Commentary

كيف يعزّز كلٌّ منا رواية “الإسلام ضد الغرب”

Abdelmajid Jondy listens as U.S. Democratic presidential candidate and U.S. Senator Bernie Sanders speaks at a community forum about contaminated water in Flint, Michigan February 25, 2016. REUTERS/Brian Snyder

“أسلوب حياتنا مهددٌ من قبل الإسلام الراديكالي وهيلاري كلينتون لا يمكنها حتى أن تلفظ هذه العبارة “. هكذا غرّد دونالد ترامب بعد الخطاب الذي ألقته كلينتون خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي يوم الخميس الماضي. ما من فرق حقيقةً بين خطابه وخطاب تنظيم الدولة الاسلامية في بلاد الشام (داعش) في هذا الصدد: كلاهما يقول إنّ هناك حرب مستعرة بين الإسلام والغرب.

صحيح أن داعش تقول إنها تريد تدمير الغرب وقتل “الكفار”، لكن دعونا لا ننسى كيف يتصرّف هذا التنظيم. في 23 يوليو قتل التنظيم على الأقل 80 شيعياً يحتجون في كابول. وفي 2 يوليو، خلال شهر رمضان، قتل التنظيم أيضاً حوالي 300 شخص في بغداد كانوا يتسوقون ويستمتعون بساعات ما بعد الإفطار، وكان من بينهم أطفال ونساء.

لا تستهدف المجموعات الجهادية – مثل داعش وحركة طالبان – أهدافاً غربية أو أسلوب الحياة الغربية فحسب، بل تقصف المدارس والأسواق والمساجد في البلدان الإسلامية أيضاً. بيد أنّ هذه الحقيقة هي مصدر إزعاج للمرشح الجمهوري للرئاسة. إذ إنه يستخدم الحرب التي تخاض بعيداً عن سياقها. فهو لا يذكر أبداً أن غالبية ضحايا ما يسميه “الإرهاب الإسلامي” في جميع أنحاء العالم هم من المسلمين. وبدلاً من ذلك، يقول إنّ جميع المسلمين متواطئون في خلق الإرهاب.

نحن نعلم أنه مخطئٌ، ونعلم أن المجموعات المسلحة تشوّه صورة الإسلام لتبرير سعيهم العنيف للسلطة. وأولئك الذين ينضموا إلى المجموعات المسلحة أو يبايعونها هم أفراد مضطربين نفسياً، وهم لا يمثّلون بأي شكلٍ من الأشكال جميع المسلمين أو المهاجرين أو اللاجئين الذين يأتون إلى الغرب. نحن نعلم كل ذلك ولكننا لا نقول ذلك بما فيه الكفاية.

إنّ المزيد من الارهاب في الغرب يزيد من شعبية ترامب ليس إلا. كما وأنّ هذا الدعم لترامب – والكراهية والسموم التي يبثّها ضد المسلمين في تجمعاته – ينفّر “المنطقة الرمادية”: أي المسلمون في الغرب الذين استقروا وثبتوا أنفسهم. إن هدف داعش هو القضاء على هذه المنطقة الرمادية، وترامب هو من يقوم بذلك بالنيابة عن التنظيم.

حتى هذا الأسبوع، عندما أثار ترامب غضباً سياسياً وشعبياً بعد أن أهان خازر وغزالة خان – والدا الكابتن همايون الذي خدم في الجيش الأمريكي وقُتل في العراق في العام 2004 –، شهدنا استجابة صامتة لتشويهه لسمعة الإسلام والمسلمين. ولكن، كما قال بيتر بينارت، لم يكن الأمر يتطلّب إهانة ترامب لوالدي الجندي المقتول لكي يقوموا ضد كرهه للإسلام أو الإسلاموفوبيا – بل كان ينبغي على الأمريكيين، شعباً وساسة، أن يعبّروا عن سخطهم قبل ذلك بكثير.

ينبغي ألا تنزلق إلى الشعور بالرضا بالوضع القائم مجدداً. ليس بالضرورة أن يكون مسلماً أمريكياً قد قدّم التضحية الكبرى – أو أي تضحية – لأمريكا لكي نغضب إذا أهانه أو أهانها دونالد ترامب. علينا جميعاً أن نعيّر ترامب بشكل لا لبس فيه – ويمكننا أن نفعل ذلك بشكل واضح يفصل بين المسلمين الأمريكيين العاديين والإرهابيين. يمكننا أن ندعمهم من دون أن نضع لهم معايير أعلى أو نجبرهم على اثبات أنهم يستحقون حقوهم. لم يكن ينبغي أن يكون خازر من بين أول الأشخاص الذين عبّروا عن هذه الحالة بقوة، كما فعل في خطابه خلال حفل المؤتمر الوطني الديمقراطي. كان ذلك مسؤولية السياسيين من كلا الطرفين، ومسؤولية المواطنين العاديين على حد سواء. الأرقام في صالحنا: دعونا نستخدمها.

تأدية دورنا

لكلٍّ منا دورٌ مهم يؤديه، في كيفية ردنا على الارهاب.

عندما يضرب الإرهاب في أمريكا أو أوروبا – مع تواتر حدوث ذلك ينذر بالخطر مؤخراً – نجد أنفسنا مصدومين. بكى العالم باريس نوفمبر الماضي عن الأرواح التي فُقدت والمدينة التي فُجعت. ورثينا لحال أورلاندو في يونيو. أما في المقابل، لم يرف للعالم جفناً على بغداد وكابول في يوليو. وكأنّ الهجمات في بيشاور وكويته أصبحت متشابهة. لأننا نتوقّع حدوثها، أصبحت هذه الهجمات مجرّد أرقام.

هذا أمر طبيعي إلى حد ما. فنحن نعرف مدناً في الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان فقط كمدن مزّقتها الحروب، كما أننا نعتقد أن الناس هناك يدركون المخاطر التي تواجههم. ونحن أكثر تعلّقاً بحيث كنا وبما رأينا.

نحن نعبّر عن سخطنا على مواقع التواصل الاجتماعي إزاء هجمات معيّنة أكثر من غيرها. صحيح أن هناك استثناءات، كالهجمات التي تصدم الناس في جميع أنحاء العالم – مثل الهجوم على مدرسة بيشاور، باكستان في ديسمبر 2014 والذي راح ضحيته أكثر من 130 طالب – ولكن على وجه العموم، إن تفاعل العالم مع هجوم في فرنسا يكون أقوى من تفاعله مع هجوم في باكستان. وهذا ما يجعل الكثير من المسلمين يشعرون بأن حياتهم قيمتها أقل للعالم. وبالتالي، فإنّ استجاباتنا الانتقائية، رغم أنها غير مقصودة، تخلق فجوة بين المسلمين والغرب، وبذلك نحن نكون لعبة في يد داعش والجماعات الجهادية الأخرى.

تجعل وسائل الإعلام الأمور أسوأ بسبب التقارير التي تتناقلها حول الإرهاب. إذ تركز أكثر على الهجومات التي يتعرض لها الغرب، بسبب اللوجستيات بعض الشيء. نتيجة لذلك، يتم إحصاء ضحايا الإرهاب بشكل أوضح حين تكون أوروبا أو أمريكا هدفاً له. ويبقى معظم الضحايا المسلمين مُغيّبين. إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الاستثناءات: فقد تابعت صحيفة ذا نيويورك تايمز مؤخراً وسردت قصص 247 ضحية من ضحايا الهجمات الإرهابية حول العالم على مدى أسبوعين من شهر مارس، بما في ذلك هجمات لاهور وبيشاور واسطنبول وبروكسل.

وهناك أيضاً انحياز في الطريقة التي يتعمدها الإعلام لعرض الهجمات. إذا كان المعتدي مسلماً أو أسمر البشرة، فتُكشف معلوماته وتفاصيله على الفور، وتأخذ العملية طابع الإرهاب فوراً – حتى قبل صدور أي معلومات تؤكّد التطرف. ونحن حتى الآن لم نفهم الأسباب التي دفعت عمر متين إلى استهداف نادٍ ليلي للمثليين في أورلاندو– هل كان متطرفاً حقاً أم مضطرب عقلياً؟ – إلا أن الاتهام العام كان قد صدر قبل المباشرة بالتحقيقات.

وإذا كان منفذ الهجوم غير مسلمٍ أو أبيض، يُصنف الهجوم خارج خانة الإرهاب ويُعتبر المنفذ كذئب منفرد. يكون تداول المعلومات في وسائل الإعلام أكثر حذراً ومدروساً، حتى بالنسبة للمتطرفين من اليمين الذين يستخدمون الهجمات لإيصال رسائل أوسع. لنأخذ على سبيل المثال توماس مير الذي قتل جو كوس، النائبة عن حزب العمال البريطاني قبل أسبوع من الاستفتاء البريطاني بشأن عضوية المملكة في الاتحاد الأوروبي. لم يُصنف الهجوم بالإرهابي على الإطلاق. كما شدد الإعلام على مرضه العقلي، رغم أنه صرخ “الموت للخونة، الحرية لبريطانيا” أثناء جلسة الاستماع قبل المحاكمة. كذلك، تميل اللغة التي تُستخدم لوصف هذه الهجمات إلى السلبية فقد، عنونت إحدى الصحف “مقتل النائبة عن حزب العمال جو كوس بعد تعرضها لإطلاق نار وطعن”، وكأن بهذا العنوان لا يريد للقارئ أن يتصور القاتل. صحيحٌ أنّ ثمّة اعترافاً متزايداً بأنّه من الصعب التمييز بين الهجمات الإرهابية وهجمات الذئاب المنفردة، إلا أنّ التفاصيل غالباً ما تضيع بين العناوين.

يمكننا تغيير كل هذا. يمكننا أن نخفف ردودنا على الإرهاب وأن نحزن لجميع الأرواح التي فقدت. كما يمكن لوسائل الإعلام أن تعترف بانحيازها وأن تتعهّد بان تقوم بتغطية الهجمات بإنصاف أكثر. وهنا، يمكننا أن نتطلّع إلى ألمانيا وأن نتعلّم من ردود فعلها على الهجمات بنضجٍ يستحقّ الثناء – بدءاً من السياسيين مروراً إلى وسائل الإعلام ووصولاً إلى المواطنين العاديين – حيث تحلّل بدقة الدوافع المختلفة وراء الهجمات التي طالتها مؤخراً.

هذا كله يعطي داعش دعاية أقل تستخدمها لتجنيد المحاربين، ونكون بالتالي كلنا مستفيدين.