Commentary

بعد عام على حكمه، على سلطان عُمان إعادة التفاوض في العقد الاجتماعي القائم ومنح الأولوية للتنويع

FILE PHOTO: Sultan Haitham bin Tariq al-Said gives a speech after being sworn in before the royal family council in Muscat, Oman January 11, 2020.  REUTERS/Sultan Al Hasani/File Photo

من المتوقّع أن ينفد احتياطي النفط والغاز في عُمان في غضون أقلّ من عقدَين، وهذا تقدير يطرح إشكالية كبيرة. فالهيدروكربون، الذي يشكّل أهمّ صادرات السلطنة (راجع الرسم البياني رقم 1)، كان مصدر التمويل لعملية إنماء كبيرة في البنى التحتية والتعليم والرعاية في السبعينيات والثمانينيات، ودَرَّ 68 إلى 85 في المئة من عائدات الحكومة السنوية على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة (تبعاً لتقلّب أسعار النفط والغاز). وازدادت خطورة اعتماد السلطنة المفرَط على النفط نظراً إلى الانخفاض العالمي في أسعار النفط في العام 2020، ممّا ضغط على توسّع الناتج المحلّي الإجمالي وتوازن المالية العامة وميزان الحساب الجاري في البلاد.

وحاول السلطان قابوس الراحل، في خلال حكمه الممتدّ على مدى خمسين سنة، تنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن الموارد الطبيعية. لكن في نهاية المطاف، لم تنجح هذه المحاولات. وبعد أن تبوّأ السلطان هيثم العرش في العام المنصرم، تعهّد بمعالجة تحديات عمان الاقتصادية. فالحاجة ماسّة إلى إصلاح إقتصادي في السلطنة وأكثر إلحاحاً مقارنة ببعض الدول الخليجية المجاورة لها، لأنّ احتياطاتها من النفط أدنى واستخراجها أصعب من الناحية الجيولوجية.

Oman graph 1المصدر: The Observatory of Economic Complexity: https://oec.world/en/profile/country/omn

المشاكل المالية

لقد أقلق مستقبل عُمان الاقتصادي الجهات المحلّية والإقليمية والدولية في السنوات الأخيرة. فبسبب العجوزات المالية الكبيرة التي تعانيها السلطنة واعتمادها المفرَط على التمويل الخارجي، خفّضت وكالات التصنيف الائتماني الدولية، مثل موديز لخدمات المستثمرين، ووكالة إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية ووكالة فيتش، تصنيفَ عُمان إلى حالة غير المرغوب وجعلت آفاق نموّها سلبية في العامَين 2019 و2020. أمّا إقليمياً، فقد أُفيد أنّ مسؤولين في مجلس التعاون الخليجي الذي قدّم لعمان مساعدات للتنمية بقيمة 10 مليارات دولار في العام 2011، قد أدركوا في العام 2020 أنّ السلطنة أصبحت أكثر تأثّراً بسبب التداعيات الاقتصادية التي خلّفتها جائحة فيروس كورونا المستجدّ، إلى جانب أسعار النفط المنخفضة. وعلى المستوى المحلّي، كان معظم الامتعاض الشعبي في تاريخ عمان الحديث سببه الصعوبات الاقتصادية والرغبة في الإصلاح الاجتماعي الاقتصادي، مثلما يمكن استنتاجه من مختلف الاحتجاجات والإضرابات التي جرت في السلطنة في الأعوام 2011 و2012 و2018 و2019.

ولا شكّ في أنّ أسعار النفط المنخفضة وإجراءات الإغلاق التي تمّ تطبيقها في العامَين 2019 و2020 للسيطرة على تفشّي جائحة فيروس كورونا المستجدّ قد فاقمت مشاكل عُمان الاقتصادية. في الواقع، تقدّر وكالة فيتش تحقيق عجز في الموازنة يناهز نسبة 20 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2020، مقارنة بنسبة 8 في المئة في العام 2019. لكن حتّى قبل وصول الجائحة إلى عمان، كانت السلطنة أصلاً واحدة من الدولتَين الأكثر هشاشةً بين دول مجلس التعاون الخليجي (مع البحرين). في الواقع، على الرغم من أنّ عُمان هي أكبر مُصدِّر خليجي خارج منظّمة الأوبك، هي تعاني مسائل بنيوية كبيرة، بما فيها احتياطات نفط أدنى من المتوقّع واعتماد مفرط على التمويل الخارجي وشدّة تأثر خارجية عالية وإنفاق عام مرتفع وقدرة محدودة على التكيّف مع الصدمات الخارجية، بالإضافة إلى معدّلات بطالة مرتفعة (وصلت إلى 15 في المئة تقريباً على المستوى الوطني وأكثر من 30 في المئة لدى الشباب في العام 2017).

 لعنة النفط العمانية

يطغى إنتاج الموارد الطبيعية على الاقتصاد العماني، مشكّلاً بذلك نعمة ونقمة في آن. فقد كان تصدير النفط والغاز أكبر مكسب للعملات في عمان منذ العام 1967. والنفط الخام محفّز كبير لنمو الناتج المحلّي الإجمالي، إذ تشير آخر البيانات من البنك المركزي العماني أنّ حصّة النشاطات النفطية في الناتج المحلّي الإجمالي بلغت 36 في المئة في العام 2018، أي بارتفاع نسبته 7 في المئة مقارنة بالعام السابق (راجع الرسم البياني رقم 2). وفي العام 2019، سجّلت السلطنة متوسّط إنتاج للنفط الخام بلغ 977,100 برميل في اليوم، وصدّرت 281,7 مليون برميل من النفط الخام في تلك السنة. وتعالج عمان النفط أيضاً في مصافي نفط متعدّدة، من بينها ميناء الفحل في مسقط وميناء صحار الصناعي. وفي العام 2017، كان لهاتين المصفاتين القدرة على معالجة 222 ألف برميل من النفط الخام في اليوم.

علاوة على ذلك، يجري العمل في الدقم على مشروع مصفاة جديدة من المفترض أن يبدأ بالعمل في العام 2022. ويشكّل هذا المشروع، إلى جانب عملية توسيع ميناء صحار في العام 2018، جزءاً من جهود النظام العماني لتنمية قدرته التكريرية وجذب مستثمرين في قطاع النفط. ومع كلفة تناهز مليارَي دولار، سيزيد مشروع مصفاة الدقم قدرة عمان التكريرية بـ230 ألف برميل في اليوم وسيسمح لعمان بإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية.

 الرسم البياني رقم 2: الحصص من الناتج المحلّي الإجمالي للنشاطات النفطية مقابل النشاطات غير النفطية (من العام 1998 إلى العام 2018)

Oman 2 المصدر: المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في عمان

ويعني اعتماد عمان المفرَط على صادرات الموارد الطبيعية أنّ اقتصادها مرتبط بارتفاع أسعار النفط والغاز وهبوطها. وقد تأثّرت سلباً بالانهيارات المتكرّرة في أسعار النفط العالمية في السنوات الماضية الأخيرة بشكل خاص (راجع الرسم البياني رقم 3). فقد انخفضت أسعار نفط خام برنت من 106,57 دولار للبرميل الواحد في يناير 2014 إلى 45,82 دولار في يناير 2015. ثمّ انخفضت أكثر لتصل إلى 25,55 دولار للبرميل في يناير 2016. وقد شهدت سوق النفط ما شكّل آنذاك أسوأ خسارة سنوية لها في العام 2018، عندما هبطت الأسعار من 86,07 دولار إلى 50,57 دولار. وفي العام 2020، في خضمّ جائحة فيروس كورونا المستجدّ والتراجع الاقتصادي العالمي الذي تلاها، انخفضت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في أبريل 2020، مع بلوغ سعر نفط خام برنت 9,12 دولار.

 الرسم البياني رقم 3: أسعار نفط خام برنت – جدول يومي على عشر سنوات

Oman 3

المصدر: Macrotrends, Brent Crude Oil Prices – 10 Year Daily Chart, https://www.macrotrends.net/2480/brent-crude-oil-prices-10-year-daily-chart

صحيحٌ أنّ عمان هي أكبر مصدِّر للنفط خارج منظّمة الأوبك في الشرق الأوسط، إلّا أنّ احتياطاتها أقلّ مقارنة بالدول الخليجية المجاورة لها. وبحلول نهاية العام 2017، كانت لعمان احتياطاتٌ نفطية مؤكّدة تبلغ 5.4 مليار برميل، أو 700 مليون طنّ، أي 0,3 في المئة من المجموع العالمي، بحسب شركة تنمية نفط عمان (أكبر شركة لإنتاج النفط الخام والتنقيب عنه في عمان، وهي تضخّ معظم النفط العماني الخام وتشغّل أكثرية حقول النفط وحقول الغاز ومحطات الإنتاج والآبار الناشطة في عمان).

وكانت نسبة الاحتياطات إلى الإنتاج في السلطنة، أي كمّية النفط المتبقيّة مُحتَسبة زمنياً، 15,2 سنة فقط في العام 2017. علاوة على ذلك، وعلى عكس الكثير من الدول المجاورة، تشكّل احتياطات النفط العمانية تحدّياً من الناحية الجيولوجية وغالباً ما تتطلّب أساليب استخراج مكلفة. (للمزيد من السياق، كلفة استخراجها أعلى بأربعة أضعاف من الكلفة في المملكة العربية السعودية). وقد يتمّ اكتشاف المزيد من النفط في عمان، لكنّ هذا لن يغيّر في الفترة الزمنية المقدّرة لنفاد الاحتياطي، إلا في حال اكتشاف كمّيات كبيرة منه. فماذا يعني ذلك للنظام؟ هذا يعني أنّ عليه حتماً أن يتكيّف مع اقتصاد مرحلة ما بعد النفط في وقت أسرع من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي لديها احتياطات أكبر.

 التوصيات: إعادة تصميم العقد الاجتماعي

كان النظام يتحضّر منذ العام 1996 للنقص الآتي في النفط عبر تطوير ثاني أهمّ مورد للطاقة في عمان، أي الغاز (وتحديداً، الغاز الطبيعي المُسال، الذي يُستخدم أساساً للتصدير ولدعم الصناعة المحلّية). ومع ذلك، ينبغي على النظام الآن تنويع الاقتصاد بعيداً عن الهيدروكربون بجميع أشكاله. ولتحقيق ذلك، على النظام أولاً إعادة التفاوض في العقد الاجتماعي شبه الريعي المُبرم مع الشعب.

بالطبع، ينبغي على القيادة العمانية أن تتحضّر للتداعيات السياسية التي ستترافق بلا شكّ مع التغيير الاقتصادي الجذري. وكخطوة أولى، عليها أن تخفّض الإنفاق العام (عبر زيادة الضرائب وإصلاح نظام الإعانات). ومع أنّ هذا الأمر قد يؤدّي إلى اعتراضٍ شعبي، لا ينبغي على النظام أن يقلع عن جهوده عند بروز أوّل إشارات الامتعاض، مثلما فعل بعد احتجاجات العام 2018 التي أطلقتها زيادة معدّلات البطالة والزيادات الضريبية وتخفيض نسبته 20 في المئة (بين العامَين 2015 و2018) في فاتورة الطاقة في البلاد.

ثانياً، ينبغي على القيادة العمانية أن تكون مستعدّة للقبول بأنّ إعادة التفاوض في العقد الاجتماعي المُبرم مع شعبها سيشمل على الأرجح سماحَ النظام بدرجة ما من التحرير السياسي. وقد يفرض ذلك على النظام فتح الساحة السياسية والانتقال في نهاية المطاف من نظام ملكي بالكامل لا يتشاطر فيه التحالف الحاكم السلطةَ إلى نظام سياسي أقلّ تقييداً مع تمثيل ومشاركة أكبرَين.

وفي المستقبل القريب جدّاً، من ناحية التغيير الاقتصادي الملموس، ينبغي على السلطان الجديد منح الأولوية لتنويع الاقتصاد العماني بعيداً عن الموارد الطبيعية عبر التركيز على الاستثمار في القطاعات غير الهيدروكربونية التي لها قدرة على تحقيق عائدات عالية، مثل السياحة. علاوة على ذلك، عليه أن يمنح الأولوية ليس لإيجاد فرص العمل وعومنة اليد العاملة فحسب، بل أيضاً لردم هوّة التدريب بين المواطنين والعمّال الوافدين عبر تدريب المواطنين في قطاعات محدّدة يتمّ استخدامهم فيها بنسبة أقلّ من العمّال الوافدين، على غرار التعليم والهندسة والطبّ (راجع الرسم البياني رقم 4). والأهمّ أنّه ينبغي على النظام الإدراك بأنّ استراتيجياته الاقتصادية لا يسعها الاعتماد بعد الآن على الموارد الطبيعية.

الرسم البياني رقم 4: توظيف المواطنين مقابل الأجانب بحسب القطاع (عام 2018)

Oman 4المصدر:المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في عمان

Authors