Commentary

Op-ed

استهداف مسجد الروضة: مستوى جديد من الرعب في صراعٍ امتدَّ على مدى عقود للسيطرة على سيناء

Relatives of victims of the Al Rawdah mosque explosion, cry after leaving the Suez Canal University hospital in Ismailia, Egypt November 25, 2017. REUTERS/Amr Abdallah
Editor's note:

تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية في موقع  ذا كنفرسيشن.

بات معلوماً أنّ الهجوم الذي استهدف مسجد يتبع للطرق الصوفية في شمال سيناء في مصر عبر إطلاق النيران والقنابل يوم 24 نوفمبر قد أدى إلى مقتل أكثر من 300 مصلٍ، ليكون بهذا الهجوم الأكثر دموية في التاريخ المصري المعاصر. نفذ هذا الهجوم إرهابيون زعموا ارتباطهم بما يُعرف بالدولة الإسلامية، وقد أظهر ضعف سيطرة الدولة المصرية على سيناء –وبشكل أوسع خطر هذه القطعة من الأرض المحورية على بقية المنطقة.

رغم أنّ مستوى هجوم يوم الجمعة كان غير مسبوق، إلا أنّ سيناء كانت على مدى سنوات، لا بل عقود، عصيّة عن الإدارة. يوافق عدد كبير من الخبراء في الشأن الأمني أن أقساماً كبيرة من هذه الأرض تُعرف بـ “أرض غير خاضعة لسيطرة الحكومة”: فاحتكار القوة الذي ينبغي على الدولة المصرية أن تمارسه في سيناء ضعيف أو غير موجود، في حين أنّ الخدمات الحكومية التي يستفيد منها السكان ضعيفة جداً؛ الأمر الذي يجعل من هذه المنطقة أرضاً مثالية للمجموعات المسلحة الجهادية العنيفة.

لقد وجدت لجان غربية حكومية متنوعة، بما في ذلك لجنة التحقيق في هجمات 11سبتمبر، أنّ المجموعات الإرهابية الجهادية كالقاعدة والدولة الإسلامية تستغلّ المناطق التي تكون فيها سلطة الدولة ضعيفة، فتنظّم صفوفها هناك. فهذه هي المناطق حيث يتم تدريب المهاجمين والتخطيط للهجومات وتنظيمها. (على غرار مناطق مماثلة غير خاضعة لسيطرة الدولة في سوريا والعراق، فرضت الدولة الإسلامية حكماً ذاتياً على شكل خلافة). كما هو الحال في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة، تعاني سيناء تدخلاً خارجياً وسيطرة حكومية ضعيفة عند حدودها. في العام 2012، نفذ جهاديون مسلحون كميناً على قاعدة عسكرية مصرية مما أدى إلى مقتل 16 جندي وحاولوا بعد ذلك اختراق معبر كرم أبو سالم الحدودي.

تضمّ المنطقة أيضاً مجموعات جهادية تتسم بفكر مماثل وقد وضعت الدولة المصرية هدفاً لها على مدى سنوات، لا سيما عناصرها الأمنية. ومن ضمن هذه المجموعات نذكر القاعدة في شبه جزيرة سيناء والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد الإسلامي المصرية. وثمة أسباب أخرى وراء خصوبة أرض سيناء كقاعدة للمجموعات الجهادية، وليس أقله الطرق غير الشرعية للحصول على مدخول: كالابتزاز، والخطف لطلب فدية، وشبكات إجرامية بما في ذلك التهريب والتجارة بالبشر وأنظمة تحصيل الضرائب المحلية.

وما يعقّد الأمور هي ديناميكيات السكان المحليين المعقدة، لا سيما القبائل البدوية. وقد أعاقت القبائل توسّع سلطة القاهرة في سيناء، كما أنّ العقد الاجتماعي ضعيف. إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ الفرصة تسنت للجهاديين للتجنيد عناصر من القبائل. بينما وجدت بعض القبائل أشكالاً مختلفة لإرساء تسوية مؤقتة مع الجهاديين بشأن أنشطة معينة، صمدت مجموعات أخرى في وجه القاهرة والنشطاء المحليين بنفس الطريقة.

وقف التدفق

وقد سعى عدد من الرؤساء الذين توالوا على رئاسة مصر، بمن فيهم حسني مبارك ومحمد مرسي وعبد الفتاح السيسي، إلى السيطرة على المنطقة، إلا أن التحدي دقيق جداً بالنسبة للسيسي.

منذ أن تولى السيسي الحكم في العام 2013، نفّذ الجهاديون المستقرون في سيناء على الأقل عشرات الهجمات الإرهابية الكبيرة استهدفت الطاقم الأمني المصري وقوضوا بشكلٍ مستمر البنية التحتية الأمنية عبر غارات على قواعد عسكرية ونقاط تفتيش. ونفذوا أيضاً عدداً من الهجمات الكبرى على أهداف مدنية، بما في طائرة الميتروجت الروسية رحلة رقم 9268، التي تعرضت لتفجير في أكتوبر 2015، وأدت إلى قتل 224 راكب وأفراد طاقم الطائرة.

ودمرت الهجمات على السياح اقتصاد جنوب سيناء وحرمت القاهرة عائدات حيوية. ويقدر المحللون أنّ الوجهات السياحية، كشرم الشيخ، قد تعرضت لضربةِ قوية بشكل خاص. ففي العام 2016، انخفض معدل استئجار غرف الفنادق بشكلٍ غير مسبوق، ولم تشهد أي ارتفاع بعد ذلك؛ ولم يكن تأثير التدابير الأمنية الطارئة التي اتخذتها الحكومة لمساعدة قطاع السياحية كبيراً.

تُعد سيناء رابطاً مهماً في سلسلة الممرات الجهادية بين آسيا وأفريقيا. إذ يمكن للجهاديين من العراق وسوريا الانتقال عبر الخلايا المستقرة في سيناء إلى ليبيا ومناطق أخرى في شمال أفريقيا والساحل. وتعمل الطريق بالاتجاهيين: ففي العام 2013، حذّر خبراء أمميون أنّ الأسلحة تنتقل من ليبيا عبر سيناء إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط.

يقدّم داعمو القاهرة الدوليون، ومن ضمنهم السعوديين وإدارة ترامب، مساعدات أمنية ضخمة – على شكل معلومات استخباراتية ومساعدات عسكرية وغير ذلك. تبقى إسرائيل بشكل خاص قلقة من العسكريين المستقرين في سيناء؛ فقد فرضت القاهرة مناطق عازلة عند حدود سيناء – إسرائيل – رفح ودمّرت أنفاق التهريب التي تصل إلى قطاع غزة.

وقد راهن السيسي شرعيّته على قدرته على منح المصريين الشعور بالأمن مجدداً. وقد وعد باتخاذ تدابير صارمة مناهضة للإرهاب لإرساء الأمن في البلاد بما في ذلك حملة عسكرية كبير على سيناء باستخدام كل الوسائل المتوفرة من الغارات الجوية وصولاً إلى حظر التجول. إلا أنّ مجزرة 24 نوفمبر وضّحت أن نهجه الأمني الصارم لم يبلِ حسناً. بدلاً من ذلك، ازداد التهديد وأدى إلى اضطراب لا يمكن لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحمله.