Commentary

Op-ed

الوفاء بوعود القاهرة ومواجهة التحديات

Stephen R. Grand and
Stephen R. Grand زميل سابق في بروكنجز
Dalia Mogahed
Dalia Mogahed President/CEO, Mogahed Consulting; Former Executive Director, Gallup Center for Muslim Studies, United States

June 4, 2010

في مثل هذا اليوم من العام الماضي، ألقى الرئيس أوباما خطابًا تناقلته جميع وسائل الإعلام مخاطبًا المسلمين حول العالم. وتابع الخطاب الملايين من المسلمين بحماسة وتفاؤل يشوبهما الحذر. بيد أنه حدثت أمور كثيرة منذ ذلك الحين. وفي الذكرى السنوية الأولى لخطاب أوباما نتساءل ما هو الأثر الذي خلفه الخطاب بعد أن تلاشت من الذاكرة الكثير من عباراته الخطابية المؤثرة وقوة تعبيراته البلاغية؟

لقد كان يبدو أن الرئيس أوباما يرمي من وراء إلقاء هذا الخطاب إلى ثلاثة أهداف. أما هدفه الأول فقد تمثل في تغيير الأجواء المحيطة بعلاقات أمريكا مع المجتمعات الإسلامية حول العالم. ففي أعقاب الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر و”الحرب على الإرهاب” التي قادتها الولايات المتحدة وما صاحبها من شعارات خطابية ارتجالية في بعض الأحيان، ومنها “الحملات الصليبية” و”شرور فاشية الإسلام”، توجه الكثير من المسلمين إلى الاعتقاد بأن دينهم وأرضهم واقعين تحت الحصار. وسعى أوباما من خلال خطابه إلى تبديد هذه المعتقدات المتأصلة في الأذهان والتي أضحت تضر بمصالح الولايات المتحدة حول العالم. وقد انطوى خطابه على أسلوب روائي، حيث قال: “أنا لست جورج بوش، فقد قضيت ردحا من طفولتي في كينيا وإندونيسيا، لذا فأنا أفهم أصحاب العقيدة الإسلامية وأكن لهم كل الاحترام. فليس لدى أية مخططات استعمارية على أرضكم، وأومن بأننا بيننا مصالح مشتركة يمكن أن نحققها معا، بل يتعين علينا هذا”.

ويبدو أن الهدف الثاني يتمثل في تحديد سياسة خارجية جديدة لمواجهة الكثير من الصراعات العنيفة التي طالما ما كانت مصدرًا لتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة وعامة المسلمين حول العالم. فأكد الرئيس أوباما في خطابه على التزامه بانسحاب جميع القوات الأمريكية من العراق، وعزمه على تكثيف الجهود الرامية إلى استقرار الوضع في أفغانستان، واستعداده للدخول في مفاوضات مباشرةً مع إيران. إلا أن النقطة المحورية للخطاب بالنسبة لكثير من المسلمين تمثلت في العهد الذي قطعه على نفسه فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذا قال في هذا السياق: “أنا شخصيا أسعى حثيثًا لتحقيق [الحل الذي يعتمد على تأسيس دولتين] بكل ما أوتيت من صبر وجهد تتطلبهما هذه المهمة”.

وأما الهدف الأخير فيبدو أنه كان يتمثل في توسيع نطاق التعاون بين أمريكا والمجتمعات الإسلامية حول العالم بما يتجاوز المنظور الضيق للإرهاب تجاه الشراكات من أجل التصدي لقطاع عريض من التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الكثير من هذه المجتمعات. وقد صرح قائلا: “إن أمريكا على استعداد لأن تتحد مع المواطنين والحكومات والمنظمات الأهلية والزعماء الدينيين وقطاع الأعمال في المجتمعات الإسلامية حول العالم كي ينعم شعبنا بحياة أفضل.”

وبعد مرور عام على هذا الخطاب نتساءل إلى أي مدى نجحت حكومة أوباما في تحقيق هذه الأهداف الجريئة؟ هل نجح الخطاب بالفعل في أن يخلق “البداية الجديدة” المرجوة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمعات الإسلامية حول العالم؟

إلا أن القرار، على ما يبدو، لم يُحسم بعد. تشير استطلاعات الرأي العام، فيما يتعلق بأجواء هذا الخطاب، أن الرئيس أوباما يحظى بنظرة أكثر إيجابية أكثر من سلفه بسبع عشرة نقطة على مستوى العالم. [1] ورغم ذلك، يقترح استطلاع جالوب الذي نُشر مؤخرًا أن الصورة ليست وردية بهذه الدرجة في العالم العربي، قلب الإسلام. ويشير الاستطلاع بعد إجراء مسح استبياني في ست دول عربية أن مؤشر أداة القيادة الأمريكية ارتفع في نصف البلاد التي أُجري فيها الاستبيان فور تقلد أوباما للمنصب ثم أخذ في الارتفاع بعد خطاب القاهرة. إلا أن المؤشر آخذ في الهبوط منذ ذلك العام. لذا نجد أن 25% من المصريين قد أعربوا عن تأييدهم للقيادة الأمريكية وقت تقلد أوباما للرئاسة (بعد أن كانت شبه معدومة بنسبة 6% في يناير 2008) ثم ارتفعت إلى 37% عقب خطاب القاهرة، واليوم لا تزيد نسبة تأييدهم على 19%. [2]

وبالنسبة للصراعات العنيفة التي أشار لها الرئيس أوباما في خطابه، نجد أنه كان عند وعده حتى الآن فيما يخص سحب القوات الأمريكية من العراق ومضاعفة الجهود الأمريكية في أفغانستان. ويبدو أنه كان صادقًا في عرضه لمد جسور الصداقة مع إيران إلا أن هذه المبادرات باءت بالفشل على نحو متكرر مع تزايد تشدد نظام الحكم بهذه الدولة. ورغم ذلك، وكما نوه الأستاذ الجامعي شبلي تلحمي، فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو “بلّورة الألم” التي ينظر من خلالها الكثير من العرب والمسلمين إلى الولايات المتحدة. ولم تحرز إدارة أوباما أي تقدم ملموس حيال هذه القضية الحاسمة.

وفي سياق الشراكات، نفذت إدارة أوباما الكثير من وعوده التي قطعتها في القاهرة. فقد اختير ثلاثة مبعوثين بارزين في العلوم. وتأسس صندوق التكنولوجيا والابتكارات لجمع رأس مال خاص يقارب 2 مليار دولار أمريكي لبلدان أغلبيتها من المسلمين. واستضاف الرئيس في شهر أبريل قمة ريادة الأعمال التجارية التي ضمت 250 من أصحاب المشاريع التجارية والاجتماعية، فضلا عن تدشين العديد من برامج التبادل الواعدة. 

لكن فكرة الشراكة التي نوه عنها الرئيس أوباما في خطابه بالقاهرة كانت ترمي إلى ما وراء الإنجازات التي خصّها بالذكر في خطابه. فهي تتطلع إلى مجموعة قوية للغاية ومستدامة من المساعي الهادفة إلى دعم التعاون بين الأمريكيين والمسلمين في بلدان أخرى وتهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والبشرية من خلال طرق جوهرية ثابتة، وتسهم في ذات الوقت في تدعيم التفاهم المتبادل، علمًا بأن هذه الروية الموسعة لا تتوقف على مجرد العمل الجاد من قبل عدد محدود من مسؤولي الحكومات ذوي النوايا الحسنة. فهي في حقيقة الأمر في حاجة إلى أن تُحشد لها الطاقات والمواهب والموارد من خلال التعاون والمجموعات المدنية والجمعيات المهنية والمؤسسات الخيرية ومواطنين عاديين من كلا الجانبين.

ومع المضي قدمًا سيكون على الرئيس أن يعمل بنفس الطموح والإقدام والواقعية التي أظهرها في جوانب أخرى في أوائل عهده، هذا إن كان راغبًا في أن يرتقي من جميع الجوانب لمستوى التحدي الحيوي بعيد المدى الذي تعهد به بالقاهرة منذ عام مضى.

 




[1] http://www.gallup.com/poll/125720/Global-Perceptions-Leadership-Improve-2009.aspx



[2] http://www.gallup.com/poll/137759/Arab-Countries-Turn-Leadership-2010.aspx?utm_source=alert&utm_medium=email&utm_campaign=syndication&utm_content=plaintextlink&utm_te