Commentary

Op-ed

الأسد يستعيد قوّته بسبب تردّد الغرب

A Turkish student cries during a protest to show solidarity with trapped citizens of Aleppo, Syria, in Sarajevo, Bosnia and Herzegovina December 14, 2016. REUTERS/Dado Ruvic

الطائرات الروسية، لا تبدو مفاجئة، على بشاعتها. فقد مضى على حصار حلب أشهر عدّة، تعرّض خلالها السكان بشكل عشوائي لهجوم وحشي في إطار سياسة الإخضاع والأرض المحروقة التي انتهجها نظام الأسد، على أنّ كلاًّ من التدخل الايراني والروسي قد أتى في وقت يركّز فيه المجتمع الدولي اهتمامه على الانتخابات الأمريكية والحرب المستمرة ضدّ داعش.

الوضع في سوريا إلى أين؟ تُرتكب اليوم على الأرض عمليات إعدام فورية، يتمّ القبض على جميع الفتية في سنّ القتال كما أن القمع الذي يمارس على المدنيين لم يكن مفاجئاً أبداً بطبيعة الحال. هذه الفظائع ستستمرّ. بعض الأطراف اقترح وقف إطلاق نار حتى يسمح بإخلاء السكان المدنيين، كذلك الذي تمّ التفاوض حوله بالأمس بين تركيا وروسيا. لكن الاقتراح لم يرَ النور قبل أن ينهار.

بشكل عام، يسمح وقف إطلاق النار بتهدئة الوضع وللجهات الإنسانية الفاعلة بالوصول إلى مناطق الصراع وتأدية عملها. رغم ذلك، سواء كان ذلك في سوريا أم في مناطق صراع أخرى، غالبا ما يكون التوصّل إلى وقف لإطلاق النار دون فرض النفوذ لإجبار القوى المتحاربة على قبول شروط هذا الوقف الذي من شأنه المساعدة في تغيير البيئة السياسية والأمنية بما يتيح المجال لاحترام حقوق الإنسان، والضغط على القوى المتحاربة (ومعاقبتها) مخالفاً لكلّ التوقعات.

فبحسب ما أظهرته محاولات وقف إطلاق النار الأخرى في سوريا، لا يخطّط الطغاة ولا المجموعات المسلحة لسيناريو -ما بعد الصراع- يتيح لسيادة القانون ولمراقبي حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية تأدية دور مهم. سوف تهيمن على بيئة ما بعد الصراع في سوريا ميليشيات طائفية وشرطة سرية وفرق موت ستعمد إلى ممارسة القتل والتعذيب في زنزانات السجون والمجمعات النائية – كلّ ذلك سيحصل بعيدا عن مرأى العالم الخارجي ومسمعه.

وتكمن المفارقة في أن العديد من الميليشيات الشيعية التي تدعم نظام الأسد ستتآلف إلى حدّ بعيد وديناميات الحرب في سوريا. كثير منها هي ميليشيات شيعية عراقية تنتمي إلى جيل من الشباب المعدم الذي عانى من القمع الذي مارسه عليه حزب البعث العراقي في تسعينات القرن الماضي. أضف إلى ذلك أنّ انتفاضة الشيعة في العراق عام 1991 تمّ تجاهلها تماماً من قبل المجتمع الدولي، ما أعطى صدام حسين بشكل غير مباشر تفويضا مطلقا لتنفيذ القتل العشوائي وتعذيب أكثر من 100 ألف شيعي بعد حرب الخليج.

خسر صدام السيطرة على الشمال الكردي بعد العام 1991 نتيجة لحظر الطيران في المنطقة الغربية. ضعفت قدرته وتُرك من دون قوة عسكرية فعالة في بقية أنحاء البلاد. لكنّ ذلك لم يثنيه عن تشديد قبضته الوحشية على الشيعة وقمعه لهم كذلك على فئات أخرى من الشعب العراقي بواسطة جهات حكومية فرعية مثل العشائر والقوات شبه النظامية. هذه الجهات كان لها في معظم الأحيان خلافاتها مع نظام البعث، لكنّها عملت إما بالإكراه أو تناحرت ضد بعضها البعض لمنع أيّ تمرد آخر من تشكيل كيان له.

في سوريا الأسد، ستتابع الجماعات والميليشيات المحلية المسلحة عمليّة تشكيل البيئة السياسية والأمنية، وتزويد نظام الأسد بوسائل فعالة وبكلفة مقبولة لإعادة تنظيم وتوطيد سلطته في البلاد. لكن، ستستغرق هذه العملية سنوات عدّة لتُنفّذ بنجاح، وهذا يعني أنه سيكون هناك فجوات وفرص سيسعى الغرب لاستغلالها. إضافة إلى ذلك، وعلى عكس ما يمليه الاعتقاد السائد، فإن العلاقة التي تربط نظام الأسد بإيران وروسيا (جنبا إلى جنب مع الميليشيات الشيعية) لن يكون عصياً على المقاومة لكونه مجرّد تحالف صاعد فيه نقاط ضعف على جبهات متعددة.

خلافا لعراق صدام حسين، فإنّ سوريا موجودة بقوة في حسابات المجتمع الدولي. فالمجموعات المعارضة لن ينقصها السلاح ولا الموارد المالية في أي وقت. سيترتب على نظام الأسد التعامل مع حركات التمرد لسنوات عدّة لاحقة. وهذا يعني أيضا وجود فرصة لتوجيه الطريقة التي سيتم بواسطتها استثمار هذه الموارد، بحيث سيكون للمجموعات المتمردة المعتدلة التي تم تمكينها خلال الحرب القدرة على الاستمرار لبعض الوقت في المستقبل.

الجهات المعتدلة لا تزال موجودة لكنّها حتى اليوم كانت إمّا معتمدة على المجموعات الجهادية أو مهمّشة من قبلها. في هذا الوقت، كان كلّ من العالم العربي وتركيا في حالة من الفوضى التي لم يعد معها بالإمكان الاعتماد عليهما لتحقيق هذه المهمة. لقد كانا غير قادرين على مضاهاة الانضباط والتنظيم الذي يتمتع بهما أنصار نظام الأسد : إيران وروسيا.

يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة وحلفائها الأوروبيين معالجة أخطاء الماضي من خلال خلق النفوذ المفقود حالياً. لا يتطلّب الأمر أكثر من كتيبة من القوات المسلحة الموجودة تحت تصرّف القوات الغربية لبدء عملية تمكين البيئة السياسية والأمنية التي من شأنها المساعدة على التخفيف من محنة السكان المدنيين في حلب وعلى تجنّب حدوث فظائع مماثلة في أماكن أخرى تزامناً مع اتساع الصراع.

إلى جانب إضافة عنصر القوة للاستراتيجية، لعلّه مزيج من الإدانة واستعادة السيطرة ذاك الذي سيمكن من التخفيف من معاناة السكان المدنيين في سوريا. توفر الإصلاحات المؤقتة مثل وقف إطلاق النار أو الممرات الإنسانية فقط غطاءاً سياسيا لمزيد من الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان وتصرف الانتباه عنها. استبعدت الدعوات لفرض منطقة حظر جوي في الماضي، وكذلك الأمر بالنسبة لتدابير أخرى اعتُبر أنّها ستزيد من حدّة الصراع. ولكن يجب ألا ننسى أنّ غياب المعارضة الغربية هو الذي يعيد القوة نظام الأسد وأنصاره في موسكو وطهران. فحيث يتملّص المجتمع الدولي من تعهداته، يقوم الطغاة والعصابات المسلحة بملء الفراغ.