Commentary

Op-ed

البحث عن حل للمشكلة الفلسطينية

سوف يصادف يوم 26 من يناير الموعد النهائي للمهلة التي دامت ثلاثة أشهر للفلسطينيين والإسرائليين لتقديم أولى آرائهم بشأن الحدود المشتركة والأمن. سيتم تحديد الموعد النهائي من قبل اللجنة الرباعية الدولية – المكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا. وقد جاء ذلك عقب القرار الصادر في سبتمبر الماضي من السلطة الفلسطينية المحبطة لمواصلة إقامة دولة مستقلة من خلال الأمم المتحدة، بعد 18 عامًا من المفاوضات العبثية مع إسرائيل.

وكاستجابة لتلك الاستراتيجية، قادت الولايات المتحدة حملة دبلوماسية قوية لإحباط التطبيق الفلسطيني لإقامة دولة، مع إصرارها على أنه لا يمكن إقامة دولة من خلال المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. ولجعل المسألة أكثر مصداقية، فقد تدخلت اللجنة الرباعية من خلال طلبها للحصول على توضيحات بشأن الحدود والأمن. وقد قدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس اقتراحًا، محذرًا من أن السلطة الفلسطينية “سوف تتخذ إجراءاتها” إذا لم يتم إحراز تقدم بحلول الموعد النهائي. وفي هذه الأثناء، نقلت الصحيفة أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون طلبت من الرئيس عباس ألا يُنهي المحادثات التي شرعت في الآونة الأخيرة والتي استضافتها الأردن بعد حلول الموعد النهائي للجنة الرباعية.
 
يجب على إدارة أوباما أن تتجنب الانخراط في مواجهة دبلوماسية جديدة هذا الأسبوع. فالتدخل المستمر للولايات المتحدة لن يوقف سعي الفلسطينيين لإقامة دولتهم. وبدلاً من ذلك، فإنه لن يفعل شيئًا سوى استنفاد المصادر الدبلوماسية الأمريكية فضلاً عن استنفاد رأس المال السياسي وتسريع تراجع نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
 
في سبتمبر الماضي، تدخلت إدارة أوباما لمنع التصويت على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة. وقد أدى هذا الأمر إلى تورط الرئيس باراك أوباما في مراسلة مجلس الرئاسة البوسنية للتشجيع على التصويت ضد إقامة الدولة الفلسطينية، في حين أنه قام بممارسة نفس الضغوط على كلٍ من كولومبيا ونيجيريا والجابون. وقد أرسلت كلينتون المبعوثين الخاصين ديفيد هيل ودنيس روس للضغط على الفلسطينيين لسحب طلباتهم. وقد حظر الكونغرس الأمريكي حوالي 200 مليون دولار أمريكي من المساعدات التي يتم تقديمها للفلسطينيين كما قامت بمعاقبة منظمة اليونسكو في وقت لاحق، والتي اعترفت بفلسطين كعضو في الأمم المتحدة، عن طريق سحب 60 مليون دولار أمريكي من التمويل الذي يتم تقديمه للمنظمة.
 
وفي النهاية، فإن اعتراف الأمم المتحدة بالنسبة للفلسطينيين ما هو إلا خيار استراتيجي، بغض النظر عن المدة التي قد تستغرقه مسألة إنجاز العملية. ويُدرك الفلسطينيون أنه على الرغم من أنه قد لا يتم الاعتراف بدولتهم قريبًا، فإن الولايات المتحدة سوف تضطر في نهاية المطاف إلى مواجهة نفس الحقيقة التي واجهتها الحكومات الآخرى في الماضي بعد عرقلة اعتراف الأمم المتحدة بالدول المستقلة دون جدوى.

وينبغي على الولايات المتحدة على وجه الخصوص أن تتعلم من تجربة الاتحاد السوفيتي السابق. فقد استخدمت موسكو حقها في حق النقض (الفيتو) 51 مرةً لعرقلة عضوية بلدان مثل الكويت وموريتانيا وفيتنام وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وليبيا وكمبوديا ونيبال وسيلان في الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن هذه البلدان حظت في نهاية المطاف باعتراف الأمم المتحدة. في الواقع، فقد استغرق الأمر من اليابان حتى عام 1956 للانضمام للأمم المتحدة بعد تقديم الاتحاد السوفيتي لثلاثة من حقوق النقض، حيث جاءت الأولى منها عام 1948. ومن ثم، فإن عملية الاعتراف الفلسطيني تبدو أنها قد بدأت لتوها.

كما يتعين على الولايات المتحدة أن تعترف أن امتياز حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن يأتي في إطار المسؤوليات. فالإفراط في استخدام حق النقض يترتب عليه تكلفة باهظة من حيث مصداقية الأمم المتحدة وقدرة الأمم المتحدة على العمل. وقد برهنت هذه الأزمة على فشل الأمم المتحدة أن تكون بمثابة زعيم عالمي مسؤول في المنظمات الدولية المعترف بها قانونيًا.

فمع اتخاذ الفلسطينون لقرار اتخاذ “إجراءات جديدة” بعد يوم 26 يناير، يتعين على الولايات المتحدة أن تدرك أنها ترتكب خطأ عندما ترضخ لضغوط اللوبي المؤيد لإسرائيل بمنع العضوية الفلسطينية. وقد برزت قوة مؤيدي إسرائيل في واشنطن خلال العام الماضي عندما تم استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامبن نتنياهو بحفاوة بالغة من جانب الكونغرس الأمريكي. فعلى حد تعبير كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية توماس فريدمان، “فقد تم شراء ودفع ثمن الحفاوة من قبل اللوبي الإسرائيلي”.

ومن ناحية آخرى، فقد انخرط الفلسطينيون في إصلاحات جادة، والتي تخلت الولايات المتحدة عن الاعتراف بها. وقد أثبت عباس التزامه القوي بعدم اللجوء إلى العنف كما أنه رفض ما أطلق عليه “الانتفاضة الثالثة”. وقد أصبح رئيس وزارته سلام فياض معروف على الصعيد الدولي نظرًا لجهوده في بناء مؤسسات قوية للدولة الفلسطينية.

وعلى الرغم من أن ذلك الأمر قد لا يلبي توقعات الولايات المتحدة بشكلٍ تام، فقد استجابت حماس أيضًا إلى التغيرات التي تجتاح المنطقة، حيث وافقت على أن تكون جزءًا من منظمة التحرير الفلسطينية وأن تتعاون مع فتح في عملية مصالحة واسعة، الأمر الذي سيجعل الاتفاقيات مع منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً أكبر للشعب الفلسطيني. ويُقال أن خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لا يسعى لإعادة الانتخاب، وقد جاء هذا الأمر ليعكس التغيرات التي طرأت على الرتب الفلسطينية. فقد أفادت التقارير أن حماس “على حافة التخلي عن المقاومة المسلحة والتحول إلى سياسة المقاومة السلمية لإسرائيل”، وقد جاء ذلك وفقًا للتحليل الذي تم إجراؤه في يناير.

فتجنب الانخراط في مواجهة دبلوماسية بعد 26 يناير يتطلب من الولايات المتحدة أن تُحيط علمًا بالتغيرات الطارئة على منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في الأراضي الفلسطينية، وأن تغير نهجها وفقًا لذلك. فالضغط على الفلسطينيين للعودة إلى المفاوضات العقيمة لن يُجدي نفعًا. فقد جازف عباس بالفعل عندما شارك في المحادثات التي تستضيفها الأردن في الوقت الذي تعمل فيه الجرافات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. فالعودة إلى النهج القديم والفاشل سوف يؤدي إلى تفاقم المشكلة كما سيؤدي إلى مزيد من تآكل الفاعلية الأمريكية في المنطقة.