Commentary

Op-ed

إصلاحات الخليج ضرورية للانتصار على شركات التكسير الهيدروليكي الأمريكية

“قد تفلس المملكة العربية السعودية قبل أن يتداعى قطاع النفط في الولايات المتحدة”. هكذا كان عنوان صحيفة التلغراف البريطانية التي تُعرف برصانتها.

ولكن خلافاً للتأكيدات المقلقة التي أثارها المقال، تملك دول الخليج العربي العديد من الأدوات للتعامل مع انخفاض أسعار النفط. إلا أنّ هذه الدول بحاجة أيضاً إلى قوة الإرادة وحسّ بإلحاحية المسألة وأهميتها بالإضافة إلى بعض الخيال.

إنّ 60 دولاراً تقريباً لسعر برميل النفط، كما تشير منحنيات الأسعار للعام 2020، لا ينبغي أن يشكّل أزمة. على مرّ 155 عاماً منذ أن بدأ قطاع النفط بالعمل، وصلت الأسعار المعدّلة حسب التضخم إلى أعلى من هذا المستوى في 26 عاماً فقط، 10 أعوام منها منذ العام 2005، وتسعة أعوام في القرن التاسع عشر. وقد كان ارتفاع الأسعار خلال هذا القرن انحرافاً تاريخياً بدا مستداماً فقط بسبب الاضطرابات الجيوسياسية والتكهنات الخاطئة التي أطلقها منظّرو “ذروة النفط”. وعندما تواجه أي دولة أزمةً وجوديةً بسبب انخفاض سعر النفط إلى 60 دولاراً للبرميل الواحد، عليها عندئذٍ أن تقلق بشأن أمور أكبر من مجرّد منقبين عشوائيين يبحثون عن النفط.

تشير صحيفة التلغراف بدقة إلى تخفيضات الكلفة الكبيرة التي حققتها شركات الصخر الزيتي الأمريكية. إلا أن التهديد الأكبر يحوم حول المنتجين ذوي التكاليف المرتفعة في مناطقٍ كبحر الشمال وفي المياه العميقة. لا تواجه بعض الدول الأعضاء في أوبك كفنزويلا ونيجيريا والجزائر ضيقاً اقتصادياً فحسب، إنما اضطراباَ سياسياً قد يعيق إنتاجها.

غالباً ما يخلط المعلّقون بين ميزانية الحكومة والاقتصاد الأوسع. تستمد الحكومة السعودية 90 بالمئة من عائداتها من النفط، ولكن 46 بالمئة فقط تشكل ناتجاً محلياً إجمالياً. في الحقيقة، يعتمد الاقتصاد “غير النفطي” بشدة على عائدات الحكومة المستمدة من ضخ النفط في مجالات معينة كالبناء والإنفاق الاستهلاكي.

إلا أنّ صندوق النقد الدولي يتوقع أن تحقق المملكة العربية السعودية نمواً بمعدل 3 بالمئة هذا العام و2,7 بالمئة في العام المقبل، وهي معدلات أقل من المعدلات السريعة الأخيرة، إلا أنها تبقى مرضية بالمقارنة مع الدول المتطورة. ويُتوقع أن تحقق الإمارات العربية المتحدة في كلتا السنتين نمواً يصل إلى 3,2 بالمئة.

تعاني حكومات الخليج مشكلة تمويل التزاماتها الإنفاقية الضخمة. فقد سحبت المملكة العربية السعودية احتياطاتها من العملة الأجنبية، وبدأت بإصدار سندات للمصارف المحلية.

رغم أنّ هذا النهج يُعتبر في النهاية غير مستدام، إلا أنّ دين السعودية الحالي منخفضٌ ويمكن أن يستمر كذلك لفترة طويلة – على غرار الفترة التي وصلت فيها نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي إلى 103,5 بالمئة في العام 1999 بعد ركود في الأسعار دام لمدة 18 عاماً.

كانت الإمارات العربية المتحدة أكثر الدول فعالية وقد خفضت مصاريفها حتى قبل انخفاض سعر النفط، ورفع أسعار الوقود إلى مستويات السوق. إلا أن الكهرباء والمياه في أبو ظبي لا تزال تُباع بنحو نصف كلفة الإنتاج، في حين أن المساعدات المالية بالكاد انخفضت في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

كان صندوق النقد الدولي قد اقترح على الحكومات الخليجية تدابير أخرى متنوعة لرفع العائدات، بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة – التي على الأرجح يصعب تنسيقها بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي – وضريبة على الأراضي، وتوسيع ضريبة الشركات أو ما يسمى بـ”ضريبة الدخل على الشركات .بالإضافة إلى خصخصة الأصول غير الأساسية، إهمال مشاريع الفيل الأبيض والتحكم بالرواتب الحكومية، يمكن لهذه المقترحات أن تكون كافية للسيطرة على العجز.

تكمن المشكلة الأكبر، التي لها بعض الحلول السهلة، في تنويع الاقتصاد على نحوٍ متزامن، وتطوير الشركات العالمية المنافسة بأمانة، واستحداث وظائف عالية الجودة في القطاع الخاص للمواطنين الخليجيين. لم يحقق الإنفاق الضخم على التنويع في خلال هذا القرن إلا مكاسب محدودة، باستثناء دبي التي حققت نتائج لامعة.

هذا وليس هناك مجالات لامحدودة للمزيد من المراكز المالية والتجارية والسياحية. تشكّل مرافق الطاقة الصناعية القوية والمصافي والمناجم الجديدة نقاط قوة طبيعية في الخليج، إلا أنها تعاني نقصاً في الغاز الرخيص الثمن، وتعاني كذلك في المرحلة الراهنة تراجعاً في الطلب في الأسواق الآسيوية التي تشكل بالنسبة إليها هدفًا رئيساً. لا بدّ من التعويض عن إلغاء المساعدات المالية ورفع الضرائب، رغم أهمية الأمر، من خلال إرساء تحسينات أخرى على مناخ العمل.

تبدو الصادرات عالية التقنية ذات القيمة المضافة في مجال خدمات الطاقة والمواد البتروكيميائية واعدة، إلا أن الخليج يحتاج إلى مجموعات من الشركات متوسطة وصغيرة الحجم القوية والمتنوعة لاستحداث فرص عمل وتشجيع الابتكار.

إنّ التغييرات الجذرية ستشمل معالجة الاحتكارات، وتغيير توقعات المواطنين من حكوماتهم، وإعادة التفكير في العلاقة بين العمل والدولة. مما لا شك فيه أنّ هذه الإصلاحات ضرورية من أجل أن تنتصر دول الخليج في نهاية المطاف في مواجهاتها مع شركات التكسير الهيدروليكية.