Commentary

النظام المالي الصيني والتأثير الذي يتركه علينا

في مظهرٍ لافت آخر من مظاهر تداعيات العولمة الواسعة النطاق، لاحظنا في الأسابيع الأخيرة كيف بتنا متأثرين بالطريقة التي يعتمدها الصينيون في إدارة نظامهم المالي المحلي. شجع المصرف المركزي الصيني فرض زيادة كبيرة على معدلات الفائدة على القروض التي تطلبها المصارف من مصارف أخرى، مما جعل الاقتراض في الاقتصاد الحقيقي أكثر صعوبةً وتكلفةً وذلك جزئياً من خلال الضغط على قطاع “الظل المصرفي” الأقل تنظيماَ الذي غالباً ما يغذي الشركات التي تعاني صعوبة في قرع أبواب المصارف التقليدية. في المقابل، غيّر نضوب التمويل التوقعات على المدى القريب في ما يتعلّق بالاقتصاد الصيني ككلّ مما يشير إلى احتمالات نموٍ أقل. وبالتالي فإن أسواق الأسهم حول العالم تخشى النمو الصيني البطيء. دفعتنا، كاي يان وأنا، أهمية الصين ودور نظامها المالي المركزي في تأجيج نمو تلك الأمة لكتابة تقرير شاملٍ عن النظام المالي الصيني.

يبدو النظام المالي الصيني ظاهرياً من حيث البنية أوروبياً إلى حد ما. تسيطر المصارف على النظام المالي الصيني موفرةً حوالي ثلاثة أخماس إجمالي القروض التي يحصل عليها القطاع الخاص. لا يختلف الأمر كثيراً عن أوروبا إلا أنه يتعارض مع الولايات المتحدة، حيث توفر الأسواق المالية والمقرضون من غير المصارف قروض أكثر بكثير من تلك التي توفرها المصارف. علاوةً على ذلك، يُعتبر النظام المصرفي الصيني مركزاً إلى حد ما، مع وجود خمسة مصارف تتقاسم حوالي نصف إجمالي سوق القروض، وأقل تركيزاً من أنظمة بعض البلدان الأوروبية ولكن أكثر تركيزاً من النظام في الولايات المتحدة.

ولكن ثمة فرق كبير مع النظم المالية الأكثر تقدماً يكمن في مستوى ملكية الدولة وسيطرتها العالي. تمتلك الحكومة المركزية الحصة الغالبة في أكبر خمس مصارف صينية كما وتستأثر بحصص كبيرة في عددٍ من المصارف الأخرى. علاوة على ذلك، تتدخل الحكومة في اتخاذ القرارات المصرفية أكثر مما تفعل الحكومات في الغرب. الأهم من ذلك، يحدد المصرف المركزي صراحةً الحدّ الأقصى لمعدلات الفائدة على الودائع والحدّ الأدنى لمعدلات الفائدة على القروض، وغالباً ما يضع المستويات المستهدفة لحجم القروض. تمتلك الدولة وقادة الحزب الشيوعي على جميع المستويات كذلك وسائل أخرى للتأثير على القرارات المصرفية، بما في ذلك السيطرة على وظائف أهم المصرفيين الذين غالباً ما يتولون أدوار حكومية حيناً ويُبعدون عنها حيناً آخر.

تحاول القيادة السياسية الصينية الجديدة، التي استلمت زمام الأمور لعدة أشهر فقط، إعادة تشكيل الاقتصاد الصيني لحقبة جديدة من النمو الأبطأ في حين تعالج عدداً من التحديات السياسية، مثل تفاقم الاستياء بسبب عدم المساواة والتلوث بالإضافة إلى نوعية أخرى من قضايا الحياة. سيحسم إصلاح النظام المالي نجاح العديد من هذه الإصلاحات الأوسع لا سيما وأنها ستتطلب تغييرات كبيرة في الأسعار وتخصيص القروض لتوفير الحوافز المناسبة للتغيير. فعلى سبيل المثال، تستمر المصارف في إقراض المشاريع الكبيرة التي تملكها الدولة بشكل غير متناسب. إلا أن الشركات التي يملكها القطاع الخاص في الصين توفر زخماً أكبر للنمو رغم حرمانها نسبياً من التمويل، الأمر الذي أدى بدوره إلى نمو صيرفة الظل الأقل تنظيماً نمواً قوياً.

يُعتبر خفض أهمية نظام صيرفة الظل النسبية من التحديات الصعبة، علماً أن النظام هذا يمثل مخاطر حقيقية بسبب هيكله غير الرسمي وقلة التنظيم، في ظلّ البحث عن طرق أخرى لتحويل الأموال إلى الشركات الأكثر ديناميكية في الاقتصاد . يبدو أن ذلك يكمن إلى حد كبير وراء التشديد مؤخراً على التمويل في الأسواق المصرفية التي صممها بنك الشعب الصيني، البنك المركزي الصيني. توفر المصارف، لا سيما خارج مجموعة المصارف الخمسة الكبرى التي تسيطر عليها الدولة، الأموال على نحو متزايد لنظام صيرفة الظلّ. أراد بنك الشعب الصيني إرسال إشارة واضحة تفيد أنه ينبغي على المصارف أن تنسحب، أو على الأقل أن تكون أكثر حذراً عند القيام بذلك. ومن الأساليب الجيدة التي تُستخدم لتشجيع الوسطاء الماليين على تقديم الرعاية نذكر زيادة تكلفة تمويلها، بحيث يختارون بالتالي تخصيص الرعاية هذه لأفضل المقرضين.

لا بدّ من مراقبة النظام المالي الصيني بحذرٍ على المدى القريب وكذلك البعيد. ويُعد ذلك أمراً مهماً نظراً لدوره في تعزيز أو إعاقة تطور الاقتصاد الصيني وفي ظلّ تأثيره أيضاً على بقية العالم وفقاً لنمط تطور التمويل في الصين في خلال العقد المقبل. رغم أن النظام معرض لعددٍ من المخاطر ورغم أن الغموض الذي يلف به يعني أنه لا يزال عرضةً لمزيد من المخاطر الكامنة، إلا أنه أفاد الصين كثيراً بشكلٍ عام في خلال مرحلة النمو السريع التي شهدتها البلاد. ومع تباطؤ معدل النمو السريع في البلاد وسعيها نحو النمو الضروري لتحقيق أكبر قدرٍ من التطور الاقتصادي والتكامل الدولي، من المرجح أن يستمر النظام المالي في دعم الاقتصاد الأكبر حجماً. ولكن يتعين عليه أن يتطور بشكلٍ كبير جداً ليتمكن من تحقيق ذلك بفعالية كما أن الصين تواجه عدداً كبيراً من العقبات. ومن المشجع أن القيادة السياسية الجديدة تظهر علامات تدلّ على فهمها لضرورة هذا التطور وتحدياته. إلا أنه من المبكر جداً معرفة ما إذا كان سيتم ترجمة هذا الفهم الظاهر إلى إصلاحات قابلة للتطبيق.