Commentary

ردود فعل خبراء بروكنجز على خطاب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في القاهرة

U.S. Secretary of State Mike Pompeo speaks to students at the American University in Cairo, Egypt, January 10, 2019. Andrew Caballero-Reynolds/Pool via REUTERS - RC15D1E44B00

في 10 يناير، ألقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خطاباً في القاهرة حول السياسة الخارجية سعى فيه إلى وصف الولايات المتحدة بأنّها “قوّةٌ للخير” في الشرق الأوسط. فكانت لخبراء الشرق الأوسط في بروكنجز مجموعةٌ من ردود الفعل السريعة على الخطاب ندرجها أدناه.

ناتان ساكس (@natansachs)، مدير مركز سياسات الشرق الأوسط: أتى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى القاهرة ليكرّر ما قام به أوباما هناك في العام 2009. وعلى غرار أوباما، أتى بومبيو لينقض المقاربة التي انتهجها الرئيس الذي سبقه تجاه الشرق الأوسط ويعلن “بدايةً جديدة” للعلاقات الأمريكية الشرق أوسطية. لقد أراد أوباما أن ينفصل عن تاريخ جورج بوش الابن في العراق وسياسة التدخّل الأمريكية. أما بومبيو، فحاول أن يبتعد عمّا اعتبره أوباما “عارَ الولايات المتحدة الذي جلبته على نفسها”، والذي، كما قال، لم يرَ الولايات المتحدة على أنّها قوّة لفعل الخير، وأن يبتعد عن التقارب مع العدو، أي إيران. وفي أثناء ممارسة السياسة على الأراضي الخارجية، ردّد بومبيو وجهات نظر الحاضرين النخبة بين شركاء الولايات المتحدة الإقليميين. فهم يذكرون أوباما بالأسوأ ونظرياً سيؤيّدون مقاربة بومبيو. 

غير أنّ بومبيو ينقض توجّه الرئيس السابق من موقفٍ ضعيف بعض الشيء. فقد تحدّث أوباما بشكل موثوق باسم الرئيس، إذ تحدّث باسمه. أمّا خطاب بومبيو، فبدا كما لو أنّه عودة قسرية إلى عهد بوش، غير أنّه يتحدّث بالنيابة عن رئيسٍ لا يشبه بوش على الإطلاق ومن المحتمل أنّه لا يشبه بومبيو في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية. فقد شكّك ترامب مراراً وتكراراً في الفائدة أو المنفعة التي يجلبها التدخّل الأمريكي في العالم، وأمر مؤخّراً بانسحاب سريع للجنود من سوريا، وهو أمرٌ يجد بومبيو وجون بولتون صعوبةً لتفسيره، بما فيه في هذا الخطاب. ومع أنّ نقض بومبيو لأوباما لم يكن عديم المنفعة، لعلّه يطرح الأسئلة عينها لترامب. بالفعل، غالباً ما يتساءل الحاضرون الإقليميون عينهم في السرّ إذا ما كان باستطاعة بومبيو أو بولتون أو أسلافهما أن يتكلّموا بشكل موثوق على السياسة الأمريكية، لا بل هم ليسوا أكيدين إذا ما كان ترامب يستطيع ذلك.

تمارا كوفمان ويتس (@tcwittes)، زميلة أولى في مركز سياسات الشرق الأوسط: قدّمت ملاحظات بومبيو في القاهرة رؤيةً عن هيمنة أمريكية منخرطة بالكامل في الشرق الأوسط، وهذا أمر يذكّر جدّاً بالماضي. ولا تتوافق هذه الرؤية بسهولة مع الموارد التي يُظهر ترامب استعداداً لاستثمارها في المنطقة ولا مع أولوية الشرق الأوسط الأدنى نسبياً في الاستراتيجية الأمريكية العالمية، التي تركّز بشكل متزايد على صين صاعدة وروسيا حازمة ومنافسة جديدة في التكنولوجيا والاقتصاد.

وقد مهّد بومبيو الآن الطريق أمام بعض الحوارات المحرجة على مدى الأيام المقبلة مع القادة في دول مجلس التعاون الخليجي الستة. ومن المنطقي أنّهم سيشكرونه على ضماناته وتطلّعاته ويسألونه عن الالتزام الذي تبدي الولايات المتحدة استعداداً لتقديمه لتنفّذ الرؤية التي وضعها، إلى جانب الدعم بالكلام غير الناقد. وإن كان وزير الخارجية بومبيو قد حضّر بعض الأجوبة، فعلى الأرجح أن تدفع تقلّباتُ مزاج رئيسه ومشاكله السياسية المتزايدة بالقادة الإقليميين إلى التشكيك بمصداقية تلك الالتزامات. إنّه ليوم حزين عندما يقوم وزير الخارجية الأمريكية بزيارة إقليمية مهمّة ويلقي خطابات جريئة حول السياسة الأمريكية، ولا يستطيع أحد في المنطقة أن يصدّقها. لكن هذه هي النقطة التي أوصلنا إليها الرئيس ترامب.

شاران غروال (@sh_grewal)، زميل باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مركز سياسات الشرق الأوسط: لقد نقض وزير الخارجية بومبيو بحدّة سياسة الرئيس السابق باراك أوباما الخارجية من دون أن يذكر اسمه مرّة واحدة. والاختلاف الأكبر أيضاً بين خطابه وخطاب أوباما هو ما لم يأتِ على ذكره: أيُّ تركيزٍ على الديمقراطية أو حقوق الإنسان. وما ركّز أوباما عليه في خطابه في القاهرة، تماماً كما فعلت قبله وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، هو أنّه من الضروري أن “تحافظ الحكومات على قوّتها بالموافقة لا الإكراه”. غير أنّ بومبيو لم يوافق، حتّى بالكلام، على هذه القيم. ولم يتمّ ذكر جمال خاشقجي أو انتقاد بشكل مبطّن رؤساء يسعون إلى تمديد ولايتهم (مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) أو الثناء على إصلاحات تونس الديمقراطية حتّى. بالفعل، لم تُذكَر تونس إلّا من أجل الاستخفاف “بالاضطرابات العنيفة من تونس إلى طهران”، كما لو أنّه في سبيل الخلط بين المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية في تونس والمرحلة الانتقالية إلى الثيوقراطية في طهران.

ومن دون تلك الركيزة الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية، لا يبقى لنا سوى استراتيجية مدمِّرة بحتة – ألا وهي محاربة تنظيم داعش وإيران – من دون أيّ وصفة لكيفية بناء مستقبل أكثر إشراقاً. غير أنّ خطاب بومبيو لم يختلف عن خطاب أوباما بالمضمون فحسب، بل بالأسلوب أيضاً. فقد وجّه أوباما رسالته الداعمة للديمقراطية مباشرةً للشعب من خلال اختيار جامعة القاهرة قرب وسط مدينة القاهرة. أمّا بومبيو، فاختار الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهي جامعة نخبوية أكثر تقع في الضواحي الغنية، ووجّه خطابه في المقام الأوّل للحكومات العربية بدلاً من شعوبها. وانعكس هذا الاختلاف في ردود فعل الحاضرين: فقد تخلّل خطاب أوباما تصفيق متكرّر وحقيقي – أمّا خطاب بومبيو، فلم يلاقِ تصفيقاً إلّا مرّة واحدة، وكان مُكرهاً بعض الشيء، وذلك عندما شكر الرئيس السيسي على شجاعته في المساعدة على محاربة تنظيم داعش. وقال لنا بومبيو: “عندما تتراجع الولايات المتحدة، تعمّ الفوضى”. لكن عندما تتراجع الولايات المتحدة عن قيمها، لا شكّ في أنّ القمع والمحسوبية سيسودان.

جيفري فيلتمان، زميل زائر في منصب جون سي وايتهيد في الدبلوماسية الدولية في معهد بروكنجز: استمع معظم القادة العرب إلى خطاب أوباما في القاهرة في العام 2009 واختاروا ما أرادوا سماعه: فقد رحّبوا بحفاوة بالتزام أوباما بالتركيز على حلّ الدولتَين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني (مسألة شكّلت حتّى في حينها مصدر قلق أكبر “للشارع” العربي منه للقصور العربية)، كما رحّبوا باحترامه للإسلام في خطابه. لكنّهم تجاهلوا تماماً انتقادات أوباما الاستشرافية (ولا سيما على ضوء الثورات في العام 2011) المهذّبة لكن الصائبة حول النواقص المقلقة في حقوق الإنسان والتنمية.

أمّا اليوم، فلا يحتاج الزعماء العرب إلى انتقاء ما يسمعونه من خطاب وزير الخارجية الأمريكي بومبيو. فبالنسبة إلى إدارةٍ يبدو أنّها مقتنعة بأنّ الولايات المتحدة حظيت بصفقات أحادية الجانب بشكل فاضح من خلال التحالفات على المستوى العالمي، من الغريب أنّ الشركاء العرب الذين يحاول بومبيو استمالتهم لم يتمّ تحذيرهم بموضوع موجباتهم، بعيداً عن التلميحات المقتضبة وغير المباشرة إلى الشرخ الخليجي وقانون المنظّمات غير الحكومية في مصر. وبقدر ما سَرّت كلمات خطاب بومبيو القادة العرب، كما كان متوقّعاً، لا شكّ في أنّهم لن يخلطوا بين الأقوال والأفعالً. فنظراً إلى هوس الرئيس ترامب بتدمير إرث أوباما، لعلّه كان خطاب بومبيو الأكثر فاعلية لدى ذاك الشخص الأهم في البيت الأبيض، وذلك عبر تشويه خطاب أوباما في القاهرة وتضخيمه. وتطرح تهنئة بومبيو لنفسه حيال استقبال وزير الخارجية المصري سامح حسان شكري في مكتبه في شهر أغسطس السؤال، مع أنّ هذا الأمر ليس بالمهمّ: ماذا كان يتوقّع أن يفعل وزراء خارجية آخرون في حال حضور نظرائهم إلى البلاد؟ ولم يذكر بومبيو الزائر الذي أتاه في نوفمبر: الملك عبدالله بن الحسين الذي ازدراه بومبيو ذاته الذي يشدّد الآن على أنّه لن يرتكب خطأ أوباما المزعوم بإهمال أصدقائه.

هادي عمر (@HadyAmr)، زميل زائر في السياسة الخارجية في معهد بروكنجز: توجّه خطاب وزير الخارجية بومبيو في القاهرة بشكل كبير إلى الأتوقراطيين، لا المواطنين – لهذا السبب لا يُحدث خطابه أيّ وقع. منذ أكثر من عشر سنوات، نصحتُ بذكر الفكرة التالية في خطاب العضو في مجلس الشيوخ والمرشّح للرئاسة أوباما الذي ألقاه في أغسطس 2007، والفكرة أُخذت من ورقة شاركت بكتابتها: “في الأيام المئة الأولى من إدارتي، سأشارك في منتدى إسلامي مهمّ… وأؤكّد على أنّنا لسنا في حالة حرب مع الإسلام وأنّنا سنقف إلى جانب أولئك المستعدّين للمدافعة عن مستقبلهم”. ووفى الرئيس أوباما بعد ذلك بذلك الالتزام في خطاب ألقاه أمام عدد كبير من قادة المجتمع المدني في القاهرة في 4 يونيو 2009. وكان الردّ الإقليمي مذهلاً. وشكّلت الفعالية التي نظّمناها في مركز بروكنجز الدوحة بعد الخطاب مع السفير الأمريكي إحدى أكبر الفعاليات التي نقيمها وأكثرها حيوية حتّى ذلك الوقت.

وحاول بومبيو أن يصيغ خطابه كردّ على خطاب أوباما. لكن فلنكن واضحين، لم يكن الخطاب الذي ألقاه أمام المئات، وليس الآلاف، كذلك. فقد قدّم ترامب ردّه على ذلك الخطاب في ما أسماه البيتُ الأبيض “القمّة العربية الإسلامية الأمريكية” في الرياض في مايو 2017. وقد توجّه ذلك الخطاب، تماماً مثل خطاب بومبيو، إلى قادة المنطقة لا مواطنيها. وقد يؤدّي تأطير ترامب وبومبيو للعلاقة الأمريكية مع الشرق الأوسط الأكبر عبر قادته غير الديمقراطيين بالإجمال إلى بعض النجاحات في السياسات على الأمد القصير، لكنّها ستعجز في نهاية المطاف عن تقوية مصالح الأمريكيين ومواطني الشرق الأوسط المتبادلة المتمحورة حول بناء ديمقراطيات مزدهرة وحيوية يمكنها أن تتشارك مع الولايات المتحدة في الأمن والازدهار.

سوزان مالوني (@MaloneySuzanne)، نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية وزميلة أولى في مركز سياسات الشرق الأوسط: لم يقدّم أداء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، منذ تولّيه منصب وزارة الخارجية الأمريكية، في أيّ ناحية من نواحيه الكثير من الأمل بأنه قادر على أن يضع رؤيةً مدروسة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط واستراتيجيةً صالحة للسير بهذه المصالح. ولعلّه أعاد “الجاذبية” إلى الوزارة، كما ادّعى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن يبدو أنّ بومبيو غالباً ما يجد صعوبة في تركيب جمله. مع ذلك، لم يكن خطابه على المستوى المطلوب – ولعلّ السبب يعود إلى استهدافه في ملاحظاته الإدارةَ الأمريكية السابقة بدلاً من استهدافه ملايين العرب والأتراك والإيرانيين والإسرائيليين وغيرهم من الجنسيات التي تشملها هذه المنطقة المتنوّعة الزاخرة بالنزاعات. وقد يكتسب بومبيو حظوة أكبر في عيون الرئيس الأمريكي لانتقاد أوباما وإيران طبعاً، لكن ما من فكرة في خطابه ستقنع المنطقة بأنّ هذه الإدارة بإمكانها أن تقود جهوداً جدّية لمعالجة أيٍّ من الأزمات الملحّة، مثل الحرب المدمِّرة في اليمن، أو أن تخفّف من التحدّيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها المنطقة.

وعبّر بومبيو بوضوح أنّ استراتيجية الإدارة في الشرق الأوسط تهدف إلى تعزيز الدعم لشركاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة وتشجيع تعاون أكثر فعالية بينهم لمواجهة إيران في المقام الأوّل. ولا يختلف ذلك جذرياً عن كلّ إدارة سابقة منذ العام 1979، ولا شكّ في أنّ كلّ الارتياب والاحتكاكات التافهة عينها التي قيّدت الجهود السابقة ستظلّ سارية. ويجدر الذكر بأنّ نفوذ إيران قد توسّع ليس نتيجة الاتفاق النووي الذي تخلّى عنه ترامب الآن، بل بسبب التمادي الكارثي الذي أبداه رئيس أمريكي معتدّ بنفسه وتراجع القيادة والحوكمة الرشيدة في العالم العربي. وما يميّز مقاربة ترامب كما استعرضها بومبيو هو التخلّي عن حتّى الادّعاء بالحكمة أو البراعة الأمريكية. فلم تعتمد أيّ إدارة أمريكية سابقة مقاربةً أحادية البعد من هذا النوع أو تجاهلت بالكامل مصادر الاضطراب الآتية من حلفائنا الإقليميين: الفساد والقمع والاقتصادات غير المتنافسة وسيادة القانون غير الملائمة والكثير غيرها. ويشكّل خطاب إدارة ترامب المهنّئ لنفسه المقرون بتخلّ ساخر عن الالتزام الأمريكي المفيد في حلّ المشاكل وصفةً لحلول كارثة في الشرق الأوسط.

رانج علاء الدين (@RanjAlaaldin)، زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة: قدّمت ملاحظاتُ وزير الخارجية بومبيو تصحيحاً ضرورياً لخطاب الانفصال وقطع التواصل الذي صدر عن البيت الأبيض منذ استلام الرئيس ترامب الحكم، على الرغم من احتمال أن ينهي ترامب ذلك في المستقبل القريب. فمن خلال التركيز على سياسة خارجية صارمة والتشكيك بالالتزامات الروسية والصينية تجاه المنطقة، حاول بومبيو أيضاً أن يسترجع فكرة القيادة والإصرار الأمريكيَّين اللذَين افتقدهما الكثير من حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين وتاقوا إليهما في عهد الإدارة السابقة. وبرزت ثغرات ونواقص مهمّة. فقد كان التركيز في الخطاب على سياسة خارجية تقودها قيمٌ تقف فيها الولايات المتحدة إلى جانب حلفائها في السرّاء والضرّاء، لكن بدا غيابٌ ملحوظ لالتزام الولايات المتحدة الطويل الأمد بفرض الاستقرار وإعادة الإعمار، أو بالمقابل، لردّ فعلٍ استراتيجي وفعّال وشامل على الصراع والاضطراب من أجل الحرص على عدم ملء أعداء الولايات المتحدة الفراغات الناتجةَ. وبعد أسابيع فقط على إعلان ترامب عن الانسحاب السريع من سوريا، تاركاً حلفاءه وراءه معلّقين، لم يَظهر ما يكفي من الضمانات حول كيفية اعتزام الولايات المتحدة المتابعة من أجل وقف عودة بروز تنظيم داعش واحتواء التوسّع الإيراني.

لقد ورثت الإدارة الحالية سياسةً خارجية فوضوية، سياسةً لم تكن مثالية بأيّ شكل من الأشكال ويمكن القول إنّها مسؤولة عن الكارثة في سوريا. لكن منذ أن استلم ترامب الرئاسة، خسرت الولايات المتحدة المزيد من النفوذ في العراق وسوريا أمام إيران وأبعدت حلفاءها وعجزت عن استعادة علاقتها مع الحلفاء الإقليميين المهمّين مثل تركيا. وباستثناء التناسق والتوافق الأكبرين بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، من الممكن ألّا تصدّق الكثير من البلدان الإقليمية، الحليفة والمعادية، خطاب بومبيو.

شادي حميد (@shadihamid)، زميل أوّل في مركز سياسات الشرق الأوسط: لقد شكّل هذ الخطاب تعزيزاً لسياسة الرئيس ترامب في الشرق الأوسط التي تضع “الدكتاتوريين أوّلاً”. فلم يتضمّن خطاب بومبيو أيّ ملاحظات تقريباً لأيّ متأمّلٍ بمجرد ذِكرٍ للديمقراطية كهدف أو طموح أمريكي. في هذا الإطار، شكّل خطاب بومبيو نقضاً لإدارة جورج بوش بقدر ما كان لإدارة أوباما. فقد أعلنت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس التابعة لإدارة بوش في خطابها في القاهرة في العام 2005، قائلةً: “لمدّة 60 عاماً، سعت بلادي، الولايات المتحدة، إلى تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، لكنّنا لم نحقّق أيّاَ منهما. لذلك، سنتّخذ اليوم مساراً مختلفاً”.

وقد تخلّل نسخةَ بومبيو من “البدايات الجديدة” عددٌ من اللحظات التي تدعو إلى التأسّف والعديمة الإحساس، مثلما عندما ذكر قائلاً: “لقد أدّى توقنا إلى مخاطبة المسلمين فحسب، لا الأمم، إلى تجاهل التنوّع الغني في الشرق الأوسط وإضعاف الروابط القديمة”. لكن لعلّ تلك اللحظات لم تكن عديمة الإحساس على الإطلاق، بل موجّهة إلى حضور أصغر بكثير من الحضور الذي حاول أوباما التوجّه إليه في العام 2009 – القادة الاستبداديين في الشرق الوسط بدل شعوبه. وأيضاً: الولايات المتحدة ليست “قوّةً للخير” في الشرق الأوسط ولم تكن يوماً بشكل عام، لا بل غالباً ما كانت عكس ذلك – حاجز بارز وعنيد في وجه تقدّم المنطقة وتنميتها ودمقرطتها. وشكّل هذا الخطاب تذكيراً بالسبب.

أريك روساند (@RosandEric)، زميل أوّل غير مقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط: ركّزت معظم ردود الفعل الأوّلية إزاء ملاحظات بومبيو على المقارنات بخطاب أوباما في القاهرة في العام 2009 أو دور الولايات المتحدة في المنطقة، وهذا ليس بمستهجن. غير أنّ الخطاب يشكّل أيضاً تذكيراً صريحاً ببعض العناصر الضالّة في مقاربة إدارة ترامب لمعالجة التهديدات الإرهابية الحقيقية للغاية في المنطقة، وهي مقاربة تقودها على ما يبدو سياسات وافتراضات بدل الوقائع. وينتهج بومبيو، على غرار رئيسه، نظرة تبسيطية جداً مفادها أنّ الأيديولوجية “الإسلاموية الراديكالية” “المنحرفة” هي أساس العنف الجهادي في الشرق الأوسط وبأنّ المشكلة قد تُحلّ إذا “ندّد” بها المزيدُ من القادة السياسيين والدينيين، كما فعل الرئيس المصري السيسي. ولا يبالغ ذلك بنفوذ هؤلاء القادة في المجتمعات الأكثر تعرّضاً للدعاية الإرهابية فحسب، بل يتجاهل أيضاً دورَ بعض البلدان في المنطقة بنشر هذه الأيديولوجية (حتى عند التنديد بها في الوقت عينه) والأدلّة على حدّ سواء.

فتُظهر البيانات حول الدافع الداعم للإرهاب والتطرّف العنيف أنّ الدعم لهذا العنف يرتبط بشكل وثيق بانتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من الأعمال العنيفة التي ترتكبها الدول بحقّ شعوبها كجزء من عملية مكافحة الإرهاب، أو باسم هذه العملية. ولربّما لم يبدُ ذلك واضحاً في أيّ مكان أكثر من مصر، حيث تلجأ السلطات بشكل متزايد إلى مكافحة الإرهاب وقوانين حالة الطوارئ ومحاكمها من أجل محاكمة الصحافيين والناشطين والنقّاد عن غير عدل بسبب انتقادهم السلمي. ويُفضي هذا السلوك إلى شكاوى جدّية ضدّ الدولة وقوّاتها الأمنية ويزيد من راديكالية المجتمعات المهمَّشة تاريخياً ويضعف الصمود المجتمعي في وجه التطرّف العنيف الذي تدعو استراتيجية الرئيس ترامب المعادية للإرهاب إلى تقويته. وفي العام 2019، سيسلّط قادة معظم الديمقراطيات (باستثناء الرئيس ترامب وفريقه) على أهمّية معالجة الشكاوى المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان ومشاعر العزل والتهميش عند مناقشة الطريقة الآيلة إلى تقليص التهديد الذي يشكّله الإرهاب. لكنّني على يقين بأنّ الرئيس السيسي وغيره من القادة الاستبداديين الذين يواجهون التهديدات الإرهابية – وفي بعض الحالات يزيدون من حدّتها من خلال ردّ فعلهم المفرط – سيتابعون باللحاق بكلّ سرور مسار فريق ترامب.

عمر حسن عبد الرحمن (@omarrahman)، زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة: لقد استعمل وزير الخارجية بومبيو المنصّة في القاهرة ليقدّم عظة افتقرت إلى رؤية واضحة حول فضائل سياستَي الاستثناء والتدخّل الأمريكيتين. وكانت لغته خالية من الأحاسيس وبدت على الأرجح متعالية لجمهورٍ شرق أوسطي. وبشكل يلائم حجته، خلا خطابه من أيّ ذكر للبليّة الكارثية التي شكّلها الغزو الأمريكي للعراق، عِلماً أنّه كان واحداً من الأسباب الرئيسية للمشاكل التي تصيب الشرق الأوسط والتي تحسّر بومبيو عليها شديد التحسّر. عوضاً عن ذلك، ألقى اللوم لويلات الشرق الأوسط على الرئيس السابق باراك أوباما الذي توجّه بخطاب للعالم العربي من المدينة ذاتها منذ عقد من الزمن. وتمحورت كلمات أوباما حول “بداية جديدة” في العلاقات الأمريكية والدول المسلمة بعد قرابة عقد من الحرب على الإرهاب وبعد سبع سنوات من الحرب في العراق. وأكّد بومبيو بشكلٍ أساسي أنّ التدخّل الأمريكي في المنطقة كان جيّداً لأنّ الولايات المتحدة جهة فاعلة خيّرة وغير قادرة على إحداث الأذى، إلا عندما تقف على الحياد. وبدل أن يطمئن بومبيو شركاء أمريكا العرب، افتقرت فكرة الولايات المتحدة “المتجددة النشاط” في ظلّ الرئيس ترامب والتي حاول طرحها، إلى أيّ تأثير بعد أسابيع فقط على إعلام الرئيس الأمريكي انسحاباً وشيكاً للجنود من سوريا، قائلاً إن إيران “يمكنها أن تفعل ما تشاء” في البلاد. وقال بومبيو أيضاً إنّ وعود أمريكا لحلفائها بات لها معنى من جديد في عهد ترامب، وذلك بعد أشهر فقط من الانسحاب من اتفاقية متعدّدة الأطراف حول السلاح النووي مع إيران وأولئك الحلفاء عينهم.

يبدو أنّ كلمات بومبيو تعكس أفكاره الصقورية الخاصة حول السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة – وأفكار جون بولتون أيضاً – عوضاً عن عكس أفكار رئيسه الذي لا يمكن العثور على أيّ لمحة من انعزاليته الشعبوية في هذا الخطاب. ومع تلهّي ترامب على الأرجح بحرب سياسية شرسة مع الديمقراطيين في الكونغرس في العام 2019، لعلّه يجدر النظر إلى هذا الخطاب كإعلان نية من وزير خارجية منشقّ.

 

Authors