Commentary

الولايات المتحدة قلّلت من شأن مخاوف تركيا حيال القوات الكردية السورية. لم يكن ذلك أمراً يمكنه الاستمرار.

A U.S. soldier oversees members of the Syrian Democratic Forces as they demolish a YPG fortification and raise a Tal Abyad Military Council flag over the outpost as part of the security mechanism zone agreement, in Syria September 21, 2019.  Picture taken September 21, 2019.  U.S. Army/Staff Sgt. Andrew Goedl/Handout via REUTERS.  THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. - RC1745C73700
Editor's note:

تشرح أماندا سلوت أنّ سياسة دعم فصيلةٍ من الأكراد السوريين، أي وحدات حماية الشعب، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية شكّل قنبلة موقوتة منذ لحظة اعتمادها في عهد إدارة أوباما في العام 2014. نُشرت هذه المقالة بدايةً في صحيفة The Washington Post، وهذه ترجمة للنسخة الأصلية.

 

انتقدت مجموعة ملفتة من الحزبَين الديمقراطي والجمهوري بشدّة الرئيس الأمريكي لإعلانه المفاجئ أنّه سيسحب القوّات الأمريكية من الحدود السورية مع تركيا، وذلك لإبعادها عن الخطر قبل أن يُطلق الجيش التركي عملية ضدّ المقاتلين الأكراد السوريين، أي أولئك الذين ساعدوا الولايات المتحدة على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

وغرّدت سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي على حسابها على تويتر قائلة: “علينا دائماً أن ندعم حلفاءنا في حال أردناهم أن يدعمونا”. ووصف العضو في مجلس الشيوخ ماركو روبيو (الحزب الجمهوري، من ولاية فلوريدا) القرار بأنّه “مُقيت من الناحية الأخلاقية”، فيما انتقد العضو في مجلس الشيوخ كريس مورفي (الحزب الديمقراطي، من ولاية كونيكتيكت) القرار واعتبره “مشؤوماً جدا”.

لا شكّ في أنّ أعضاء وحدات حماية الشعب الذين قاتلوا ببسالة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية يستحقّون الشكر الأمريكي، وكان ينبغي على ترامب أن يُثني تركيا بشدّة عن مهاجمتهم. لكنّ الوضع معقّد. فسياسة دعم فصيلةٍ من الأكراد السوريين، أي وحدات حماية الشعب، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية شكّل قنبلة موقوتة منذ لحظة اعتمادها في عهد إدارة أوباما في العام 2014.

لقد ولّدت الأولوية القصيرة الأمد القاضية بمحاربة هذه المجموعة المقاتلة المعروفة أيضاً باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام تناقضاً استراتيجياً مع نتائج متوقَّعة باتت الآن بارزة بشكل مؤلم. إذ لم تَقبل تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، يوماً بالدعم الأمريكي لهذه المجموعة المرتبطة بشكل مباشر بمنظمة إرهابية تَشنّ منذ زمن بعيد تمرّداً ضدّ الدولة التركية. ولم يظنّ أيّ من السياسيين الذين ينتقدون الآن ترامب، الذي تتّسم عملية اتخاذ القرارات لديه بفوضوية معهودة، أنّ هذا التحالف حكيمٌ في المقام الأول. المفاجأة الوحيدة في هذا الموضوع أنّ الدبلوماسيين والضبّاط العسكريين الأمريكيين تمكّنوا من إنجاح هذا الوضع المتقلقل طوال هذه الفترة.

ولم يكن الرئيس باراك أوباما متحمساً أبداً عندما أسّس تحالفاً بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب، بل تردّد في التدخّل في الحرب الأهلية السورية. بيد أنّ بروز الدولة الإسلامية أقلقه، إذ اعتقد أنّ هذا التنظيم يهدّد الولايات المتحدة وحلفاءها الإقليميين. فأطلقت الولايات المتحدة حملة ضربات جوّية في سبتمبر 2014 للحؤول دون إحكام التنظيم سيطرته على قرية عين العرب (كوباني) الكردية بالقرب من الحدود التركية، وأسقطت جوّاً بعد ذلك مؤونات لعناصر وحدات حماية الشعب الذين يحمون المدينة. وعوضاً عن إرسال جنود أمريكيين إلى المنطقة، أرادت الولايات المتحدة التعاون مع المقاتلين المحلّيين للتغلّب على تنظيم الدولة الإسلامية. واعترضت تركيا على التعاون الأمريكي المستمرّ مع وحدات حماية الشعب واقترحت قوّة سنّية بديلة. بيد أنّ الولايات لم تعتقد أنّ أولئك المقاتلين “معتدلين” بما فيه الكافية وشكّت في أنّهم (على غرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان) مركّزين على الإطاحة بنظام بشار الأسد أكثر منه القضاء على الدولة الإسلامية. وأراد أردوغان أيضاً منطقة عازلة لإبعاد قوات وحدات حماية الشعب عن الحدود التركية، فتشكّل هذه المنطقة أيضاً ملاذاً للاجئين الذين يكتسحون بلاده، لكنّ أوباما لم يدعم هذا الطلب. وباتت القيادة المركزية الأمريكية تواجه خطراً داهماً وقلّة في الخيارات، فبدأت بمؤازرة وحدات حماية الشعب. وسرعان ما انتاب عناصر القوّات الأمريكية شعورٌ بالتآخي مع رفقائهم في السلاح، ولبسوا شارات وحدات حماية الشعب تضامناً حتّى، إلى أن اعترضت تركيا على ذلك.

وعارض أردوغان هذه الشراكة بسبب صلات وحدات حماية الشعب بحزب العمال الكردستاني في تركيا، الذي تعتبره أنقرة وواشنطن على حدّ سواء منظمة إرهابية. فقد أفضى نزاع حزب العمال الكردستاني المسلّح ضدّ الدولة التركية لنيل حقوق الأكراد إلى أكثر من 40 ألف قتيل، ومن ضمن ذلك عدّة تفجيرات في إسطنبول وأنقرة أدّت إلى مقتل عشرات المدنيين في العام 2019 وحده. لكنّ الولايات المتحدة لا تصنّف وحدات حماية الشعب ككيان إرهابي، وهذا اختلاف قانوني سمح لإدارة أوباما بتبرير تعاونها مع تلك المجموعة. وتعمل كلتا المجموعتَين تحت الهيكلية القيادية ذاتها ويتنقّل المقاتلون بحرّية بينهما. وتأتي الفعالية العسكرية التي تتحلّى بها وحدات حماية الشعب جزئياً من تجربة أعضائها في تركيا. والصلات على الأرض واضحة أيضاً. فبعد أن هزمت وحدات حماية الشعب تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرقّة السورية، رفع المقاتلون رايات تحمل صورة عبد الله أوجلان، مؤسّس حزب العمال الكردستاني المسجون.

ولم يتأثّر المسؤولون الأتراك بجهود الولايات المتحدة لتقليل النفور من وحدات حماية الشعب عبر ضمّ مقاتلين سوريين عرب إلى صفوفها وتأسيس منظّمة جامعة اسمها قوات سوريا الديمقراطية. ويشيرون أنّ الجنرال رايموند طوماس، القائد السابق لقيادة العمليات الخاصة الأمريكية، قال علناً إنّه طلب من وحدات حماية الشعب “تغيير علامتها” ووصف فكرةَ إضافة كلمة “ديمقراطية” إلى اسم المجموعة بأنها “ضرب من العبقرية”.

وكان ليندسي غراهام العضو في مجلس الشيوخ (الحزب الجمهوري، ولاية كارولينا الجنوبية)، وهو من أشدّ منتقدي قرار ترامب هذا الأسبوع، متعاطفاً في البداية مع المخاوف التركية، ووصف الشراكة مع السوريين الأكراد بأنّها “الفكرة الأغبى في العالم” في جلسة استماع في مجلس الشيوخ في أبريل 2016، نظراً إلى صلاتهم بحزب العمال الكردستاني.

ولم يأتِ قرار وحدات حماية الشعب بمحاربة الجولة الإسلامية بنيّة مساعدة الولايات المتحدة، بل كانت للمجموعة أسبابُها الخاصة. فقد سعت وحدات حماية الشعب، علاوة على حماية أراضيها، إلى ضمّ ثلاثة أقاليم في شمال سوريا ضمن منطقة واحدة مستقلّة يسيطر عليه الأكراد (على غرار إقليم كردستان العراق الذي تقوده فصيلة أكراد مختلفة. بيد أنّ هذه المنطقة تُتاخم القسم الجنوبي الشرقي من تركيا حيث تعيش أكثرية السكّان الأكراد في البلاد. فاعترى تركيا القلق من أنّ تقوية الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب في سوريا يمكن أن يشجّع حزب العمال الكردستاني على تجديد الصراع في تركيا. وفي يوليو 2015 انهار وقف إطلاق نار ومحادثات سلام استمرّا لثلاثين شهراً كان أردوغان قد باشر بهما. ويُعزى ذلك جزئياً إلى تداعيات الصراع في سوريا. (كره بعض السوريين العرب الحضور المتنامي لوحدات حماية الشعب في مناطق لم تكن كردية تاريخياً واتّهموا المجموعة في صيف العام 2015 بتهجير القرويين العرب قسراً).

ومع أنّ واشنطن سعت إلى طمأنة أنقرة، قطعت عهوداً تبيّن أنّ تنفيذها صعب. فعندما طلبت إدارة أوباما من وحدات حماية الشعب في ربيع العام 2016 عبورَ نهر دجلة لطرد مقاتلي الدولة الإسلامية من بلدة منبج ذات الأكثرية العربية، كانت الإدارة تتصرّف بعكس رغبة أردوغان الصريحة بأن تبقى وحدات حماية الشعب شرقي النهر، الذي يشكّل حدوداً طبيعية تفصل بين الأقاليم. ووعدت الولايات المتحدة تركيا علناً أنّ المقاتلين سيغادرون بعد ذلك، لكن بقي بعض منهم حتّى الآن. وعندما سلّحت إدارة ترامب وحدات حماية الشعب من أجل عملية الرقّة التي بدأت في يونيو 2017، وعدت بأن تستعيد السلاح بعد ذلك. وقد وصف مسؤول أمريكي الفكرة بأنها غبيّة”. وكالمتوّقع، لم يتحقّق الأمر.

وفشلت الولايات المتحدة، في خضمّ حماسها لهزيمة الدولة الإسلامية، في معالجة النتيجة الطويلة الأمد لإنشاء منطقة كردية سورية ترفضها تركيا رفضاً قاطعاً. ونظراً إلى أنّ الولايات المتحدة وصفت تعاونها مع وحدات حماية الشعب بأنّه “مؤقّت وتعاملي وتكتيكي”، كما وصفه مسؤول كبير في وزارة الخارجية، من غير المفاجئ أبداً أن يصرّ أردوغان على وضع تاريخ لإنهاء التعاون.

وأجرت تركيا عمليات عسكرية في سوريا من قبل، من أجل إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود والحؤول دون تأسيس كيان كردي مستقلّ وتأمين مساحة للاجئين العائدين. ففي أغسطس 2016، أطلق الجيش التركي عملية درع الفرات لطرد الدولة الإسلامية من حدودها (من جرابلس على نهر الفرات إلى أعزاز في الغرب، قرب إقليم عفرين الكردي) ولمنع الأكراد السوريين من تأسيس منطقة محاذية. وفي يناير 2018، استهدفت عملية غصن الزيتون بشكل مباشر مقاتلي وحدات حماية الشعب في عفرين، الذين كانوا يعملون مع مستشارين من الجيش الروسي وليس من الجيش الأمريكي. وكان ردّ الفعل الأمريكي متحفّظاً، فأقرّ بالمخاوف الأمنية التركية لكنّه حثّ تركيا على التصرف بطريقة مدروسة ومتناسبة.

ولمنع أردوغان من شنّ المزيد من الأعمال العسكرية، تعاون مسؤولون أمريكيون كبار مع نظرائهم الأتراك في الأشهر الأخيرة لوضع خطط لإنشاء منطقة عازلة محدودة، على طول قسم من الحدود التركية. وأجرى الطرفان دوريّات مشتركة وأسّسا مركز عمليات مشتركة. وطلبت الولايات المتحدة من وحدات حماية الشعب أيضاً سحب قوّاتها ونزع التحصينات على طول الحدود، مما يفقدها أيّ قدرة دفاعية. بيد أنّ أردوغان ضاق ذرعاً بالفشل في الاتفاق على التفاصيل وطالب بممرّ عرضه 32 كيلومتراً بطول 480 كيلومتراً، أي أكبر بكثير من الشريط الضيّق الذي تصوّرته واشنطن.

وكان قرار ترامب المتسرّع بسحب المستشارين الأمريكيين من الحدود السورية، والموافقة على الأقلّ ضمناً على عملية عسكرية تركية، غيرَ مدروس وقاسياً. فغياب عملية متناسقة للسياسات وإطلاق الرسائل المشوّهة زادا الطين بلّة لوضعٍ خطر أصلاً. فتجدُّد القتال سيضرّ بالمدنيين في منطقة باتت هادئة الآن في بلاد دمّرتها الحرب وسيعطي الدولةَ الإسلامية الإمكانية لإعادة تنظيم نفسها ويمكّن روسيا وإيران، اللتين تدعمان نظام الأسد وتتوقان للمزيد من النفوذ.

لعلّ إنهاء التحالف مع وحدات حماية الشعب أمرٌ لا بدّ منه، لكنّ نقّاد ترامب محقّون في أنّ الولايات المتحدة لا يمكنها الانسحاب بكلّ بساطة من دون تلطيخ سمعتها بأنها شريك يمكن الاتّكال عليه. وفيما تسري عملية نبع السلام التركية الآن، على الولايات المتحدة الإصرار على أن تكون عملية محدودة النطاق وألا تستهدف بلدات مهمّة واقعة تحت سيطرة الأكراد وأن تحرص على عدم إطلاق سراح سجناء الدولة الإسلامية الذين تحتجزهم وحدات حماية الشعب وألا تسبّب أزمة إنسانية في صفوف المدنيين.

وينبغي على الولايات المتحدة أن تستمرّ بدعم الجهود الآيلة للوصول إلى حلّ سياسي للصراع الأوسع في سوريا، بما في ذلك اتخاذ قرارات حول ترتيبات الحوكمة والأمن الطويلة الأمد. فقد حقّقت وحدات حماية الشعب نتائج سريعة في زاوية من زوايا البلاد، لكن لم يتوقّع منها أحد أن تحرّر البلاد بأسرها. ومن النتائج المرجّحة للتوغّل التركي أن تُبرِم وحدات حماية الشعب اتفاقاً مع النظام السوري. ففي خلال الصراع كلّه، لم تنضمّ وحدات حماية الشعب إلى المجموعات المعارضة التي تعمل على الإطاحة بالنظام، الذي بدوره لم يُجرِ عمليات واسعة في المناطق التي تمركزت فيها وحدات حماية الشعب.

على الرغم من الإحباط الكبير التي تشعر به الولايات المتحدة تجاه زعيم تركيا القوي، عليها أن تحافظ على علاقتها بتلك البلاد. فمع أنّها حليف صعب وشطّت عن مبادئ حلف شمال الأطلسي، مثلاً عبر شراء معدّات عسكرية روسية وقمع المعارضين السياسيين والصحافة، تبقى حليفاً مهماً ذا أكثرية مسلمة في منطقة حرجة. ونظراً إلى موقع تركيا الجغرافي، لها مصلحة واضحة في نشوء دولة سورية مستقرّة. ويجدر بالولايات المتحدة أن تبقى مركّزة على أن يبقى الجار السوري الذي هو من أكبر الخاسرين منخرطاً في الجهود للقضاء بشكل حاسم على تنظيم الدولة الإسلامية.

Authors