Commentary

سجل أوباما الحكيم في السياسة الخارجية

قدّم الرئيس باراك أوباما، الذي شارفت سنته الرئاسية الأخيرة على النهاية، مراجعة صريحة ومؤثرة على نحو مفاجئ لسجلّ سياسته الخارجية في مقابلة أجراها معه جيفري غولدبيرغ لمجلة ذي أتلنتك.      

خرج النقاش بالعديد من النقاط المهمة، منها النقد الذي وجهّه أوباما للحلفاء الأوروبيين ولفشلهم في إنهاء ما بدأوه بشأن الصراع في ليبيا. لكن العنصر الرئيس الذي ركز عليه في الحوار كان توبيخه لكثير من منتقدي سياسته الخارجية. إذ اشتكى من أنّ الكثيرين في هذه “المؤسسة”  يؤمنون أن السياسة الخارجية تتطلب استخداماً متكرراً ومفرطاً للقوة في وجه كل أزمة لا ترضى عنها الولايات المتحدة الأمريكية. وبدلاً من ذلك، دعا أوباما إلى اتباع نهج أكثر تحفظاً وانتقائية واستراتيجية في استخدام القوة العسكرية الأمريكية.

تحقيق الهدف؟

أعتقد أنّ الرئيس محقٌ في عدة نواحٍ. كما كتبت سابقاً، ثبت أن أهداف أوباما الأصيلة والنبيلة للرئاسة هي أهداف بعيدة المنال بشكل عام. قد لا يكون أوباما قادراً أن يضم إلى إرثه السياسي شفاء الكوكب أو تخليص الأرض من الأسلحة النووية أو إيقاف ارتفاع منسوب المحيطات.

لكن، في الواقع، هناك استراتيجية حتى وإن كانت في الغالب ضمنية غير صريحة، وحتى لو لم ترقَ إلى تطلعات الرئيس بما يرغب أن يقوله الكتاب والمؤرخون عن ولايتيه الرئاسيتين. هذه الاستراتيجية بسيطة لكنها مهمة. فأوباما يحاول أن يكون استراتيجياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى- من حيث تحديد الأولويات والتمسّك بها، حتى وإن جعله ذلك يبدو غير مهتم أو متردد في الاستجابة لبعض أنواع الأزمات أو التحديّات. لكنه أظهر أنه على استعداد لتوظيف قدر كبير من القوة عند اقتناعه بأنه لا يوجد بديل آخر.  فلنتأمل بعض القضايا التي يبدو أنها لم تغب عن ذهن الرئيس في حواره مع غولدبيرغ:

سوريا. لم يستخدم أوباما القوة ضد سوريا بعد انتهاك الرئيس بشار الأسد “خطه الأحمر” واستخدامه للأسلحة الكيميائية. هنا أميل للاتفاق مع الرئيس؛ فالنقطة المهمة هي أن الأسد اضطر للتخلي عن كل (أو تقريباً كل) ترسانته. لا شك أنه من الأفضل تحقيق ذلك دون ضربات عسكرية أمريكية على مستودعات الأسلحة الكيميائية (سأعود لمناقشة المزيد عن سوريا بعد لحظات).

روسيا. لم يستخدم أوباما القوة ضد ڤلاديمير بوتين في أوكرانيا. الرئيس على حق: فأوكرانيا ليست حليفاً لأمريكا، ورهانات روسيا في مستقبل أوكرانيا أكبر من رهانات أمريكا. لذا، فإن الرد الاقتصادي هو الأداة السياسية الفضلى هنا أيضاً.

الصين. بقي أوباما حازماً، لكن متحفظاً تجاه الصين في بحر الصين الجنوبي. وقد استغرق وقتاً أطول مما يحبّذ البعض قبل تنفيذه لتدريبات على حرية الملاحة رداً على مزاعم الصين المتزايدة. لكن منهج أوباما البعيد عن الدراما كان صحيحاً، إذ لم يترك مجالاً للشك بأن أمريكا متمسكة بحريّة هذه الممرات المائية الدولية.

أفغانستان. صعّب أوباما هذه المسألة أكثر من اللازم، ولم يمنح حتى الآن القوات الأمريكية الصلاحيات الكافية لمهاجمة حركة طالبان. كما أن الحضور العسكري الأمريكي هناك ضئيل جداً. لكن أوباما خلُص في نهاية المطاف وبشكل صحيح إلى أن أمريكا يجب أن تحافظ على التزاماتها بعد انتهاء فترته الرئاسية.   

إيران. لا شك أن: وضع خطة عمل مشتركة شاملة هو أفضل من الصراع العسكري مع إيران، حتى بالنسبة للبعض منا الذين يعتقدون أنه كان بالإمكان إجراء المفاوضات مع فرض شروط أقسى وأفضل.

العراق. نعم لقد سحب أوباما القوات الأمريكية قبل الأوان – لكنه كان مستعداً للعودة في العام 2014 عندما تدهورت الأوضاع.

ليبيا. لقد أخفقنا في ليبيا وانسحبنا قبل الأوان بعد الإطاحة بمعمر القذافي. أوباما محقّ في أنه كان على الحلفاء الأوروبيين فعل المزيد، لكنه مخطىء في اعتقاده أنهم قادرون على استيعاب هذا الأمر بمفردهم في المقام الأول. إذا أردنا أن نقيّم رؤيته (في مقابل سجلّه الفعلي)، نجد أن أوباما كان صادقاً وعادلاً وأنه اعترف بخطئه على الأقل – رغم أنه لم يجد للأسف طريقة لتصحيح الوضع السياسي بشكل جدّي منذ العام 2011.

.هذه القضايا تُضاف إلى سجل رئاسي بعيداً كل البعد عن المثالية، لكنها تقدّم سياسة خارجية أكثر مصداقية بكثير مما يزعم المنتقدون. علماً بأن أوباما تفادى التصعيد في عدد من المشاكل والأخطاء التي كان من الممكن أن يقع فيها رئيس أقل تعقلاً.

أخيراً، وبالعودة إلى الشأن السوري: في المحصلة نجد أن أوباما أخطأ في سوريا أكثر مما أصاب. نعم، لقد حقق نجاحاً متواضعاً في التخلص من الأسلحة الكيميائية، لكن الحرب في سوريا مروّعة. كما وأنّ سياسة عدم التدخّل في سوريا لم تكن أفضل من سياسة التدخل التي اعتمدها الرئيس جورج دبليو بوش في العراق (حتى ولو كلّفت خسائر أقل بالأرواح ). والأسوأ من ذلك، يبدو أن أوباما يحاول أن يبرّر سياساته في سوريا بالتذرّع بإخفاق السياسة الأمريكية في العراق – وكأن غزو العراق واتلاله  في العام 2003 كانا البديل الوحيد لنهجه المعتدل الإصلاحي. كان من الممكن تطبيق نهج أخرى تتضمن استخدام قوة أكثر مما هو مستخدم حالياً، وأقل مما استُخدم في العراق أو أفغانستان. يواصل أوباما رفضه النظر إلى هذه المنهجيات بجدية مراهناً في كل شيء على العملية الدبلوماسية، التي هي بديل من نواحٍ عديدة للسياسة الحقيقية.

إذاً، وكما هو الحال مع أية ولاية رئاسية، لا يزال هناك المزيد من العمل للقيام به، وكما هو الحال مع أي رئيس لا يوجد سجلّ رئاسي يقتصر فقط على إنجازات منهجية لا تشوبها شائبة. لكنني أعطي أوباما علامة مقبولة لتأنّيه وتفكيره الاستراتيجي. لقد كان قائداً بارعاً ومن المحتمل أن نتوق إلى اتزانه وتعقله كثيراً في يوم من الأيام.