Commentary

Op-ed

الوضع في غزة يتطلب إجراءات فورية

حان الوقت لتنظر الأمم المتحدة في أخلاقيات آلية إعادة إعمار قطاع غزة التي تعتمدها.

مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية على آخر جولة من الصراع في غزة، تكاد الظروف اللاإنسانية التي يعيش في ظلها 1,8 مليون فلسطيني أن تصل إلى ذروتها مع حلول أشهر الصيف التي يزداد في خلالها الاستياء بسبب نقص المياه والكهرباء – المتوفرة بالكاد ثماني ساعات يومياً – والحرارة الخانقة وعدم تقدم عملية إعادة الإعمار؛ الأمر الذي قد يتتوّج بدورة جديدة من العنف.

رغم الهدوء النسبي الذي تشهده غزة منذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في 26 أغسطس 2104، سُجل أكثر من 20 حادثة خطيرة، بما في ذلك هجومات وغارات جوية وتبادل صواريخ سقط ضحيتها 23 فلسطيني في قطاع غزة منذ ديسمبر 2015.

ومع استمرار تبادل الخطابات العدائية بين حركة حماس وإسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية، ازداد استياء الناس أكثر فأكثر مع تصاعد العنف في الضفة الغربية والقدس – الواقعتين خارج سيطرة حركة حماس والسلطة الفلسطينية – الأمر الذي زاد من حدة الموقف.

إعادة الإعمار في قطاع غزة

باتت المسألة الإسرائيلية/ الفلسطينية تتسم بسوء السمعة أمام تقاعس المجتمع الدولي.رغم ذلك، فإن إعادة إعمار قطاع غزة مسألة لا يُعتبر فيها التحرك ممكناً فحسب، إنما ضروري جداً من وجهة نظر استراتيجية وكذلك إنسانية.

تختلف التقديرات لحجم إعادة الإعمار الذي تمّ إنجازه باختلاف المصدر، وتترواح بين 17 بالمئة (3,000) من بين الـ 18,000 منزل التي دُمرت أو تضررت ضرراً جسيماً في يوليو/ أغسطس 2014 بحسب تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية؛ و9 بالمئة بحسب تقارير البنك الدولي؛ أما بالنسبة للغزيين، فنسبة إعادة الإعمار هي صفر.

بغض النظر عن الرقم الدقيق، تبقى الحقيقة أنّ أكثر من 75,000 شخص لا يزالون نازحين في مختلف مناطق القطاع كنتيجة مباشرة لحرب يوليو/ أغسطس 2014، وهي مشكلة تزداد سوءاً بسبب نقص التمويل.

ثمة عوامل كثيرة لتفسير هذا التقدم البطيء، وأبرزها الحصار الإسرائيلي المستمرّ وهو السبب الرئيسي الكامن وراء كافة الحروب في غزة منذ انسحاب إسرائيل الأحادي الجانب في العام 2005. وما جعل الوضع أسوأ هو رفض مصر فتح معبر رفح من دون وجود للسلطة الفلسطينية، في ظل عجز الفلسطينيين عن تفعيل حكومة الوفاق.

ولكن هناك عامل واحد مثير للجدل قد حظي بالقليل من الاهتمام وهو آلية الأمم المتحدة لإعادة إعمار غزة.

إنّ آلية إعادة إعمار قطاع غزة هي نظام مراقبة معقد يرمي إلى: “أ) تمكين الحكومة الفلسطينية من قيادة عملية إعادة الإعمار؛ ب) تمكين القطاع الخاص في غزة؛ ج) طمأنة الجهات المانحة إلى أن استثماراتهم في أعمال إعادة البناء في قطاع غزة ستُطبق من دون أي تأخير؛ د) معالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية ذات الصلة باستخدام مواد البناء وغير ذلك من المواد المزدوجة الاستعمال” (الأمم المتحدة، أكتوبر 2014).

شرعية أخلاقية

بعد سنتين على انطلاق عملية إعادة الإعمار، يبدو الآن واضحاً أن آلية إعادة الإعمار لا تطرح صعوبات بالنسبة لسكان القطاع الساعين إلى إعادة بناء منازلهم فحسب – إذ إنها تجبرهم على الانتظار لفترات طويلة قبل الحصول على مواد البناء – إنما أيضاً، والأهم من ذلك، هي أنها تحد من الشرعية الأخلاقية لدور الأمم المتحدة في قطاع غزة.

وفي ظلّ محاولة الأمم المتحدة أن تكون الجهة الإنسانية والسجان في الوقت ذاته، لقد أصبحت سريعاً وجه الحصار الذي من السهل تمييزه.

خلال أكثر من 70 عاماً، ارتبطت الأمم المتحدة في قطاع غزة إلى حد كبير بعمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا).

صحيح أنّ الشعب الفلسطيني قد تقبّل أنّ الأمم المتحدة لا يمكنها حلّ مشاكلهم، إلا أنّهم لا يزالون يتوقعون أنها لا بد على الأقل أن تحاول أن تأخذ موقفاً محايداً، وفي بعض الحالات الالتزام بقيمها من خلال التصرف كشاهد والتعبير عن الوحشية التي يتعرض لها الفلسطينيون.

مع آلية إعادة إعمار قطاع غزة، تغيّر دور الأمم المتحدة. غابت سمة الحيادية عن الواجب الإنساني الذي تتمسك به الأمم المتحدة عندما تقدّم المساعدات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في الحقيقة، لتسهيل تدفق مواد البناء بموجب آلية إعادة إعمار قطاع غزة، أصبحت الأمم المتحدة على نحو متزايد تبدو وكأنها تفضل الوضع الراهن والوقوف إلى جانب الطرف الأقوى – أي إسرائيل.

يمكن القول إنه بين الأهداف الأساسية الأربعة لوضع آلية إعادة إعمار قطاع غزة، يبدو أن السبب المرتبط بمصالح إسرائيل الأمنية يأخذ الأولوية دائماً.

في ظلّ الترتيبات الراهنة، يتعين على الراغب بالحصول على مواد البناء أن يتوجه أولاً إلى مدير آلية إعادة إعمار قطاع غزة ليتم إدراج اسمه على لائحة. وعندما يحين دوره، لا بدّ أن يحظى طلبه بموافقة مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة قبل توزيع أي مواد. هذا ويمكن أن تستغرق العملية بين مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ويبن آلية إعادة إعمار قطاع غزة عدة أسابيع.

إن رؤية طاقم عمل تابع للأمم المتحدة في سيارات مدرعة تحمل أكياس الإسمنت (لضمان تسليمها واستخدامها كما يجب) تثير غيظ سكان قطاع غزة، فهم يرون في هذا التصرف أن الأمم المتحدة تولي أهمية لحماية مواد البناء أكبر من تلك التي توليها لحماية حياة الناس.

سياسة الاحتلال المعقدة

إن عجز آلية إعادة الإعمار في قطاع غزة عن أشراك المجتمع المحلي قد زادت التوترات على مدى العامين المنصرمين. خلال وضع آلية إعادة إعمار قطاع غزة، لم يشارك المجتمع المدني في غزة في تشكيل سياسات إدارة توزيع مواد البناء.

كانت الأمم المتحدة والحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية فقط هي من وضع خطة إعادة إعمار القطاع. نظراً لموقفها المسبق لرفض منح حركة حماس أي فرصة بالمشاركة، أدت العملية فعلياً إلى استبعاد المدنيين ومنظمات المجتمع المدني، وكان ذلك خطاً فادحاً.

يدرك نيكولاي ملادينوف ومسؤولون كبار آخرون في الأمم المتحدة جيداً أن آلية إعادة إعمار قطاع غزة قد وقعت ضحية سياسات الاحتلال والمقاومة المقعدة. فهي تُستخدم يومياً من أجل معاقبة حركة حماس أو “استفزازها” و/أو إحباط أي إمكانية للتوصل إلى تفاهم بين قطاع غزة والضفة الغربية. وقدت وفّرت غطاءً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإغلاق حدوده بينما يواصل تنفيذ خطة لضمان الأمن في سيناء محكوم عليها بالفشل. كما وإن افتقار هذه الآلية إلى الفعالية قد منح العديد من الجهات المانحة سبباً لعدم الوفاء بتعهداتها، الأمر الذي زاد من حدة المعاناة.

باختصار، إنّ الوضع في قطاع غزة يتطلّب اتخاذ إجراءات فورية. بغض النظر عن المسبب لفشل آلية إعادة الإعمار في قطاع غزة في تخفيف معاناة الغزيين، يبدو من الأنسب أن تعترف الأمم المتحدة بفشل الآلية وحتى بسحب خدماتها.

في الحقيقة، إن انسحاب الأمم المتحدة من مهمة إدارة عبور مواد البناء واستخدامها ليس فقط التصرف الصحيح من الناحية الأخلاقية، إنما أيضاً قد يُجبر إسرائيل والحكومات الأوروبية ودول الخليج والولايات المتحدة، بالإضافة إلى حركة حماس والسلطة الفلسطينية على التحرك بشكلٍ بنّاء.

نظراً للمخاوف الأمنية في العراق وسوريا ومصر وفي مناطق أخرى، لن يقف المجتمع الدولي مكتوف اليدين ويسمح بانهيار تام في قطاع غزة. إنما البديل هو الاستمرار في إنكار حقيقة الآلية ومشاهدة مظالم الفلسطينيين في قطاع غزة تصل إلى مستوى يصعب حله، مستوى سيخلّف دورة عنف جديدة أسوأ من سابقاتها.