Commentary

ردود فعل خبراء بروكنجز على قرار ترامب الأخير بفرض عقوبات على إيران وتأثيره في الأسواق والدول الرئيسية

A gas flare on an oil production platform in the Soroush oil fields is seen alongside an Iranian flag in the Gulf July 25, 2005. REUTERS/Raheb Homavandi/File Photo - GF10000386922

في 22 أبريل، أعلنت إدارة ترامب أنّه على شراة النفط الإيراني التوقّفَ عن الشراء بحلول الأوّل من مايو أو سيتعرّضون إلى عقوبات. وتهدف هذه الخطوة إلى إيقاف عائدات طهران من النفط بالكامل. فما هي تداعيات هذا القرار على أسواق النفط والدول المستهلكة الرئيسية مثل الصين والهند وعلى العلاقات الأمريكية الإيرانية وغيرها من النواحي؟ خبراء بروكنجز يعطون تفسيراتهم في ما يلي:

سامانثا جروس (@samanthaenergy)، زميلة في مبادرة بروكنجز الشاملة حول الطاقة والمناخ: من الواضح أنّ الرئيس ترامب يريد أن يحظى بمراده من جميع النواحي. فهو يلجأ إلى العقوبات لتخفيض صادرات النفط من إيران وفنزويلا، مضيّقاً بذلك الخناق على أسواق النفط العالمية، ويشتكي في الوقت عينه عند ارتفاع أسعار الوقود الأمريكي.

وفي هذا الأسبوع، يُضاف فصلٌ جديد إلى هذه السلسلة الدرامية المستمرّة. فمنذ نوفمبر 2018، استفادت خمسة بلدان، هي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا، من التنازلات التي أتاحت لها أن تتابع شراء النفط الإيراني على الرغم من نظام العقوبات الأمريكي. غير أنّ وزير الخارجية الأمريكية بومبيو أعلن يوم الإثنين أنّ هذه التنازلات ستنتهي بحلول 2 مايو وأنّ الولايات المتحدة تنوي وقف صادرات النفط الإيرانية بالكامل.

ويقول البيت الأبيض إنّ زيادة إنتاج المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ستعوّض عن الخسارة في النفط الإيراني. وأنا على يقين أنّ السعوديين والإماراتيين ستغمرهم السعادة لزيادة عائداتهم من النفط على حساب خصمهم الإقليمي. غير أنّ الأسواق النفطية غير مقتنعة. فيوم الإثنين 22 أبريل، شهدت أسعار النفط أعلى مستوى لها في هذا العام، مباشرةً قبل حلول فصل الصيف والقيادة. وحتّى إن غطّت الدول المنتجة الأخرى كامل كميّة النفط المفقود من إيران، ستتابع سوق النفط أنشطتها بمستوى من الاحتياطي يقلّ عن المستوى الاعتيادي، ممارِسةً ضغطاً يؤدّي إلى تزايد الأسعار.

ويطرح هذا التغيّر في السياسة موضوعَ إيران ومكانتها في أهداف السياسة الإجمالية لدى الإدارة الأمريكية. فلا طالما شكّلت الصين المستهلكَ الأكبر للنفط الإيراني وقد أعربت عن معارضتها للعقوبات الأمريكية الأحادية. وفيما تعمل الولايات المتحدة على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية تبادل تجاري مهمّة مع الصين، قد تشكّل زيادة العقوبات على إيران نقطةً شائكة. بالإضافة إلى أنّ الصين وكوريا الجنوبية واليابان جهات شريكة مهمّة أيضاً في الجهود الجارية لضبط البرنامج النووي الحقيقي لدى كوريا الشمالية.

وتُظهر هذه المسألة بكاملها أنّ قرارات السياسات تتطلّب مقايضات. فقد تتناقض أسعار الوقود المتدنية مع أهداف السياسة الخارجية، مع أنّ الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم. ومن غير الواضح ماذا تخبّئ الإدارة لإيران، لكن أقلّه لليوم، يبدو أنّه يتقدّم أهدافَ سياسات مهمّة أخرى.

رايان هاس (@ryanl_hass)، زميل ديفيد روبنستاين في مركز دراسات السياسات لشرق آسيا وفي مركز جون ثورنتون الصيني: من وجهة نظر أمريكية صينية، سيؤدّي قرار إدارة ترامب بإلغاء المزيد من التنازلات التي تسمح للصين بشراء نفط إيراني بمستويات متضائلة إلى الضغط على العلاقات الثنائية. وستنتهي مدّة التنازل الحالي في 2 مايو، وهذا يتزامن مع المرحلة النهائية المتوقّعة من المفاوضات التجارية بين الممثل التجاري للولايات المتحدة روبرت لايتهايزر ونائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي.

ففي حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المؤسّسات المالية الصينية التي تسهل التعاملات النفطية مع إيران بعد انتهاء مدّة التنازل، قد يؤثّر ذلك في المفاوضات التجارية. فأيّ عقوبات أمريكية أحادية مفروضة على المؤسّسات المالية الصينية يمكنها أن تحدّ من المساحة التي تعطيها بكين لنفسها حيال المساومة بشأن هواجس التجارة الأمريكية.

ومن المستبعد أن توقف الصين وارداتها من النفط الإيراني بالكامل. فهي أكبر شارٍ لهذا النفط. وتمثّل إيران صلةَ وصل استراتيجية مهمّة تربط آسيا والشرق الأوسط كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية. بالإضافة إلى ذلك، لا يحبّذ الصينيون أن يظهروا وكأنهم يُخضِعون مسار علاقاتهم مع إيران لمطالب الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من إظهار الصين بعض التردّد في أغلب الأحيان، فقد مدّت يد المساعدة في ممارسة الضغط على إيران للتفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة. فصوّتت لصالح ستّة قرارات صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تستهدف إيران، وقلّصت قسماً كبيراً من واردتها النفطية من إيران، واضطلعت بدور بنّاء في المفاوضات. واعتبرت الصين نفسها في ذلك الوقت طرفاً أساسياً في تحالفٍ متعدد الأطراف لمكافحة انتشار الأسلحة النووية والمحافظة على الاستقرار الإقليمي. غير أنّ الأوضاع تغيّرت اليوم. فبدلاً من ذلك، تعتبر بكين أنّ إدارة ترامب تنفرد في قراراتها وتصرفاتها للقضاء على التقدّم الذي أدّت الصين دوراً في تحقيقه من خلال خطة العمل الشاملة المشتركة.

باختصار، مع اعتماد واشنطن مقاربة متطرّفة مع الصين بدل دعوتها إلى تقليص وارداتها من النفط الإيراني تدريجياً، ومع توقيت قرارها المتزامن مع المفاوضات التجارية المهمّة للغاية، قد تجد نفسها معرّضة لمخاطر سلبية مع بكين من دون نيلها مكاسب معوِّضة. 

يقول رايان هاس إنّ “بكين تعتبر أنّ إدارة ترامب تنفرد في قراراتها وتصرفاتها للقضاء على التقدّم الذي أدّت الصين دوراً في تحقيقه من خلال خطة العمل الشاملة المشتركة”.

تانفي مادان (@tanvi_madan)، مديرة المشروع الهندي، وزميلة في مشروع النظام والاستراتيجية الدوليَّين: كما فصّلتُ أكثر في مقالة أخرى، لن ترحّب نيودلهي بقرار إدارة ترامب بعدم تمديد التنازلات عن العقوبات الإيرانية. إذ تستورد الهند أكثر من ثلاثة أرباع النفط الذي تستهلكه، ولطالما اندرجت إيران على قائمة المصادر الأولى لها.

وما دامت الهند شريكةً استراتيجية للولايات المتحدة، أمِلَت أن تحصل على تنازل آخر، حتّى لو تطلّب ذلك منها تقليصاً إضافياً لوارداتها. بالتالي، سيزعج قرار الإدارة الأمريكية نيودلهي، ولا سيّما أنّ واشنطن قد فرضت أيضاً العقوبات على مورّد آخر من كبار الدول المورّدة للهند، أي فنزويلا. وعلى الأرجح أنّ الهند ستجد مصادر نفط أخرى، من بينها ربّما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.

وتأتي خطوة إدارة ترامب في وقت غير مناسب لحكومة مودي، التي تسعى إلى إعادة انتخابها، ومن المرجّح أن تتّهمها المعارضة بأنّها انصاعت للضغط الأمريكي. لهذا السبب، وللمحافظة على العلاقات مع إيران، من المرجّح أن تسعى الحكومة إلى متابعة استيرادها كمّيةً محدودة من النفط الإيراني مستخدمةً آلية الدفع بالروبي (العملة الهندية) التي طوّرتها (مع أنّ هذا الأمر قد يُغضب الولايات المتحدة).

يجدر أيضاً الأخذ بعين الاعتبار ثلاثة هواجس أوسع: أوّلاً، تأتي مشاكل فرض العقوبات على إيران وفنزويلا في وقت برزت فيه عراقيل أخرى في العلاقات الأمريكية الهندية. ثانياً، يؤدّي قرار إدارة ترامب هذا الأسبوع إلى نتائج معاكسة للأهداف المطروحة في استراتيجية الأمن القومي للإدارة، ممّا يعطي الهند سبباً مشتركاً مع الصين وروسيا. ثالثاً، ستعزّز هذه التطوّرات سعيَ الهند إلى الاستقلالية الاستراتيجية، وهو مسعى يرتكز بقسم كبير منه على الشعور بأنّ الولايات المتحدة ليست شريكاً جديراً بالثقة.

لكن دعونا لا نغالي في الأثر الناجم عن خطوة إدارة ترامب. فأوّلاً، للهند خلافاتها الخاصة مع إيران. بالإضافة إلى ذلك، لا تتمتّع نيودلهي اليوم بخيارات التوريد البديلة التي تمتّعت بها من قبل. أخيراً، لا تزال الولايات المتحدة مفيدة للهند لعدد من الأسباب، ولا سيّما استراتيجية التوازن الخارجي والداخلي التي تعتمدها نيودلهي مع الصين.

سوزان مالوني (@maloneysuzanne)، نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز، وزميلة أولى في مركز سياسات الشرق الأوسط ومبادرة بروكنجز الشاملة حول الطاقة والمناخ: كما كتبتُ البارحة، لقد اتّخذت إدارة ترامب خطوة مثيرة أخرى نحو الإخلال بالوضع الراهن في إيران وحيال إيران، مع إلغائها المفاجئ لجميع التنازلات عن العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية. ويضع هذا القرار واشنطن في موقف صِدام مع الصين والهند وتركيا، التي ستخضع وارداتها المستمرّة من النفط الخام الإيراني لعقوبات أمريكية بعد 2 مايو. ويبدو أنّ هذا القرار قد اتُّخذ بهدف الدفع بالقيادة الإيرانية إلى الحافة. لكن إلى حافة ماذا تحديداً؟ إذ لا تزال النتيجة المنشودة من حملة الإدارة الأمريكية ضدّ إيران غامضة وتشكّل موضوعاً قابلاً للجدل حتّى. وإلى حدّ الآن، يبدو أنّ طهران تتدبّر أمرها: فما من دليل كافٍ يشير إلى أنّ الجمهورية الإسلامية تقارب حافة الانهيار أو الاستسلام.

وما من أسباب كافية تدفع للاعتقاد بأنّ المجموعة الحالية من صانعي القرارات الأمريكيين تنظر بعين حذرة إلى التداعيات من المستويَين الثاني والثالث التي قد تشهدها مصالح الولايات المتحدة وحلفاؤها جرّاء تصعيدها للحرب الاقتصادية ضدّ إيران. فقد شدّد الجنرال علي رضا تنكسيري، قائد البحرية لحرس الثورة الإسلامية في إيران، على معادلة أمن الطاقة التي التزمت بها طهران في خلال الأعوام الثلاثين الماضية، محذّراً بأنّه إذا تمّ منع إيران عن تصدير النفط، فستواجه الدول المجاورة لها العقبات نفسها. فلطهران مجموعة متنوّعة من الأدوات المجرّبة خير تجربة، من الألغام تحت البحر إلى الوكلاء الإرهابيين إلى الحرب السيبرانية، التي تتيح لها أن تنفّذ تهديدها، بالإضافة إلى حافز جديد للقيام بذلك، نظراً إلى التنسيق الصريح السعودي والإماراتي مع إعلان اليوم. ولعلّه يجدر بترامب، الذي يغرّد بانتظام معرباً عن استيائه لارتفاع أسعار الوقود، أن يفكّر كيف تمكّن الرئيس الأمريكي الأخير من إدارة أزمة نفطية مستعرة في الخليج العربي اندلعت في خضمّ حملة إعادة انتخابه.

جيفري فيلتمان، زميل زائر في منصب جون سي وايتهيد في الدبلوماسية الدولية في معهد بروكنجز: كما أعلن البيت الأبيض يوم الجمعة 19 أبريل، اتّصل الرئيس ترامب قبل أيّام بخليفة حفتر، المُشير الليبي الذي استخدم قواته المختلفة لمهاجمة طرابلس، من أجل الإشادة “بدور حفتر البارز في محاربة الإرهاب والحفاظ على أمن موارد ليبيا النفطية”. وقد أتت هذه المكالمة لتطيح بالسياسة الأمريكية التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكية بومبيو قبل أسبوع: لقد توقّفت الولايات المتحدة عن الدعوة إلى إنهاء القتال وإلى حلّ سياسي وتحوّلت إلى تشجيع قائد ليبيا القوي العتيد، على الرغم من الخسائر البشرية والاقتصادية المحتملة التي قد يتمّ تكبّدها جرّاء معركة طويلة للسيطرة على طرابلس.

وعلى ضوء قرار الإدارة بعدم تمديد التنازلات للبلدان المستوردة للنفط الإيراني، من الضروري إيلاء بعض الانتباه للإشارة التي وردت في نصّ البيت الأبيض عن المكالمة بشأن موارد ليبيا النفطية. فيبدو أنّ السبب التقريبي الكامن وراء قرار حفتر بمهاجمة طرابلس ينضوي على شقَّين. الشقّ الأوّل هو من أجل عرقلة انعقاد مؤتمر وطني بتسهيل من الأمم المتحدة في أواسط أبريل من أجل رسم مسار لإجراء الانتخابات (مع نتيجة يعجز حفتر عن التحكّم بها منفرداً). والشقّ الثاني هو اجتماع في 28 مارس بين حفتر وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يُعتقد أنّه أظهر “الكرم” السعودي لهجوم حفتر على طرابلس.

ومن المحتمل أنّ قرار ترامب بدعم حفتر في الخطاب الأمريكي يأتي نتيجة اجتماع ترامب مع الرئيس المصري السيسي قبل بضعة أيّام. فعلى الأرجح أنّ السيسي، الموافق على مواقف حفتر المعادية للإخوان المسلمين، قد أقنع ترامب بقدرة حفتر المحتملة على دحر الإرهاب وفرض الاستقرار في ليبيا. ولعلّ السعوديين والإماراتيين، الذين سهّلوا بروز حفتر في شرق ليبيا، أو المسؤولين في البيت الأبيض قد عزّزوا رسالة السيسي بإضافة حجّة النفط. ففي وقتٍ توشك الولايات المتحدة على إلغاء سياسة التنازلات، قد يساعد إشراف رجل قوي على أكبر احتياطيات النفط في أفريقيا على تثبيت الأسعار وحفظ استقرار الأسواق.

لكن مع مقاومة تفوق توقّعات حفتر، من المحتمل أن يفشل في غزو طرابلس، فهو مدّعٍ أكثر مما هو رجل قوي فعلاً. غير أنّ إدارة ترامب قد لا تأبه إذا انتصر أم تدمّرت طرابلس في خضمّ محاولته إخضاعها. ففي نهاية المطاف، يتحكّم حفتر أصلاً بالأرض التي تضمّ حقول النفط الكبرى في ليبيا. فما هو أفضل من التحلّي بشخص سلطوي الميول وصديق للسعوديين والإماراتيين والمصريين يتحكّم بحقول النفط؟