Commentary

Op-ed

أما يزال الغاز فرصة ذهبية لمورِّديه في الشرق الأوسط؟

يوم الأربعاء الماضي، انطلقت ناقلة الغاز إيجا ڤيجن (Asia Vision) حاملةً على متنها أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال من مصنع جديد.

أمران مهمّان يميّزان هذا الخبر. الأول هو أن هذا المصنع الجديد لا يقع في إحدى المناطق المعروفة بتصدير الغاز مثل الشرق الأوسط أو جنوب شرق آسيا، بل يقع على ساحل الخليج الأمريكي. أما الأمر الثاني، فهو أن الناقلة، رغم الاسم الذي تحمله، لم تتوجّه إلى أسواق الغاز الطبيعي المسال التقليدية في اليابان وكوريا الجنوبية أو الصين، بل اتجهت إلى البرازيل.

يُعتبر تحوّل الولايات المتحدة الأمريكية إلى بلد مصدّر للغاز- بعد أن كانت من مستورديه الرئيسيين منذ عشر سنوات – جزءاً من موجة عارمة من توريد الغاز تجتاح الأسواق العالمية. لقد ترافق هبوط أسعار النفط بتراجع في أسعار الغاز، رغم أن هذا التراجع لم يحظَ بنفس القدر من الاهتمام رغم توقع استمراره لفترة أطول. ومع هذا، لا يبدو أن الشرق الأوسط الغني بالغاز في وضع يؤهله للاستفادة من هذا الوضع.

ستشهد السنوات القادمة وفرة في إمدادات الغاز لثلاثة أسباب. أولاً، لقد شجّع ارتفاع أسعار الغاز خلال السنوات الأخيرة على إطلاق عدد من المصادر الجديدة الكفيلة بإغراق الأسواق لهذا العام والعام القادم. لقد أدّى تطوير إنتاج الغاز الصخري في أمريكا الشمالية إلى تخمة في الأسواق المستهلكة له. خارج ألاسكا، تُعدّ شينير إنرجي الشركة الأولى المصدّرة للغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها لن تكون الأخيرة، فهناك خمس شركات أخرى قيد الإنشاء.

وستصبح أستراليا في السنوات القليلة القادمة منافساً لقطر كأكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم. وعلى المدى البعيد، ربما تنضمّ مناطق شرق أفريقيا (موزامبيق وتنزانيا) وغربي كندا إلى هذه الزمرة.

ضعف الطلب

ثانياً، لقد كان الطلب على الغاز ضعيفاً جداً. لقد أدّى التباطؤ الذي تشهده الصين والركود الاقتصادي في أوروبا وتوافر الفحم الرخيص في أوروبا وآسيا إلى زعزعة الآمال الوردية بعودة “عصر الغاز الذهبي” .

أما السبب الثالث، فيستند إلى التخمين – لكن من الممكن فعلاً أن تقرّر شركة غاز بروم المملوكة للحكومة الروسية أن تخفّض الأسعار في أوروبا للمحافظة على حصتها السوقية، وهي نفس الاستراتيجية التي اتبعتها المملكة العربية السعودية في أسواق النفط. في هذه الحالة ستضطر أمريكا للبحث عن مواطن جديدة لشحناتها من الغاز الطبيعي المسال.

تحتضن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثاني أكبر مصدّر للغاز في العالم، أي قطر، وثامن أكبر مصدّر له وهي الجزائر. وقد تلقّى كلاهما ضربات موجعة نتيجة تدنّي أسعار الغاز، خصوصاً الجزائر حيث فاقم تراجع الصادرات العبء على الدولة. أما بالنسبة للدوحة، فلا تزال صادرات الغاز تحقّق أرباحاً، لكنها لم تعد المتحكّم الرئيس بالتجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال، كما كان الحال منذ خمس سنوات.

تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقريباً نصف احتياطيات العالم المؤكدة من الغاز، ولكن خُمس الإنتاج فقط. مع هذه القاعدة الضخمة من المصادر، سيصبح هناك مجال أكبر لتوسيع الإنتاج، حتى دون التحوّل إلى الغاز الصخري كما فعلت أمريكا. فقد عُثر على حقول غاز ضخمة جديدة في السنوات الأخيرة في منطقة شرق المتوسط، منها حقل غاز زهر الجديد في مصر، وحقول على أطراف موريتانيا، وفي إقليم كردستان العراق، وإيران.

ومع هذا لا تُعتبر منطقة الشرق الأوسط سوقاً فعلية للغاز على الإطلاق- بل هي تجمّع من الجزر المتفرّقة. فباستثناء بعض الخطوط المحدودة التي تنطلق من الجزائر إلى المغرب وتونس، ومن قطر إلى الإمارات العربية المتحدة وعُمان، لا توجد خطوط أنابيب تربط المنطقة ببعضها.

أما خط الأنابيب المصري الذي يمتد إلى إسرائيل والأردن، فمتعطّل عن العمل بسبب التخريب المستمر الذي يتعرّض له، وبسبب افتقار مصر نفسها للغاز المخصّص للتصدير. أما العراق وإيران، فتحرقان كميات هائلة من الغاز غير المرغوب فيه دون طائل، بينما تعاني الجارة الكويت من نقص في الغاز.

أنشأت كل من مصر ودبي والكويت والأردن محطات لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وتزمع أبو ظبي والمغرب والبحرين الانضمام إليها أيضاً. أما المملكة العربية السعودية، فاختارت ألا تستورد الغاز أو تصدّره، بل هي تحرق كميات كبيرة من النفط لتوليد الكهرباء.

تصدّر إيران التي تمتلك أكبر احتياطي من الغاز في العالم، قبل روسيا، الغاز إلى تركيا، لكن هذه الصادرات هي دون قدرات إيران الفعلية التي تأثّرت بالأوضاع السياسية على المستويين الداخلي والخارجي.

سياسات خاطئة

صحيح أن أسعار الغاز المنخفضة عالمياً تعتبر نقطة في صالح الدول المستوردة له في الشرق الأوسط، إلا أنها تحدّ من استفادة المنطقة من المواد البتروكيماوية الأولية المنخفضة التكلفة. إن مجرّد تفكير هذه المنطقة الغنية بالغاز باستيراد الغاز الطبيعي المسال من أمريكا – التي كانت زبوناً رئيساً لهذه المادة منذ عقد من الزمن – هو دليل فشل.

حتى وأنّ جودة الحقول الجيولوجية وتفوقها في الشرق الأوسط ليس كافياً للتعويض عن السياسات الخاطئة. فأسعار الغاز المنظّمة أصبحت منخفضة جداً – حتى بعد أن تم رفعها في المملكة العربية السعودية ومصر والبحرين وعُمان مؤخراً. كما وأنّ الاستثمار الدولي في قطاع الغاز محظور أو مقيد بشدة في كل الدول تقريباً، الأمر الذي يحرمها من استخدام أفضل التقنيات والنماذج التجارية المبتكرة.

لقد أدّى تراجع الأسعار إلى الإفراط في الطلب مفرط، مما أثّر سلباً على الصادرات. كما أعاقت الخلافات السياسية الكثير من المشاريع المربحة وأثّرت سلباً على تجارة الغاز.

ولكن، على المدى البعيد، المنطقة محاطة بدول مستهلكة متعطشة للغاز. تركيا وحدها هي سوق كبيرة تنمو بشكل متسارع. ويمكن أن تصل صادرات الشرق الأوسط إلى أوروبا عبر تركيا أو البحر الأبيض المتوسط.

ورغم تراجع الطلب، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تحرص على تنويع مصادرها بعيداً عن الغاز الروسي. وفي الشرق هناك أسواق استهلاكية آخذة في التوّسع جنوب وشرق آسيا، وهي تبحث عن وقود أكثر نظافة لتنقية أجواء مدنها الملوّثة بالدخان الكثيف. تقوم إيران حالياً ببناء خط أنابيب يمتد إلى باكستان، وهي تدرس بناء خط آخر يمتد تحت سطح البحر وصولاً إلى الهند.

الفرص موجودة داخل الشرق الأوسط وحوله. وفي فترة يسيطر عليها تراجع أسعار النفط، تحتاج المنطقة للاستفادة من كل المعطيات المتوفرة سواء كانت جيولوجية أو جغرافية، والفرصة لا تزال سانحة أمام دول الشرق الأوسط القادرة على توظيف التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة بالشكل الصحيح، لتحويل غازها إلى ذهب.