ملاحظة المحرر من لوفير: يُعد الاحتلال العسكري الروسي لشبه جزيرة القرم ومحاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإرساء تسوية سياسية من شأنها أن تفصل شبه جزيرة القرم عن بقية أوكرانيا أحدث اختباراً لسياسة إدارة أوباما الخارجية وربما أكثرها أهميةً. تسير الأحداث على الأرض بخطى سريعة وتتحدى التصنيف السهل فتُعقّد السياسات أكثر فأكثر. يقدم ستيفن بايفر، وهو زميل أول في معهد بروكنجز وكذلك سفير الولايات المتحدة في أوكرانيا على مدى عدة سنوات كانت غاية في الأهمية إبان فترة كلينتون، وجهة نظره بشأن التحديات المقبلة وأفضل ما يمكن للولايات المتحدة وحلفائها اعتماده كنهج.

مع سيطرة الجيش الروسي على شبه جزيرة القرم، صوّت البرلمان الإقليمي في شبه جزيرة القرم لصالح قرار الانضمام إلى الإتحاد الروسي وقرر إجراء استفتاء للتصديق على ذلك. لا ينبغي لأحد أن يشك في المآل الذي سيؤول إليه هذا الاستفتاء. فالنتيجة ستضع موسكو، وكييف، والغرب أمام خيارات صعبة ومصيرية.

في شبه جزيرة القرم، استولى الجيش الروسي على مختلف المواقع الرئيسية؛ وحاصر الوحدات الأوكرانية في قواعدها، وزرع حقل ألغام لتطويق شبه الجزيرة وعزلها عن الأرض الرئيسية. وتحت قيادة رئيس وزراء أفادت التقارير أنه سبق وعُرِف في أوساط الجريمة المنظمة المحلية بالجوبلن، صوّت برلمان القرم في 6 مارس لصالح قرار الانضمام لروسيا 78 صوت مقابل لا شيء مع امتناع ثمانية أشخاص عن التصويت. وقد مُنع بعض النواب الذين كانوا ليعارضوا هذه الخطوة من المشاركة في التصويت.

وقد قرر البرلمان أيضاً إجراء استفتاء في 16 مارس. يقدّم الاقتراع خيارين: إما الإنضمام إلى روسيا وإما استعادة دستور العام 1992 الذي يمنح القرم أكثر بكثير من الحكم الذاتي. أما إبقاء القرم جزءاً من أوكرانيا في إطار الترتيبات الدستورية الراهنة، فلا يندرج ضمن إطار الاقتراع.

في ظروف مختلفة، في ظلّ غياب الإضطراب في كييف وغياب الإحتلال الروسي في شبه جزيرة القرم، قد يفضّل جزءٌ كبيرٌ من سكان القرم التقرب من روسيا أو حتى الإنضمام إليها. مع الإشارة إلى أن نحو 60 بالمائة من السكان هم من أصول روسية. هذا وكانت شبه الجزيرة جزءاً من روسيا حتى العام 1954، حين ضمّها نيكيتا خروتشوف إلى أوكرانيا، وهو أمرٌ لم يكن في حينها ذي أهمية كبيرة، إذ حصل في ظلّ وجود الاتحاد السوفياتي.

لقد صوّت 54 بالمائة من سكان شبه جزيرة القرم لصالح استقلال أوكرانيا عشية انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. وبالتالي، قد لا يكون الخيار بهذا الوضوح في أوقات أخرى.

إلا أن هذه الفترات الزمنية ليست مختلفة. في شكلٍ أو بآخر، سيؤدي الإستفتاء إلى تصويت على قرار الإنضمام لروسيا، وسيفتقد إلى الشرعية. وسيتمّ تنفيذه في ظلّ تجوّل الجنود الروس في الشوارع وإغلاق محطات التلفزة الأوكرانية واستبدالها بالبث الروسي مع ما يروّجه من وجهات نظر دعائية. وسيقاطع التصويت سكان القرم التتر الذين يشكلون 12 بالمئة من السكان.

يُعتبر الاستفتاء غير شرعي بموجب القانون الأوكراني. إلا أنّ الأمر ليس بمشكلة بالنسبة لموسكو إطلاقا، رغم أن الروسيين سيزعجهم لو طالب الشيشانيون بإجراء استفتاء حول الاستقلال – وهو أمر خاض الكرملن حربين دمويتين من أجل منع حدوثه.

على مدى العقدين الماضيين، وافقت أغلبية الدول الأوروبية بشكل عام على عدم امتلاك الأقليات العرقية الحق بفصل نفسها من جانب واحد، وهو مبدأ دعمه الروس بقوة، حين عاد الأمر إلى روسيا. شكلت كوسوفو، التي وقعت ضحية التطهير العرقي الذي قامت به صربيا في الفترة الممتدة بين 1998 و1999، الاستثناء الرئيسي في أوروبا. اعترفت أكثر من 100 دولة بإعلان كوسوفو استقلالها من جانبٍ واحد، وذلك بعد عقدٍ من المفاوضات الفاشلة مع صربيا.

ما إن يُنفذ الاستفتاء في القرم، سيجد الرئيس الروسي فلادمير بوتين نفسه أمام خيارين أساسيين. بدأ البرلمان الروسي يأخذ بعين الاعتبار أمر تشريعٍ يُبسّط انضمام أراضٍ غريبة إلى روسيا. يستطيع بوتين ببساطة أن يُلحِق القرم، الأمر الذي قد يلاقي شعبية مع قاعدته المحافظة الواسعة.

إلا أن للأمر تكلفته. فالقلق قد يساور جيران روسيا أكثر فأكثر. وقد يرى الغرب وجهاتٍ أخرى في هذا الأمر اغتصاباً صريحاً للأرض، مما قد يستدعي عقوبات أكثر.

أما خيار بوتين الثاني، فيتجلى في نسيان أمر القرم على غرار ترانسنيستريا التي انشقت عن مولدافيا في أوائل التسعينيات. ومن شأن هذا الخيار أن يترك لأوكرانيا أملاً ضئيلاً بإمكانية استعادة القرم (في حال ضمتها روسيا، لن تتمكن أوكرانياً أبداً من استعادتها). إلا أن احتمالات الإستعادة على المدى القريب تبدو معدومة.

ومن المفترض أن تتجاهل موسكو خياراً ثالثاً يتجلى في الإعتراف بشبه جزيرة القرم دولةً مستقلة. فقد بدا الأمر محرجاً على الصعيد الدبلوماسي حين أعلن الروسيون استقلال جنوب أوسيتيا وأبخازيا بعد الصراع بين روسيا وجورجيا في العام 2008. وحدها فنزويلا، ونيكاراغوا، وناورو، وتوفالو، وفانواتو، كانت الدول التي اعترفت بالدويلتين الجديدتين، إلا أن فانواتو تراجعت لاحقاً عن اعترافها هذا. قد لا تكون توقعات القرم أفضل من ذلك بكثير.

يقترح البعض أنه يتعين على الحكومة الأوكرانية تقبل خسارة القرم كحقيقة تتخطى قدرتها على تغييرها، لتركز بالتالي على بقية البلاد، الأمر الذي يطرح الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية. قد تشعر روسيا بالرضى بعد ضمّ القرم أو على الأقل بعد إبعادها عن أوكرانيا.

ولكن من المحتمل ألّا ترضى موسكو طالما أن أوكرانيا ترغب في التقرب من الاتحاد الأوروبي – علماً أن استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم لن يساهم إلا في تأجيج هذه الرغبة. لن تقبل كييف بالإستفتاء أو بضم شبه الجزيرة إلى روسيا في حال آلت الأمور إلى هذا المآل. إن القيام بذلك لن ينهي النزاع الأوسع مع موسكو، ولكنه سيؤدي إلى سابقة خطيرة تتجلى في احتمال ميل الروس إلى القيام بالأمر عينه في أماكن أخرى، كما هو الحال في شرق أوكرانيا، حيث تشكل الأقلية العرقية الروسية جزءاً مهماً من السكان – من دون أن يكونوا الأغلبية – وفي كلّ مكان شهد مظاهرات مؤيدة لروسيا.

أما بالنسبة للغرب، فسيقترح البعض قبول الوضع الجديد في شبه جزيرة القرم مشيرين إلى أن الغرب لا يمكنه تغيير الوضع من دون عمل عسكري في وقتٍ لا تبدو فيه الولايات المتحدة وأوروبا بصراحة مستعدتين لخوض حربٍ في شبه جزيرة القرم.

ولكن من شأن القبول الغربي للعدوان الروسي ولنتائج استفتاء القرم أن يثبت وقوع خطأ. فقد يُضعف القواعد الأساسية – مثل احترام السيادة والسلامة الإقليمية – التي سادت في أوروبا بعد الحرب الباردة. وقد يؤجج المخاوف في البلدان التي ينتمي عدد كبير من سكانها إلى الإتنية الروسية، بما في ذلك حلفاء الناتو مثل لاتفيا وإستونيا. وقد لا تحلّ التوترات التي سادت منذ أمدٍ بعيد بين موسكو والدولة الأوكرانية التي تجد لنفسها مستقبلاً أفضل مع أوروبا.

يتعين على الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي دعم سيادة الأراضي الأوكرانية، في ظل التزامهم كأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. بالإضافة إلى فرض عقوبات على روسيا – بما في ذلك عقوبات أشدّ في حال مضت موسكو قدماً لضم شبه جزيرة القرم – يتعين على دول الغرب رفض التعامل مع المسؤولين القرم، ومنع الشركات الغربية من الاستثمار هناك، والسماح لأوكرانيا باتخاذ إجراءات للسيطرة على الحدود من خلال فتح مينائها أمام السفن وتقديم خدمات طيران دولية تخضع لموافقة كييف.

لن تترك هذه السياسات تأثيراً فورياً، وقد لا تنجح في تحسين الوضع في شبه جزيرة القرم. إلا أن ذلك هو أصحّ ما يمكن القيام به. يتعين على الغرب إعداد حملة صبورة ومثابرة توضح أن محاولات من جانب واحد لإعادة رسم حدود أوروبا ستؤدي إلى عواقب.