Commentary

Op-ed

الجهاديون والجهاديون السابقون في سيناء

“لا يوجد عداء بين السلطات والتيار الإسلامي. ويعلم الأخوة في سيناء هذا… وأعلم أن عملية [رفح] لا معنى لها في هذا الإطار، فهي عمل إجرامي ونحن ندين كل ذلك”، صرح بذلك مجدي سالم، أحد قادة ما كان يعرف سابقا باسم منظمة الجهاد المصرية. لقد وصل سالم، جنبا إلى جنب مع ثلاثة آخرين، إلى سيناء في مهمة الأسبوع الماضي: وقد تمثلت هذه المهمة في الحد من نطاق النزاع وعزل مرتكبي مجزرة رفح التي وقعت في 5 أغسطس، حيث أقدمت مجموعة مسلحة على قتل 16 جنديًا من حرس الحدود المصرية ثم تسللت إلى إسرائيل. ما سبب تواجد الجهاديون السابقون في شبه جزيرة سيناء الحساسة والمضطربة؟ في الواقع، هذا ليس التفاعل الأول بين السلفيين الجهاديين والجهاديين السابقين في شبه الجزيرة الحساسة والمهمشة من الناحية الجيوستراتيجية، وبالتأكيد لن يكون الأخير.

إن العبث المتوتر بين الدولة المصرية والجهاديين في سيناء يعود تاريخه إلى التفجيرات المتزامنة في طابا ونويبع في أكتوبر 2004. فبعد وقوع هذه الكارثة، لم يكن لدى مباحث أمن الدولة (SSI) وقوات الأمن المركزي (CSF) أية معلومات تقريبًا عن الجناة ولذا أجريت حملة قمع وحشية في شمال سيناء. نتج عنها اعتقال حوالي 3000 شخص، وأخذت النساء والأطفال التابعين للمشتبه فيهم كرهائن حتى يستسلم المشتبه فيهم. وأفاد أحد المعتقلين منذ عام 2004: “إنهم يصعقوننا بالكهرباء في الأعضاء التناسلية لمدة يوم أو نحو ذلك قبل توجيه أي سؤال. ثم يستمر التعذيب أثناء وبعد الاستجواب. فأقسم كثير من الرجال على الانتقام”.

لقد ضربت موجة ثانية من التفجيرات شرم الشيخ في يوليو 2005. وفي هذه المرة، أعلنت إحدى المنظمة مسؤوليتها عن الهجمات. لقد كانت منظمة التوحيد والجهاد (TJS)، التي تنتمي روحيًا إلى أبو مصعب الزرقاوي في العراق، لكن معظم قادتها وأعضائها من السكان المحليين. وكان خالد مساعد، مؤسس الحركة، طبيب أسنان من مدينة العريش وينتمي إلى قبيلة السواركة، وهو واحد من أكبر وأكثر الشخصيات تأثيرًا في شمال سيناء وقد قُتل مساعد في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن المركزي (CSF) في 28 سبتمبر 2005. وعلى الرغم من وفاته، كانت مساهمته الرئيسية تتمثل في تحويل التيار الأيديولوجي المذكور في الكتب والخطب إلى هيكل تنظيمي حقيقي، مكون من تسلسل هرمي وخلايا متعددة في ما لا يقل عن خمس مدن أو مناطق (العريش ورفح والإسماعيلية ووسط سيناء / جبل الحلال، ونخلة).

ذهبت حركات التوحيد والجهاد في طرق مختلفة. حيث جذب كل منها جماعات وأفراد جدد متشابهين في التفكير. وأصبح الفصيل الأكبر مكتفيًا بالوعظ السلفي والانخراط في العمل الاجتماعي على الطريقة السلفية. وشمل هذه التحكيم في المنازعات على أساس الشريعة الإسلامية وتوفير مجموعة واسعة من الخدمات الاجتماعية. وقد تمثل هذا من قبل جمعية أهل السنة والجماعة السلفية واللجنة الشرعية لتسوية النزاعات بشمال سيناء ونحو خمس منظمات أخرى أصغر. وكان هناك فرع آخر اكتفى بشكل أكبر بالتدريب شبه العسكري دون الانخراط في أي أنشطة مسلحة، سواء في مصر أو ضد إسرائيل. أما الفرع الثالث فقد تحرك في الاتجاهين حيث قام بتخزين السلاح والتدريب عليه ومن ثم شارك في سلسلة من العمليات المسلحة، وكان ذلك ضد أهداف إسرائيلية بالأساس. ومن ذلك مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس، الذي أعلن مسؤوليته عن مهاجمة موقع عسكري في شمال غرب كيسوفيم في صحراء النقب بصاروخين غراد.

وبعد تفجيرات 2005، أعقب ذلك موجة ثانية من الاعتقالات وحملات القمع. حيث أُلقي القبض على العديد من المشتبه فيهم من أعضاء التوحيد والجهاد والمتعاطفين معهم وكذلك أقاربهم ومعارفهم وجيرانهم. وقد صرح أحد المعتقلين السابقين الذي سُجن مع ما عُرف باسم مجموعة سيناء: “التقينا بهم في السجن. ومعظمهم لا يعرف شيئًا عن الأيديولوجية أو الدين أو الفقه. وبعضهم أميون وكان علينا أن نعلمهم كيفية القراءة”. وأضاف: “كل ما درسه أعضاء التوحيد والجهاد ثلاثة كتيبات كتبها أبو محمد المقدسي [المنظر الجهادي الأردني الشهير] وقادهم هذا للتوسع في تكفير الآخرين”.

لقد تم توزيع معتقلي سيناء على خمسة سجون بشكل أساسي وهي: دمنهور وسجن شديد الحراسة (المعروف باسم العقرب) وليمان طره والوادي الجديد ووادي النطرون. وقد حدثت أكثر التفاعلات بينهم وبين الجهاديين السابقين في تلك السجون في الفترة بين عامي 2004 و2009. وقد نظمت لهم الجماعة الإسلامية والعديد من قادة الجهاد السابقين وبعض الرموز السلفية المستقلة الدروس في الفقه الإسلامي والعقيدة وتم تقديم المراجعات عن طريق الجماعة الإسلامية وغيرها. وفي السجون تخلي بعض أعضاء التوحيد والجهاد عن الفكرة التي تعد جوهر العقيدة الجهادية والتي تتمثل في أن: العمل المسلح هو الأسلوب الشرعي الوحيد الفعال للتغيير الاجتماعي والسياسي. وقد ترأس أحد هذه الدروس الشيخ حمدين أبو فيصل، الرئيس الحالي للجمعية السلفية ويقال بأنه أحد قادة جماعة التوحيد والجهاد السابقين. وقد أمضى 18 شهرًا رهن الاعتقال في أعقاب تفجيرات طابا. يقول: “أنا مدين للشيوخ [في السجن] بأشياء كثيرة … ولكن أشعر بالقلق حقا من العودة إلى الأيام الخوالي”. وقد عنى “بالأيام الخوالي” حملة القمع الوحشية، التي يتعلق جزء منها بعملية النسر، تلك الحملة العسكرية الأمنية التي أسفرت عن اعتقال أكثر من 100 مشتبه فيهم ومقتل أكثر من 11 شخصًا (بما في ذلك القائد المزعوم لعملية رفح). وظهرت بعض الممارسات القديمة في العملية النسر، بما في ذلك الاعتقالات الانتقامية المزعومة وتصفية الحسابات القديمة بين ضباط الأمن وزعماء القبائل والإسلاميين. ولكن تم الإفراج عن المشتبه فيهم بشكل أسرع مقارنة بزمن الدكتاتور حسني مبارك – في غضون أيام بدلاً من عقود.

وقد أثارت مخاوف أبو فيصل والوضع المتفجر في سيناء العديد من المبادرات الأخيرة من السلفيين والجهاديين السابقين. حيث وضعت الجماعة الإسلامية إستراتيجية شاملة للتعامل مع الوضع، وعرضتها على وزارتي الدفاع والداخلية والرئاسة أيضًا. يقول طارق الزمر المتحدث باسم الجماعة الإسلامية ورئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية: “نحن في انتظار الرد، ونحن مستعدون للمساعدة بأي طريقة ممكنة”.

ولكن تصور بعض قادة الجماعة الإسلامية مثير للجدل وذلك أساسًا بسبب المراجعات وعملية “نبذ العنف”. يقول معتقل سابق من سيناء: “هؤلاء الرجال [بعض القادة بعينهم] قد وقعوا على المراجعات وأيدوها. ويرى العديد من الجهاديين أنهم “مخبرون” للشرطة. وفي الواقع، وبالنسبة للعديد من السلفيين الجهاديين المصريين والعرب، يتمثل الخط الفاصل بين الولاء والخيانة في الموقف من المراجعات. وعلى الرغم من نتائجها الرئيسية في حقبة 2000، أدت عمليات نبذ العنف في حقبة 2010 – الترغيب في الاعتدال – إلى الحد من، وأحيانا التخلص من، تأثير تلك العناصر المرتبطة بها أكثر من أي منظمة إسلامية مسلحة.

وقد اتخذ حزب النور، الجناح السياسي للدعوة السلفية في الإسكندرية، مبادرة أخرى. فعلى الرغم من التاريخ الطويل في الوقوف في وجه الجهادية الحالية، بدأ النور سلسلة من المحاضرات لمدة ثلاثة أيام يمكن أن توصف بأنها فعاليات من أجل “مكافحة الجهادية” و”مكافحة التكفير”. وينوي عدد من الشخصيات والأحزاب السلفية القيام بالشيء نفسه. ولكن سيقتصر دورهم على الوقاية، بدلا من الوساطة، نظرًا للتاريخ الطويل من الخلافات الأيديولوجية.

لقد كان محمد الظواهري وسيطًا أكثر مصداقية لجهاديين سيناء، ولكن ليس بالنسبة للأطراف الأخرى. حيث إنه يعد مبادرة هو الآخر. وهي مبادرة عامة بشكل أكبر تتجاوز حدود سيناء، وتهدف هذه المبادرة المكونة من 13 نقطة إلى “الوساطة” بين مختلف المجموعات التي تنتمي إلى التيار الجهادي و”الغرب”. والهدف من “الوساطة” وقف العمليات المسلحة ضد أي أهداف غربية وحماية المواطنين والمصالح الغربية، وذلك في مقابل إطلاق سراح السجناء الجهاديين في الغرب، وانسحاب الأفراد العسكريين الغربيين من الدول ذات الغالبية المسلمة. ومن المحتمل أن تكون المبادرة في شكلها الحالي أكثر جذبًا لاهتمام وسائل الإعلام في الذكرى 11 سبتمبر، وأقل احتمالاً لإقناع صناع القرار وستتطور إلى محاولة وساطة مهمة.

وعلى المستوى المحلي، أسس رموز الجهاد السابقون والسلفية الجهادية لجنة لحل النزاعات المحلية: اللجنة الشرعية لتسوية النزاعات في شمال سيناء. وقد كانت اللجنة الشرعية لتسوية النزاعات في شمال سيناء ناجحة في الفصل بين النزاعات القبلية على أساس الشريعة الإسلامية بدلا من المعايير القبلية المعتادة. وكانت هذه النقطة محورية في المبادرات المذكورة أعلاه والجهود المبذولة لوقف إطلاق النار. لكن اللجنة الشرعية لتسوية النزاعات في شمال سيناء كان لديها مشاكلها الخاصة أيضًا. يقول أحد حكام اللجنة الشرعية لتسوية النزاعات في شمال سيناء الذي يعيش في العريش أن: “أي فرد هنا لديه سلاح، والآن يعتقل الجيش أي شخص له لحية ومعه سلاح”. وأضاف: “لقد ألقي القبض على الشيخ أمين أبو طلحة منسق اللجنة الشرعية لتسوية النزاعات في شمال سيناء في الشيخ زويد … لقد استخدم سلاحه لحماية كنيسة العريش خلال الثورة … والآن يطلق الكذابون في وسائل الإعلام عليه صفة الإرهابي الذي فر من وجه العدالة لمدة خمس سنوات. إنهم يسيئون إلينا”. ويتفق أبو فيصل مع ذلك ويضع أبعادًا أخرى للأزمة: “لماذا تأتي إلينا وسائل الإعلام؟… يجب أن يذهبوا بحثُا عن تجار المخدرات والتعذيب في أمن الدولة وبقايا نظام مبارك ليجدوا الأجوبة؟”

إن الأزمة الحالية في سيناء مع عشرات الجهاديين المسلحين، وليست مع المئات وبالتأكيد ليست مع الآلاف. وإذا لم يتم احتواءها أو القضاء عليها بسرعة، يمكن أن تصبح أسوأ من حيث النطاق والحجم الكثافة. ولكن النماذج الموجودة من المنظمات المسلحة على الحدود المضطربة، مثلها في ذلك مثل حزب الله (ترعاها الدولة بالكامل) أو لشكر طيبة (ترعاها الدولة جزئيًا) أو جماعات المجاهدين الشيشان في ممر بانكيسي (سلطات الدولة محدودة) من غير المحتمل أن تتطور. ومع ذلك وبالنسبة لاحتواء الوضع في سيناء، يتطلب الوضع وجود هيئة قيادية مركزية محلية ونزع السلاح بالكامل وتسريح الجنود المسلحين وبرنامج لإعادة الاندماج في المجتمع وطريقة منظمة للتفاعل مع السلفيين والجهاديين السابقين لإضفاء الشرعية على هذه الإجراءات والحد من المعارضة المسلحة.

وعلى المدى الأطول، ينبغي ألا يتم التعامل مع شبه جزيرة سيناء باعتبارها مجرد تهديد محتمل للأمن الجغرافي الإستراتيجي للقاهرة. وينبغي إعادة النظر في سياسات وإجراءات التشغيل الموحدة على أساس هذه الافتراضات في عهد الرئيس محمد مرسي. فلقد تم ارتكاب أعمال قمع واسعة وتمييز ضد السكان المحليين وإذلالهم واحتجاز الرهائن من قبل الأجهزة الأمنية والتعذيب والمعاملة المهينة ضد السكان المحليين في سيناء، مع تداعيات طويلة الأمد حتى بعد الثورة. وتم تطبيق سياسات مماثلة في الصعيد، في حقبة التسعينات كاملة وكان لها عواقب وخيمة انتهت بمذبحة الأقصر في نوفمبر 1997 وكانت هناك قائمة طويلة من الثأر المحلي.

وفي العقود الستة الماضية، كانت سيناء عاملا حاسما في السياسة المصرية العليا: منذ صعود جمال عبد الناصر كزعيم عربي جديد في عام 1956 حتى الإطاحة بالمشير حسين طنطاوي وجنرالات المجلس الأعلى للقوات المسلحة في عام 2012. وستظل كذلك في السياسة المصرية والإقليمية في المستقبل المنظور. وتحت قيادة أول رئيس مدني منتخب لمصر، حان الوقت لكسر الحلقة المفرغة من التكتيكات المؤقتة القائمة على رد الفعل القمعي الكثيف، والبدء في تنفيذ سياسة شاملة تجاه سيناء تعالج التهديدات الأمنية قصيرة ومتوسط الأجل على حد سواء (مع ميزات وأهداف محددة للغاية بما في ذلك تحديد التهديد وطبيعته وظروفه الداعمة، والأساليب المشروعة لمكافحته وإستراتيجيات المكافحة). وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتعامل أي سياسة شاملة أيضًا مع الاحتياجات التنموية طويلة الأمد في المنطقة، بما في ذلك الأبعاد القبلية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والهوية والديموغرافية للمشكلة وكذلك حل النزاعات وإستراتيجيات لمنع نشوب الصراعات والبدائل الخاصة بذلك.