Commentary

تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا

نظرًا لاستمرار استعمال العنف في سوريا للشهر الثاني عشر، فإن هناك أدلة متزايدة على احتمال وقوع كارثة إنسانية في الوقت الحالي وهناك القليل من الخيارات المؤلمة للحصول على استجابة فعالة. فهناك أكثر من 5000 شخص قتلوا جراء هذا العنف – فعلى الرغم من وجود صعوبات في الوصول، فإن العدد الحقيقي قد يكون أعلى بكثير. في حمص، هناك تقارير تشير إلى وجود نقص في الإمدادات الطبية والماء والغذاء والكهرباء. وقد قدرت الأمم المتحدة أنه هناك ما بين 100000 إلى 200000 شخص قد فروا من القتال، ساعين للبحث عن ملجأ مع عائلة وأصدقاء من داخل البلد. وقت كتابة هذا التقرير، كانت اللجنة الدولية للهلال الأحمر والصليب الأحمر السورية قد دخلت مدينة حماه لإمداد 12000 شخص بالإمداد الشهري من المساعدات الطارئة وقد كانت مفاوضاتهم مستمرة لتوفير عمليات الإجلاء والمساعدة الإنسانية لضاحية بابا عمرو الموجودة في حمص. لازالت المسؤول التابع للأمم المتحدة والمعني بتطبيق أعلى معايير الإنسانية، فاليري آموس، في انتظار الحصول على تصريح لزيارة سوريا.

الأزمة ليست في سوريا وحدها، فقد أفادت التقارير بقيام حوالي 80000 سوري بالفرار إلى الأردن خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث تدرس الحكومة مسألة إنشاء معسكر للاجئين. في لبنان، تستعد وكالات الإغاثة لتدفق الكثير من الناس الذين يفرون جراء استعمال العنف في سوريا على الرغم من التقارير التي تفيد بأن سوريا قد قامت بزراعة ألغام أرضية على طول الطريق الخاص بحدودها مع لبنان. وتشير التقارير الواردة من تركيا إلى أن هناك حوالي 10000 سوري قد عبروا الحدود بالفعل. ويكاد يكون أمر اللاجئين العراقيين منسيًا في التقارير الإخبارية الخاصة بمحنة سوريا، حيث إن بعضهم، بحسب ما ورد في التقارير، مستهدفين من أعمال العنف. وربما يكون قد عاد حوالي 100000 منهم إلى العراق خلال الأسابيع الأخيرة، فيما فر الآخرين إلى البلدان الأخرى. وتجري عملية نزوح السوريين في منطقة تتسم بالفعل بالتحركات السكانية المعقدة وذات الحساسية السياسية.

فعلى الرغم من الافتقار إلى المعلومات الشاملة والدقيقة فيما يتعلق بحجم الأزمة الإنسانية، يواجه المجتمع الدولي مأزقًا معتادًا وهو: كيف يمكنه مساعدة السوريين في ظل تعنت الحكومة وحظر المجتمع الدولي من اتخاذ الإجراءات السياسية اللازمة؟

فقد دعت اللجنة الدولية للهلال الأحمر إلى وقف القتال لمدة ساعتين يوميًا للسماح بوصول المساعدات الإنسانية من اجل إجلاء الجرحى وتوفير الإمدادات إلى الأشخاص اليائسين على نحوٍ متزايد، لكن حتى هذه اللحظة لم تجدي مفاوضتها مع السلطات السورية. والبديل الآخر الذي تجرى مناقشته هو تأسيس ممرات إنسانية – مناطق تحترمها كافة الأطراف باعتبارها مناطق محايدة بحيث يمكن تقديم المساعدة فيها. وللأسف، فإن سجل المناطق الآمنة – أو كما أطلقت عليهم آن ماري سلوتر خلال الأسبوع الماضي بأنهم “مناطق عدم القتل” – ليس جيدًا. فهذه المناطق من المحتمل أن تصبح أهدافًا للأعمال العسكرية من قبل الحكومة السورية، ما لم يتم حمايتها من قبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو غيرها من القوات الأخرى، ولا سيما إن أصبحت هذه المناطق ملاذًا للمعارضة المسلحة أو تم استخدامها لجمع الاستخبارات حول الأنشطة السورية (كما اقترحت سلوتر الأسبوع الماضي). فحتى لو كان من الضروري حماية مثل هذه المناطق من قبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فمن المحتمل أن تدخل قوات الأمم المتحدة في صراع مباشر مع السلطات السورية، الأمر الذي يقوض أي إدعاء بالمحايدة أو المبادئ الإنسانية. فالمناطق الآمنة أو الممرات الإنسانية كلها اقتراحات مشكوك فيها في أفضل الحالات، كما أن خلطها مع الأهداف العسكرية الواضحة يعتبر وصفة لحدوث كارثة.

وقد أعادت هذه الألغاز مذبحة سربرنيتشا إلى الأذهان، حيث إن وجود قوات حفظ السلام لم يكن كافيًا لمنع المذبحة التي راح ضحيتها حوالي 8000 رجل في عام 1995. وهناك أوجه تشابه أخرى مثيرة للقلق بين النزاع البوسني الذي حدث في متصف التسعينيات من القرن الماضي والسوري في عام 2012. فقد استنتجت لجنة التحقيق الدولية المستقلة في سوريا أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترقى إلى مستوى الجرائم التي يمكن وصفها بأنها ضد الإنسانية قد تم صدور أوامر بها من القيادات رفيعة المستوى في الحكومة السورية والقوات المسلحة. وثمة وجه تشابه آخر هو عندما تم حظر العمليات السياسية، فكل شخص ينظر إلى المساعدات الإنسانية لملء الفراغ. فلم يتمكن مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انعقد في تونس من القيام بأكثر من ذلك من أجل وقف العنف، لكنه اتفق بالفعل على دعوة الحكومة السورية إلى السماح للوكالات الإنسانية بالوصول إلى المحتاجين. وقد تعهدت الحكومة الأمريكية بدفع 10 ملايين دولار أمريكي كنوع من أنواع المساعدة الإنسانية لسوريا. وقد أعربت حتى الحكومة الروسية عن قلقها إزاء الموقف الإنساني في سوريا، حيث دعمت علنًا نداء اللجنة الدولية للهلال الأحمر بالحصول على هدنة إنسانية مدتها ساعتين يوميًا. لكننا إذا كنا قد تمكنا من تعلم شيء خلال الـ20 عامًا الماضية أو ما شابه ذلك، كنا سوف نعلم أن استخدام المساعدة الإنسانية كبديل للعمل السياسي تضعف المبادئ الإنسانية.

ففي ظل غياب العمل السياسي، ليست هناك أية إجابات واضحة حول مسألة كيفية تقديم المساعدة الإنسانية الطارئة للسوريين المحاصرين في وضع يائس ومتزايد العنف – على الرغم من أنه ينبغي دعم نداء اللجنة الدولية للهلال الأحمر بالحصول على هدنة يومية لمدة ساعتين بشكلٍ واضح. في الواقع، ففي العالم الذي أصبحت فيه السيادة هي محور النظام الدولي، فإنه ليست هناك إجابات مباشرة حول كيفية وقف عنف الدولة السورية تجاه شعبها. فالعالم يمكنه وينبغي أن يكون مستعدًا لتقديم كافة أشكال المساعدة الممكنة للسوريين الذين بإمكانهم عبور الحدود إلى الدول المجاورة وإلى البلدان التي تسمح لهم بالدخول. كما ينبغي وضع الخطط لتعبئة المساعدات اللازمة داخل سوريا في أقرب وقت ممكن. وهذا الأمر ليس كافيًا، لكن البدائل الممكنة لمساعدة الشعب المحتاج ضد إرادة حكومته تعاني من نقص شديد.