September

11
2014

12:30 am +04 - 2:30 am +04

كيف ساءت الأزمة العراقية؟

Thursday, September 11, 2014

12:30 am - 2:30 am +04

النادي الدبلوماسي

النادي الدبلوماسي قطر
الدوحه

في 10 سبتمبر 2014، استضاف مركز بروكنجز الدوحة جلسة مناقشة ركّزت على الأزمة الراهنة في العراق وكذلك على النُهج المحتملة لوضع حدّ لهذه الأزمة. ضمّت جلسة المناقشة هذه نيكولاي ملادينوف، الممثل الخاص للأمين العام في العراق ورئيس بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق؛ لؤي الخطيب، زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة؛ وعلاء مكي، نائب رئيس لجنة التربية في المجلس النيابي العراقي. أدار سلمان شيخ، مدير مركز بروكنجز الدوحة، الجلسة التي حضرها أعضاء من الهيئات الدبلوماسية، والأكاديمية والإعلامية في قطر. تطرّق كلّ متحدث إلى الظروف التي وضعت العراق على شفا إحدى أخطر الأزمات السياسية والأمنية في تاريخ البلاد، بالإضافة الاستراتيجيات المناسبة لمواجهة هذه التحديات.

استُهلّت المناقشة بعرض نقاط الضعف التي تشوب العملية السياسية في العراق، لا سيما في ظلّ تهديد التقدم السريع الذي أحرزته الدولة الإسلامية الصيف الماضي. يرى ملادينوف أنّ الحكومة العراقية التي تمّ تشكيلها مؤخراً قد أحرزت تقدماً أساسياً بالمقارنة مع الحكومات السابقة بضمّها لجميع أطياف السياسية الممثلة في البرلمان العراقي تقريباً، بالإضافة إلى مختلف المجموعات الموجودة في البلاد. مع ذلك، شدد على ضرورة أن تبرهن الحكومة الجديدة عن التزامها بالشمولية من خلال مواجهة مختلف المخاوف ومطالب كافة المجموعات العراقية بمختلف طوائفها وأديانها، وكذلك من خلال ضمّ وجهات نظر هذه المجموعات في عملية صنع القرار. يرى أنه بهذه الطريقة يمكن التخلص من عددٍ من المجموعات الفرعية التي تدعم الدولة الإسلامية من خلال إيجاد دعم لمؤسسات الدولة الشرعية.

منطلقاً من هذه النقطة، أكّد مكي تهميش الجماعات السنية في العملية السياسية في العراق، مشيراً إلى أن أغلبية التمثيل السني السياسي منذ العام 2003 كان رمزياً بشكلٍ عام. بالإضافة إلى ذلك، حذّر أن عدم التصدي للدولة الإسلامية كان يزيد من حدة التهميش هذا من خلال حرمان عدد من المجتمعات السنية من أي أملِ في الحصول على تمثيل في بغداد، سواء أكان ذلك من خلال [إجبارهم على] النزوح أم السماح للدولة الإسلامية بالسيطرة على مناطقهم.

إلا أن الخطيب حذّر من اعتبار نقص الشمولية سبباً رئيساً وراء الضعف السياسي في العراق. وقال: “تميّزت كلّ إدارة تشكّلت بعد العام 2003 بالشمولية. وستكون الإدارات التي سيتم تشكيلها في المستقبل شاملة أيضاً. إن المسألة تتعلق بمدى مسؤولية هذه الحكومات” . وأشار إلى أن حالة عدم الاستقرار السياسي المستمرة في العراق لا تزال تُعزى في جزءٍ كبير منها إلى الموروثات المزدوجة المتمثلة في اجتثاث حزب البعث وفي تفكيك الجيش العراقي في ظلّ الاحتلال الأمريكي، مضافاً إلى السياسات المنافسة للدول الستة المجاورة للراق.

يرى أنّ غياب المساءلة أضعف قدرة الحكومة على تمثيل كافة مناطق البلاد تمثيلاً حقيقياً. وقال الخطيب: “لم يكن العراق يعمل كدولة اتحادية، إنما كدولة مركزية”. وشدّد على الحاجة إلى إصلاح تشريعي أكبر في العراق، بدءاً من إنشاء قضاء مستقل والسعي إلى توفير توزيعٍ عادلٍ لعائدات النفط بين مختلف مناطق البلاد.

إلا أنّ المشاركين الذين أكّدوا على الحاجة إلى إصلاحٍ سياسي على أمدٍ أطول في البلاد، شدّدوا أنّ هذه الخطوة لن تشكل إلا جزءاً من استراتيجية يمكن أن تضم أيضاً العناصر الأمنية والعسكرية. وبينما أشار مالدينوف إلى الحاجة إلى حلّ المسائل العالقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد والسلطات الإقليمية الكردية، شدّد على أهمية إنشاء قوات أمن وقوات مسلحة عراقية تمثّل البلاد ككل لديها دافع للدفاع عن البلاد بأكملها. ولتحقيق ذلك، دعم الاقتراح الأخير الذي طرحته الحكومة العراقية لتشكيل حرس وطني من شأنه أن يتيح لمختلف مناطق البلاد العمل على توفير أمنها الخاص.

رأى مكي في تحسين الوضع الأمني في البلاد أمراَ ضرورياً لتشجيع انخراط السُنّة بشكلٍ أكبر في العملية السياسية. وأشار قائلاً: “إن المشكلة الحقيقية اليوم هي المشكلة الأمنية”. وأشار إلى أن انهيار الجيش العراقي في وجه قوات الدولة الإسلامية أقنع عدداً من المجتمعات السنية أن لا بديل يحلّ محل الانضمام إلى الدولة الإسلامية للبقاء على قيد الحياة، وأفاد أن النزوح والاحتلال الفعلي الذي فرضته الدولة الإسلامية كان يضعف تعلّق الناس بالعراق.

وتابع المشاركون الآخرون نقاشهم مشيرين إلى أهمية إعادة تقوية “هوية وطنية” عراقية في وجه تهديدات العنف الطائفي. بالنسبة للخطيب، شكل الحسّ المتجدد بالهوية الوطنية حجر الأساس للمحاسبة في الحكومة، مؤكداً أن المواطنين والممثلين جميعاً سعوا لدعم نشاطات العراق الموحد والأقوى. لاحقاً، وجواباً على سؤال طرحه الجمهور، ربط الخطيب هذه المسألة بدور القوات المسلحة في مواجهة الدولة الإسلامية، مشيراً إلى أن التقدم الأساسي للوحدات العسكرية الوطنية يمكن “أن يشكل خطوة باتجاه استعادة الهوية الوطنية”.

في الإطار عينه، سلّط ملادينوف الضوء على أهمية الهوية “المدنية” التي تجاوزت مختلف الانتماءات الدينية والإثنية. وفي حين اعترف أن عدداً من الأحزاب السياسية الحالية في العراق تستمد جزءاً كبيراً من الدعم من هذه الانتماءات، شدد على الحاجة إلى تجاوز الفروقات بين المجموعات. واقترح الاعتراف بالمطالب المشروعة التي تطرحها المجموعات كافةً، وليس المناطق السنية فقط، والمتمثلة بتمثيل وتطور سياسي أفضلين، معتبراً ذلك خطوة أساسية من أجل بناء هذا التوافق.

وفي سياق مناقشة الأزمة الراهنة التي تواجه العراق، أشار المشاركون أيضاً إلى الحاجة إلى التزام إقليمي أكبر. بدايةً، تحدّث ملادينوف عن الشعور بأن العراق “انفصل” عن الدول المجاورة، لا سيما في الخليج، وطالب رئيس الوزراء حيدر العبادي بالتركيز بشكلٍ خاص على التعاون الإقليمي كعنصر أساسي في إدارته الجديدة. بدوره، ألقى الخطيب الضوء على التدفقات العابرة لحدود الوطن للنفط المنتج بصورة غير شرعية وللجهاديين المحتملين، لا سيما عبر الحدود التركية الجنوبية. وشدد على الحاجة إلى جهودٍ تبذلها الدول الإقليمية لتنفيذ أحكام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2170 تنفيذاً صارماً، القرار الذي دعا الدول الأعضاء إلى قمع تدفق التمويل والقوة البشرية إلى المجموعات الإسلامية المتشددة في العراق وسوريا.

وبالاستناد إلى ما سبق، ناقش المشاركون إمكانية التدخل الدولي في الصراع، فأشار ملادينوف إلى إمكانية أن توفّر دولٌ في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي التدريب وتمارين بناء القدرات للقوات المسلحة وقوات الأمن العراقية. إلا أنه أقرّ أن الغارات الجوية لحلفاء العراق على مواقع الدولة الإسلامية يشكل “عنصراً أساسياً” من عناصر الدعم الدولي للحكومة العراقية. كذلك، شدد أنه لا بدّ من أن تكون هذه العمليات “دقيقة بشكلٍ كبير” لضرب البنى التحتية للدولة الإسلامية من دون إلحاق الضرر بالمدنيين العراقيين. وشدد كذلك على الحاجة إلى حلّ الأزمة السورية كخطوة أساسية تجاه معالجة عدم الاستقرار السياسي في العراق.

تعليقاً على هذه المسألة، أعرب مكي عن مخاوفه من ألا تكون الغارات الجوية وحدها كافية لهزيمة الدولة الإسلامية، مشيراً إلى الإجراءات السابقة لمواجهة تنظيم القاعدة في العراق لاقتراح تدخّل القوات البرية الأمريكية. وحين طلب أحد الحاضرين من ملادينوف التعليق على مزيد من التدخل الأمريكي، حذّر الأخير من أنه سيتعين على الحكومة العراقية أن تطلب بوضوح دعماً مماثلاً. وأضاف: “لا بدّ أن تنطلق الجهود كافةً في العراق ومنه، مع كامل الدعم الدولي الذي قد تحتاجه”.