسائر قوات الناتو أيضاً)، والمستقبل يبدو مبهماً مع استعداد الناتو لتقليص قواته أكثر فأكثر بعد موسم القتال هذا قبل أن يقلصه مرة أخرى في خلال العام المقبل. ولكن بينما تشكل الحرب دائماً عملاً رهيباً، لا تحتمل أي خطأ، تبدو حملة هذا العام في أفغانستان حتى الآن مشجعة في شكلٍ معقول.