Commentary

هل لا يزال بمقدور الولايات المتحدة الاعتماد على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي؟

Iraq's Prime Minister Haider al-Abadi speaks during a ceremony in Najaf, Iraq January 7, 2018. REUTERS/Alaa Al-Marjani - RC14AC3641E0

يُعتبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في بعض الأوساط رجلَ واشنطن في بغداد. فهو عراقيٌ قومي يستطيع أن يصالح بين المجتمعات الدينية والإثنية العراقية بعد الانتصارات التي حققها ضد تنظيم داعش، وهو أيضاً رئيسُ وزراء بإمكان الولايات المتحدة أن تعمل معه لمواجهة نفوذ إيران في البلاد، وقائدٌ يُمثّل تغييراً مرحّباً به بعد السلطوية والطائفية اللتَين اتّسم بهما رئيس الوزراء السابق المثير للجدل نوري المالكي.

وقد بدا أيضاً أنّ العبادي، بصفته عضواً رفيع المستوى في الطبقة السياسية الشيعية العراقية الحاكمة وفي حزب الدعوة الإسلامية الحاكم، قد يتمكّن من رأب الصدع في العلاقات مع العالم العربي بعد سلسلة من المفاتحات مع حلفاء مهمّين لأمريكا في الخليج قلقين حيال الهيمنة الإيرانية في العراق. وكانت الولايات المتحدة مقتنعة جداً بالعبادي لدرجة أنّها رضخت لهجومه العسكري المثير للجدل على كركوك ضدّ الأكراد في أكتوبر 2017 الذي ضمّ مزيجاً من قوّات أمنية عراقية وميليشيات متحالفة مع إيران. ولقاء ذلك، دفعت العلاقات الكردية الأمريكية ثمناً باهظاً (باعتبار أنّ رجلاً قومياً قوياً كالعبادي سيتمكّن من نيل أصوات الناخبين ومن تهميش وكلاء إيران).

غير أنّ هذه الاعتقادات، شأنها شأن الآمال (غير الواقعية) بأن يتمكّن العبادي من إعادة بناء العراق وتوحيد كلّ الأطراف في البلاد، قابلها واقعٌ جديدٌ يوم الإثنين. فقد أعلن تحالفه أنّه سينضمّ إلى الميليشيات المتحالفة مع إيران التي تترأّس قوّات الحشد الشعبي، الميليشيا الشيعية الرئيسية التي تأسّست في العام 2014 لملء الفراغ الذي خلّفه انهيار القوات المسلّحة العراقية حينما سيطر تنظيم داعش على الموصل.

وبعد يومٍ واحد فقط، انسحبت الميليشياتُ المتحالفة مع إيران والمشارِكة في الانتخابات تحت اسم كتلة الفاتح من التحالف الانتخابي. ولم يكن السبب دافعاً مبدئياً بل اختلافات في المشاركة والاستراتيجية الانتخابية (إذ لم تتوافر مقاعد كافية لتوزّع عليها)، لا بل لمّح هادي العامري، زعيم منظّمة بدر، الميليشيا الأقوى في العراق التي أسّستها إيران في الثمانينيات والتي تسيطر على وزارة الداخلية، أنّ الميليشيات قد توحّد قواها بعد الانتخابات لتشكيل حكومة.

وفيما أنّ العبادي وميليشيات قوّات الحشد الشعبي المتحالفة مع إيران قد لا يشاركون في الانتخابات ككتلة واحدة، تبقى العبرة من الموضوع: تخسر واشنطن حالياً بسرعة أصدقاء وحلفاء يمكن الاعتماد عليهم في بلاد استثمرت فيها الكثير من المال والدم لدرجة أنّه لا يجوز لها ألّا تأخذ بعين الاعتبار دروسَ الماضي.

وليست المجموعات الوكيلة لإيران التي سعى العبادي إلى التحالف معها (والتي قد يتحالف معها بعد الانتخابات لتشكيل الحكومة) صديقة للولايات المتحدة. فثلاثٌ منها على الأقلّ جهاتٌ وكيلة مباشرة لإيران تأسّست بعد العام 2003 على أنقاض الاضطراب والحرب الأهلية الطائفية اللذَين تليا انهيار نظام حزب البعث. وقد شاركت هذه المجموعات (عصائب أهل الحقّ وكتائب حزب الله وحركة النجباء) في تنفيذ هجمات طائفية وغيرها من الانتهاكات لحقوق الإنسان، وهاجم محاربوها المدنيّين والموظّفين الأمريكيين والعراقيين على حدّ سواء. بالإضافة إلى ذلك، حاربت هذه المجموعات في سوريا إلى جانب نظام بشّار الأسد.

لقد حصلت قوّات الحشد الشعبي، التي تهيمن عليها هذه المجموعات ومنظّمة بدر، على دعم شعبي في العراق. وقد عزا إليها ملايينٌ من الشيعة العراقيين إخراجَ داعش من العراق، وستُترجَم هذه الشعبية من دون شكّ إلى مكاسب سياسية في الانتخابات القادمة.

ومن خلال التحالف مع هذه القوى والعمل معها، سيتمكّن العبادي من تجديد ولايته بالتأكيد، لكنْ لقاء أيّ ثمن؟ لقد تمكّنت ميليشيات غير منظّمة أسّستها إيران بعد العام 2003 لكي تستغلّ الفوضى من التحوّل بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، فتطوّرت لتصبح مجموعات مسلّحة قوية ذات تفاعلات وتداخلات مهمّة مع الدولة والمجتمع. وقد تحوّل حتّى تنظيم عصائب أهل الحقّ، الذي اشتهر بتسلّله إلى مركز عسكري أمريكي في كربلاء، ليغدو حركة ثقافية اجتماعية لها مكاتب في مختلف أنحاء بغداد والجنوب الشيعي.

وما دامت هذه المجموعات تترأّس قوّات الحشد الشعبي (التي أصبحت مُمأسَسة في الدولة العراقية في العام 2016)، فهي تتمتّع بموارد مالية مهمّة وشرعية ودعم سياسي، مع المحافظة على قدرة العمل بصورة مستقلة وتحدّي الدولة العراقية عسكرياً إذا دعت الحاجة. لذا من الناحية العملية، رفع العبادي أكثر من شأن هذه المجموعات. وقد اندمج تنظيم بدر في النظام السياسي الذي تشكّل بعد العام 2003 وسيطر على وزارة الداخلية لأنّه كان الجناح العسكري السابق لحزب إسلامي شيعي مهمّ (المجلس الأعلى الإسلامي العراقي).

وفيما شكّل هذا التحوّل من ميليشيا إلى عناصر في الدولة استثناءً، من المرجّح أن تتّبع ميليشيات شيعية تأسّست منذ فترة ليست ببعيدة المسارَ عينه. ويعود السبب أوّلاً إلى شعبيّتها في خلال الحرب، ويعود السبب أيضاً، وهذا الأهمّ، إلى انضمامها إلى الأحزاب والحركات العريقة مثل حزب الدعوة الإسلامية الذي يرأسه العبادي. فقد يساعدها هذا الحزب على التخلّص من سُمعتها الرديئة الملطّخة بالدماء. إذ تقدّم الشرعيةٌ المتزايدة لهذه الميليشيات المتحالفة مع إيران قدرةً أكبر على التأثير في الدولة والمؤسّسات أو السيطرة عليها واستخدام شرعية الدولة ومواردها سلاحاً لها.

وقد سبق أن رسّخت الميليشيات الشيعية المتحالفة مع إيران نفسها كنسخة عراقية عن حزب الله في لبنان (الذي أيضاً أسّسته إيران في ثمانينيات القرن العشرين)، أي أنّها غَدت حركات ثقافية اجتماعية ذات ذراع رعاية اجتماعية وعسكرية تعمل بصورة مستقلّة عن الدولة. وعلى الرغم من أنّ ذلك قد يُعتبر بعيد المنال، فقد يسمح تعاظمُ النفوذ السياسي واندماج أكبر في الدولة لهذه الميليشيات في نهاية المطاف بتأسيس نسختها الخاصة من الحرس الثوري.

والحقّ يُقال، لولا التشارك مع قوّات الحشد الشعبي بشكل أو بآخر، لكانت المجموعات الوكيلة لإيران أحبطت جهود العبادي في تجديد ولايته، ولربما اختارها أيضاً منافسوه الشيعيون. غير أنّ هذا التصرّف يدلّ على انعدام بُعدِ النظر والذكاء. فقد أظهرت الجهات الغربية غباءً في اعتقادها أنّه كان من الممكن تهميش السُنّة العرب والأكراد أو وتجاهلهم أو التقليل من شأنهم، والمراهنة على احتمال أن يتمكّن العبادي منفرداً من مواجهة بروز قوّات الحشد الشعبي السريع والمفاجئ في حال حافظ على منصبه كرئيس للوزراء (المنصب الأكثر نفوذاً في البلاد) وعزّز سمعته الوطنية.

وقد كان في وسع الولايات المتحدة أن تعمل على تقريب العبادي أكثر من الأكراد والسُنّة بالإضافة إلى الفصائل الشيعية الأخرى التي لا ترغب في رؤية العراق يقع أكثر في مدار إيران و/أو أن يُفسَح حتّى في المجال للعبادي لأن يتحالف مع رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر. بدلاً من ذلك، كان حرياً بواشنطن أن تبني على ما في جعبتها أصلاً: يد كردية وسُنّية عربية قوية في بغداد. غير أنّ هذه اليد ضعفت حينما وافقت الولايات المتحدة على هجوم العبادي على كركوك في أكتوبر الماضي، وهو تصرّف سمح للجهات الوكيلة لإيران بأن تملأ الفراغ الناجم عن ذلك في تلك المنطقة الغنية بالنفط وغيرها من الأراضي المتنازع عليها وبأن تعزّز نفوذها أكثر.

وتدفع واشنطن حالياً ثمن هذا التصرّف وستندم أكثر على سوء حساباتها في الفترة المقبلة. فقد استلم العبادي منصبه من دون قاعدة سياسية وشعبية كبيرة، ومن الواضح أنّه لا يزال يخشى هذه العيوب. غير أنّ تفضيله الخيار السهل، بدل إنشائه تحالفات تعدّدية صعبة كان من الممكن أن تطوي صفحةً في تاريخ العراق السياسي، قد قوّضَ أيّ آمال في بناء عراقٍ شاملٍ في مرحلة ما بعد داعش، بالإضافة إلى تقويضه بعضاً من استثمارات الولايات المتحدة وحلفائها فيه وفي العراق في خلال السنوات الثلاث الماضية.