Commentary

Op-ed

الأكراد فتحوا صندوق باندورا

Iraqi Kurdish President Masoud Barzani salutes the crowd while attending a rally to show their support for the upcoming September 25th independence referendum in Duhuk, Iraq September 16, 2017.
Editor's note:

تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية على موقع غلوب آند ميل.

لقد انتظر أكراد العراق بصبر الوقت المناسب للانفصال عن الدولة المضطربة. كانت نسبة الإقبال على استفتاء يوم الإثنين مرتفعة والنتيجة واضحة: 92 بالمئة أيّدوا الاستقلال بأغلبية ساحقة. ورغم شعور الكثير من الأكراد بأن الوقت كان مؤاتياً لإجراء الاستفتاء حول مسألة الاستقلال، إلا أن هذا الوقت هو الأسوأ بالنسبة لكل أصحاب المصلحة الإقليميين، وربما يكون الأكراد قد صعّبوا على أنفسهم مسألة تحقيق حلمهم الوطني.

وطالبت دول الجوار والغرب الأكراد بتأجيل الاستفتاء. وللمفارقة، فإن الضغط الدولي الذي مورس على حكومة إقليم كردستان في الأسابيع القليلة الماضية دفع الزعماء الأكراد الذين كانوا يرفضون الاستفتاء إلى دعمه. وشهد الاستفتاء إقبالاً واسعاً من قبل الأكراد الذين احتشدوا حول رايتهم، وصوّتوا لصالح الاستقلال يوم الإثنين. أما أكراد العراق، فأصابتهم حالة من السعادة القصوى إزاء إمكانية حصولهم على حق تقرير المصير، لكن توقيت الاستفتاء هو الأسوأ بالنسبة لجيران العراق.

إنّ أكراد الشرق الأوسط هم شعب فخور بذاته، يتألف من حوالي 30 مليون نسمة، إلا أنهم اعتُبروا مواطنين من الدرجة الثانية في كل بلدٍ استقروا فيه. وقد اختبروا الحروب والخديعة والتمييز الممنهج في تركيا وإيران وسوريا والعراق. وعندما فرض المجتمع الدولي منطقة حظر جوي في شمال العراق لحماية أكراد العراق من نظام صدّام حسين المجرم في العام 1991، سنحت الفرصة لهذا الشعب للتألق، وهذا بالضبط ما فعلوه.

اجتذبت حكومة إقليم كردستان استثمارات أجنبية مباشرة، لاسيّما من الجارة تركيا، وشيّدت مدناً مزدهرة وجامعة لجميع الأجناس، وعزّزت لغتها وثقافتها. لقد وُلدت القومية الكردية من جديد، وحاولت حكومة إقليم كردستان العراق التي تتمتع بنفوذ شبه ذاتي منذ أكثر من 25 سنة، أن تثبت أنها باتت جاهزة للانفصال.

وقد نجح مقاتلو البشمركة الكردية المثيرين للإعجاب في هزيمة إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية في أنحاء متفرقة من العراق وسوريا، وحصلوا على اعتراف عالمي كان الأكراد يتوقون إليه كثيراً. وقامت القوات المسلّحة الكندية بتسليح البشمركة وتدريبها ضمن إسهاماتها مع التحالف الدولي الساعي إلى دحر الجماعة الإرهابية. ويرى الكثير من الأكراد أنهم فعلوا كل ما بوسعهم لإثبات جاهزيتهم لإقامة دولة.

عندما بدأ رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني حملته للاستفتاء في الأشهر القليلة الماضية، توقع بسذاجة أن يتلقى دعم الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى بشكل أساسي. ولكن، ورغم ضعف استيعاب دونالد ترامب للسياسة الخارجية، إلا أنه لم يستطع إلا أن يثني على الأكراد وعلى قتالهم ضد الدولة الإسلامية طوال الحملة الرئاسية الأمريكية وبعدها.

ورغم العلاقة الإيجابية التي تربط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالسيد البرزاني، إلا أن الحكومة التركية بحاجة إلى سحق الانفصاليين الأكراد من حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد للحفاظ على شركائها في الائتلاف الوطني. لا يستطيع السيد أردوغان، من الناحية السياسية، أن يقبل بإقامة دولة كردستان مستقلة على حدوده المضطربة، وأن يسمح للمجتمعات التي ترتبط بها إثنياً كالمجتمع التركماني في شمال العراق أن يبدو وكأنه تُرك وحيداّ. وتعبيراً عن هذا الموقف، أرسل الأتراك قوات عسكرية إلى الحدود العراقية، ما أثار المخاوف من تصعيد عسكري.

وقد استغلّ نظام الأسد في سوريا المجتمعات الكردية في وجه الثوار العرب خلال الثورة التي بدأت منذ ست سنوات وتحولت إلى حرب أهلية. لكن الأكراد السوريين أخذوا هم أيضاً يغرسون بذور انفصالهم، في دولة تدعى روج آفا، من خلال تحالفهم مع القوات الأمريكية للإطاحة بتنظيم الدولة الإسلامية، في الوقت الذي تتوسّع فيه ببطء داخل المجتمعات العربية. وكان الرئيس بشار الأسد يراقبهم بهدوء ومن بعيد. لكن السيد الأسد المدعوم من الروس بدأ هو وداعميه بضرب الأكراد عندما اقتربوا من حقول النفط السورية.

وقد نزلت المجتمعات الإيرانية الكردية إلى الشوارع احتفالاً باحتمال قيام دولة كردستان، إلا أن الإيرانيين يرون أن العلاقات الكردية- الإسرائيلية تزداد قوة، ويعتقد المتشددون في إيران أن الاستفتاء ما هو إلا جزء من خطة شريرة لزرع عدو مدعوم من إسرائيل على حدودهم. يُضاف إلى ذلك أن اهتمام إيران منصبّ على تقوية العراق، الحليف الطائفي العزيز في المنطقة، وسوف تتم مقاومة أي محاولة كردية لإضعاف الدولة العراقية. واعتبر السياسي العراقي المدعوم من إيران نوري المالكي الاستفتاء بمثابة إعلان حرب على العراق.