Commentary

Op-ed

باكورة الصخر الزيتي تنضج في اجتماع أوبك في فيينا

لعلّ الاجتماع الذي عقدته منظمة أوبك الأسبوع الماضي قد أظهر بعض التودد بين البلدان الأعضاء، بيد أنه لم يخرج بأي اقتراحات جدّية.

لم يتم خفض الإنتاج ولا حتى رفع سقف إنتاج المنظمة الإجمالي إقراراً منها بالواقع. وهذا الأمر ليس مفاجأة. أما ما كان لافتاً للانتباه فهو ظهور علامات التكيف مع واقعٍ جديد – وذلك، بعد تفكير لمدة عام، فالصدمة الأولى لهبوط سعر النفط قد تلاشت. وفي جلسة أوبك، اقترح وزيرا النفط من العراق وفنزويلا سعراً يتراوح بين 75 و80 دولاراً للبرميل كسعرٍ منصف.

أما البلدان الأعضاء الأكثر أمناً على المستوى المالي – المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر – فقد أعربوا جميعهم عن ارتياحهم بأن تحسن السوق قد أظهر أن الاستراتيجية التي اعتمدتها تعمل بالشكل الصحيح.

كان واضحاً أنّ التلميحات التي أشارت إلى احتمال رفع سقف أوبك النظري، البالغ 30 مليون برميل في اليوم، لتضييق الفجوة مع الإنتاج الفعلي الذي وصل إلى 31,58 مليون برميل يومياً في الشهر الماضي قد جاءت قبل آوانها بوقت طويل. وسيكون من الصعب تحديد السقف في الوقت الذي أصبحت فيه عودة إيران وشيكة. فالسقف لا معنى له تقريباً، إذ لن تغيّر المملكة العربية السعودية انتاجها لتحقيق التوازن بين المجموعة، والانتاج العراقي مستمرّ في تحقيق مستويات قياسية. ولا يمكن أن يُتهم أحدٌ “بالغش” عندما لا تكون للأعضاء حصص مخصصة بشكلٍ فردي.

والحقيقة هي أن أوبك، في دورها التقليدي ولكن التضليلي، أي مدير السوق الذي يدقق في تفاصيل الأمور ، غير قادرةٍ من الناحية الهيكلية على معالجة التحدي الذي يطرحه الصخر الزيتي. إنَّ الاختلاف بين مصالح أعضائها واسعٌ جداً. فبعضها آمنٌ مالياً وقادرٌ على خوض حرب الأسعار (دول مجلس التعاون الخليجي)، والبعض يعتمد على مكاسب الإنتاج الرئيسية لسد الثغرات المالية (العراق وإيران)، والبعض الآخر يعاني ضعفاً مالياً وغير قادرٍ على زيادة الإنتاج (فنزويلا ونيجيريا والجزائر) وعضوٌ في حالةٍ من الفوضى (ليبيا).

وبدلاً من ذلك، قررت المملكة العربية السعودية وحليفاتها في الخليج العربي ألّا تقدّم إلى الدول الأعضاء الأضعف حلاً سحرياً على المدى القصير، بل أن تفرض على هذه الدول ما هو في مصلحتها الخاصة على المدى الطويل.

ويعتقد بعض المحللين الآن أن الصخر الزيتي من الولايات المتحدة قد حل محل نفط المملكة العربية السعودية ليكون هو المنتج المتأرجح في العالم، القادر على ضبط الإنتاج بسرعةٍ استجابةً لاحتياجات السوق. وهذا يخلط بين المنتج المتأرجح والمنتج الحدي – مصدر النفط الأعلى تكلفة الذي لا خيار لديه سوى وقف الإنتاج عندما تنخفض الأسعار.

إن دور المنتج الحدي ليس بالأمر الجديد – فقد لعب نفط بحر الشمال العالي التكلفة أو حقول النفط الأمريكية القديمة هذا الدورَ تاريخياً. أما الفرق اليوم، فهو أن الصخر الزيتي، الذي تتراجع إنتاجية آباره بشكلٍ حاد من مستويات عالية في البداية، يمكن أن يستجيب بشكلٍ أسرع لتغيرات الأسعار – سواء هبوطاً أو ارتفاعاً – أكثر من المشاريع الضخمة جداً التي كانت سائدة في الماضي.

تلك هي النظرية، ولكن يبقى إثباتها عملياً. إلا أنً الأدلة الداعمة تشمل الانخفاض بنسبة 52 بالمائة الذي طرأ على العمل في منصات الحفر النشطة في الولايات المتحدة منذ هبوط سعر النفط في العام الماضي، وعلامات الاستقرار بعد انتعاش الأسعار بصورة متواضعة والتراكم الحاصل في 4,731 بئراً (اعتباراً من فبراير)، جرى حفرها ولكن في انتظار ارتفاع الأسعار للبدء بالتكسير والانتاج.

إن الملاحظات التي تشير إلى ارتفاع الكفاءة، وانخفاض التكاليف، وخيار إعادة التكسير في الآبار الموجودة بتكلفة ضئيلة، توحي كلها بأن الصخر الزيتي ليس أسرع في الاستجابة لمؤشرات السوق فحسب، ولكنه الأقدر على المنافسة بأسعار أقل مما كان يُعتقد سابقاً.

ورغم أنه يجري تصوير هذه المواجهة على أنها معركة تخوضها أوبك – المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص – ضدَّ الصخر الزيتي، إلا أنّ منتجي النفط الذين سوف يعانون هم أصحاب الحقول الهرمة في بحر الشمال، فضلاً عن ذوي المشاريع طويلة الأمد والتي تحتاج لرأس مالٍ كبير في المياه العميقة، وفي رمال النفط الكندية، التي لا يمكن أن تُوقف ويُعاد تشغيلها بسهولة. وهذا يضع مشغلي هذه الموارد أمام معضلة – فحتى لو كان يمكنهم من الناحية النظرية الإنتاج بتكلفةٍ أقل من شركات الصخر الزيتي، فإن خطر تراجع السعر على المدى الطويل يجعل من الصعب بالنسبة لهم البدء في استثمارات جديدة.

يبدو أنّ استراتيجية المملكة العربية السعودية نجحت، رغم أنها تعمل ببطء شديد بالنسبة لبعض شركائها. إلا أنّ الصخر الزيتي، الذي تمت مناقشته لأول مرة في العام 2012 ولكن غاب عن اجتماع الأسبوع الماضي، كان الموضوع الأبرز على طاولة اجتماعات فيينا.