Commentary

الأسواق المتغيرة: فرص اقتصادية يقدّمها رفع الحظر الأمريكي عن صادرات النفط الخام

مع النمو الشديد لإنتاج النفط غير التقليدي والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، بات النقاش المكثف بشأن تأثير صادرات الطاقة على المستهلكين الأمريكيين، وأمن الأمة على صعيد الطاقة والاقتصاد والسياسة الخارجية مسألة هامة جداً. لطالما حاولت الولايات المتحدة ضمان أمن الطاقة من خلال ضبط سعر النفط، والتحكم بواردات النفط، وتقييد صادرات النفط. وفي كل مرة، كانت قوى السوق القوية، وزيادة الطلب وانهياره أو الفجوات بين الأسعار الأمريكية و العالمية مسيطرة على السياسة المعتمدة. قدمت مبادرة أمن الطاقة التابعة لمعهد بروكنجز تقريراً شاملاً يبحث الفرص الاقتصادية وفرص أمن الطاقة الناتجة عن رفع الحظر عن صادرات النفط الأمريكي الخام. يبيّن تحليلنا بشكلٍ قاطع أن حظر صادرات النفط الخام لا يخدم، ولم يخدم لفترة طويلة، أمن الطاقة الأمريكي. رغم هذه السياسات (وليس بسببها)، تحولت الولايات المتحدة من دولة تنعم بفورة مخزون النفط إلى دولة تعاني نقصاً لتعود وتنعم اليوم مجدداً بوفرته.

سوق الطاقة المتغير في الولايات المتحدة

تغيّر سوق النفط الأمريكي، نحو الأفضل، لا سيما بعد أن سمحت التطورات التكنولوجية لتقنية رصد الزلازل الثلاثية والرباعية الأبعاد، والحفر الأفقي، وتكسير النفط غير التقليدي والغاز الطبيعي بنمو الإنتاج بشكل كبير. إحدى المسائل المهمة المحيطة بالنقاش هي متى ستنتهي قدرة نظام التصفية الأمريكي على معالجة مجموع حجم النفط الخفيف وما الذي سيحصل في حال بقي حظر صادرات النفط الخام على حاله. إنّ غياب الأنظمة اللوجستية لعددٍ من موارد النفط الخام الجديدة قد أجبر هذه المنتجين المحليين على خفض الأسعار بهدف إيصالها إلى المصافي، في حين أنه في الوقت عينه تعين عليهم أن يتحملوا التكلفة العالية لسكك حديد، وشبكات سفن وشاحنات النقل في ظلّ غياب شبكات أنابيب . كما أننا نطرح مسألة سبب معالجة صادرات النفط الخام بشكلٍ مغاير عن منتجات البترول والفحم والغاز والمنتجات البتروكيميائية والطاقة الكهربائية. يبيّن التحليل القانوني الذي قدمناه أن الرئيس يتمتع بالصلاحية للتصرف في أي وقتٍ كان لرفع الحظر، من خلال الإعلان أنّ الصادرات ضمن المصلحةً الوطنية بموجب قانون سياسات حفظ الطاقة الصادر في العام 1975. في حال غياب تحرّك رئاسي، يمكن للكونغرس أن يرفع الحظر من خلال تعديل قانون سياسات حفظ الطاقة.

الخطوة التالية التي يتعين على الولايات المتحدة اتخاذها

استناداً إلى تحليلنا، نوصي أن تعيد الولايات المتحدة النظر في سياستها للطاقة وأن تحدثها من خلال رفع الحظر عن صادرات النفط الخام بشكلٍ كامل وفوري. من البديهي بالنسبة لنا – استناداً إلى مداولات السياسة، ونموذج الاقتصاد الكلي الشامل للاقتصاد الأمريكي وأبحاث سوق النفط العالمي التي قمنا بتكليفها لباحثين– أنه كلما كانت صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام أكبر، زادت المكاسب الاقتصادية ومكاسب أمن الطاقة للبلاد. بالإضافة إلى المكاسب الضيقة التي تستفيد منها الأمة، كرائد في دوائر التجارة العالمية، حيث تُعتبر الولايات المتحدة مدافعاً عن الأسواق المفتوحة والشفافية، يمكن للقيود المستمرة على صادرات النفط الخام أن تشوّه مكانة الولايات المتحدة العالمية وأن تعرقل سعيها المستمر لتقوية أمن الطاقة لديها.

إنّ رفع الحظر يدعم بشكلٍ كبير أمن الطاقة الأمريكي بعدة طرق. فالسماح للمنتجين الأمريكيين بالاتصال بإشارات السعر العالمي سيولّد توسعاً في إنتاج النفط الأمريكي، مما سيؤمن الاكتفاء الذاتي من النفط الخفيف. إن تشجيع إنتاج النفط الخفيف يساعد الولايات المتحدة على زيادة التنوع العالمي لإمدادات النفط، ميما تخفض تطاير أسعار النفط الخام العالمية. تملك الولايات المتحدة فرصة استحداث مصدر تنويع لإمدادات النفط العالمية واستحداث سوق نفط أكثر تنافسية، الأمر الذي لن يؤدي إلى خفص أسعار النفط الخام العالمية فحسب، بل سيدعم أمن الطاقة الأمريكي.

يبيّن تحليل التقرير بشكل قاطع أن حظر صادرات النفط الخام لا يخدم، ولم يخدم لفترة طويلة، أمن الطاقة. على العكس من ذلك، يظهر تحليلنا أن رفع الحظر سيزيد من إنتاج النفط الأمريكي، وينوّع الامدادات العالمية، و يخفض أسعار الوقود الأمريكي ويؤمن مكاسب صافية للاقتصاد الأمريكي. في الواقع، لا غنى عن خيار التصدير للمحافظة على الإنتاج المحلي؛ في ظلّ غياب دعم الأسعار الذي يؤمنه الانفتاح على الأسواق العالمية، لن يصل الإنتاج الأمريكي إلى أقصى إمكانياته. إن الإبقاء على الحظر سيمنع هذه المكاسب وقد يؤدي على الأرجح إلى إنتاج مخفض وضمناً إلى مردود وطني وعمالة وأمن أقل. إننا نجد أنه من غير الحكمة إسناد السياسة الوطنية على حماية جزءٍ فرعي صغير من المصافي الأمريكية وأن نسأل إلى أي مدى قد يكون عملٌ قائم على أسعار مدخلات مضغوطة ضغطاً اصطناعياً مستداماً.  

من شأن رفع الحظر أن يوّلد مكاسب مهمة جداً على صعيد السياسة الخارجية، ويزيد الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي والرفاهية ويخفف من نسبة البطالة. حان الوقت لتلتزم الولايات المتحدة بموقفها بشأن أسواق التجارة الحرة كعضو حقيقي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمجتمع الدولي وأن تسمح للنفط الخام الأمريكي بالتدفق.