Commentary

أزمة مجلس التعاون الخليجي: ما السبيل لرأب الصدع الدبلوماسي؟

Saudi Deputy Crown Prince Mohammed bin Salman (R) attends a meeting between Emir of Kuwait Sabah Al-Ahmad Al-Jaber Al-Sabah and Saudi Arabia's King Salman bin Abdulaziz Al Saud in Jeddah, Saudi Arabia, June 6, 2017. Bandar Algaloud/Courtesy of Saudi Royal Court/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. FOR EDITORIAL USE ONLY. - RTX39C4I

يوم الخميس 5 يونيو، قطعت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر العلاقات مع دولة قطر، مدّعية أنّ سياسات الدوحة الإقليمية تغذي التطرف والإرهاب. وفي غضون أيام قطعت دول أخرى علاقاتها مع قطر أو حدّت منها، فبدا أنّ الفجوة تتسع بين دول المنطقة.

قبل أسبوع، ثار الإعلام الخليجي – بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي – على أثر تقارير أفادت أنّ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد انتقد الولايات المتحدة في أحد خطاباته، كما وأنّه قدّم الدعم لإيران وساند حركة حماس والإخوان المسلمين. وقد نفى مسؤولون قطريون صحّة هذه التقارير وقالوا إنّ وكالة الأنباء القطرية قد تعرّضت للاختراق. ومع تحوّل هذه الأزمة سريعاً إلى انشقاق بين قطر من جهة ودول الخليج والدول العربية المجاورة من جهة أخرى، باتت الحاجة ملحّة إلى وساطة جدّية لتفادي المزيد من المشاكل. 

تكرار أزمة 2014؟

على غرار غيرها من المنظمات الإقليمية، نالت منظمة التعاون الخليجي نصيبها من الانقسامات والخلافات. فقد سبق أن شهدت خلافات حول ترسيم الحدود، واستغلال الطاقة ومقاربات السياسة الخارجية. إلا أن الأزمة الراهنة تُعد حتى الآن الأسوأ والأكثر تهديداً للنواحي السياسية والأمنية والاقتصادية. ففي العام 2014، حدث خلاف دبلوماسي بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى. كما هو الحال بالنسبة للخلاف الحالي، قامت أزمة 2014 أيضاً على اتهامات بشأن السياسة الخارجية القطرية، وصدر بيان عن منظمة التعاون الخليجي يشير إلى أن قطر فشلت في “تطبيق اتفاق نوفمبر 2013 بالامتناع عن مساندة أي جهة تهدد أمن دول منظمة التعاون الخليجي واستقرارها سواء كمجموعة أم كأفراد – وذلك من خلال عمل أمني مباشر أو نفوذ سياسي، وبالامتناع عن دعم أي إعلام عدائي”. وفي ربيع العام 2014، استدعت الدول الثلاثة الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي سفرائها لدى الدوحة.

استمرت الأزمة نحو 9 أشهر ظهرت في خلالها مخاوف بشأن مستقبل منظمة التعاون الخليجي والعلاقات الدبلوماسية على صعيد أوسع. وأحد الأسباب الذي منع تفاقم أزمة العام 2014 أكثر فأكثر هو أنّ جهات فاعلة محلية غير منحازة تدخّلت لتأدية دور الوساطة. أدت دولة الكويت في شكلٍ خاص دوراً رئيسياً في إدارة أزمة العام 2014 وحلّها، وهي تؤدي مجدداً هذا الدور لتخطي الأزمة الراهنة.

أهمية الوساطة

لم تكن الوساطة لحلّ الصراعات بالأمر السهل أبداً. إلا أنّ، نهج الوساطة التقليدية – بما في ذلك تطبيق أساليب مساومة ومفاوضات من قبل قادة محليين لا تهدد سلطة المتخاصمين الأساسيين – يمكن أن تفي بالغرض في هذا السياق الخاص. وطبعاً، دعا وزير الخارجية الأمريكي إلى التوسط كطريقة للخروج من المأزق الراهن.

تظهر الانشقاقات بين الأجيال – بين النخبة الحاكمة في دول مجلس التعاون الخليجي كما يتضح من عامل “ولي العهد”. وبالتالي، فإنّ اعتماد مقاربة تعترف بأن القادة الأكبر سنّاً لا يزالون قادرين على فرض الاحترام والسلطة بين عروض القوة التي يقدّمها أولياء العهد الشباب وغيرهم، تُعتبر نهجاَ فعالاً بشكلٍ خاص. إذ تنطوي الأزمة الدبلوماسية الراهنة على بنى السلطة القائمة على ولاءات أسرية وقبلية تتجاوز الحدود المعاصرة، وكذلك على مفاهيم ثقافية صلبة ذات صلة بالسلطة والمساومة والوساطة والفخر.

وقد يكون للدين والتوقيت دوراً أيضاً: إذ تشكّل الصفح والمصالحة أحد أعمدة شهر رمضان المبارك الأساسية. وبالتالي، يمكن للقادة العرب والمسلمين أن يلتمسوا من مسألة الدين لوضع حدّ للأزمة الحالية بطريقةٍ تعجز أي مقاربة أخرى عن ذلك.

الأمير الوسيط

ومن بين القادة المخولين بشكلٍ واضح لتولي دور الوساطة هذا هو أمير الكويت الثمانيني الشيخ صباح الصباح. لم يكلّ هذا القائد ولم يمل من تأدية دور حيوي لحلّ أزمة العام 2014. خلال الأزمة الأخيرة، تنقّل مجدداَ بين العواصم الخليجية. فهو ليس مجرد وسيط، إنما باستطاعته الاستفادة من معايير الجذب الثقافية والدينية وذات الصلة بالهوية المتأصلة في المنطقة العربية والخليجية التي ترضي مختلف الأطراف.

لا تهدد دولة الكويت أي من الأطراف الرئيسيين في الأزمة الراهنة. تعكس الوساطة الكويتية مقاربة غاية في الأهمية من الناحية الثقافية لحل الأزمة من شأنها تسهيل الحوار والمصالحة في هذه المراحل المبكرة من الأزمة. وتُعتبر الكويت – خلافاً لأي دولةٍ أخرى – وسيطاً راسخاً، نظراً لدورها الريادي في حلّ أزمات سابقة، إذ تدرك قيادتها جيّداً فوارق السلطة السياسية والقبلية والأسرية والدينية والثقافية في دول منظمة مجلس التعاون الخليجي.

ففي العام 2014، سعى الأمير إلى عقد جولات من مفاوضات ترأسها، وقد تُوجت بعودة السفراء العرب إلى الدوحة. هذا وقد أعلن خلال قمة مجلس التعاون الخليجي أنّ الاختلافات قد سُوّيت. يواجه الصبّاح اليوم العديد من مواضيع ومسائل الخلاف نفسها. ولكن هذه المرة، لا يبدو واضحاً إن كانت الجهات الفاعلة الدولية، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ستساعد على حلّ الصراع أم على عرقلته.

السبل لإنهاء الأزمة

ثمة إجماع كبير على أن أزمة مجلس التعاون الخليجي الراهنة تضر بكافة الأطراف المعنية، وبالتالي من الضروري جداً حلّها عاجلاً وليس آجلاً. فقد ترتفع التكلفة الاقتصادية للأزمة بين قطر والدول الخليجية المجاورة وغيرها من الدول إلى مليارات الدولارات بسبب تأثّر التجارة وعوائد الاستثمار. تُعتبر قطر الدولة الأكثر ثراءً في العالم من حيث الدخل الفردي، إلا أنه لا يمكنها هي أو أي من جاراتها في الخليج التقليل من أهمية تأثير الأزمة على الاقتصاد المحلي لكلّ منها في فترةٍ تشهد فيها أسعار الطاقة انخفاضاً وتبدو فيها الحاجة إلى مشاريع ترشيد اقتصادية ملحّة.

يمكن للقادة العرب المحليين – أكثر من أي أطراف من خارج المنطقة – تأدية دور وساطة مهم للحدّ من تفاقم الأزمة. وقد اعتمدت الأزمات السابقة، بما في ذلك أزمة العام 2014، على وساطة نشطة ومقاربة مساومة تقليدية تولّتها جهات فاعلة حكومية عربية كالكويت. ومن المرجّح أن تكون هذه المقاربة ناجحة لأن الوسطاء العرب يتمتعون بصلاحية يتردد صداها في المعايير المحلية المعتمدة لحلّ الأزمات. فهم يدركون قوة عوامل الجذب الخاصة بالنسبة لمقاييس الهويات المحلية الراسخة في الخليج، بما في ذلك صلات النسب والعامل الديني.

بغضّ النظر عن مدى انخراط الأطراف الخارجية غير العربية في حل هذه الأزمة، لا تُعتبر هذه الأطراف الأفضل لدور الوساطة. أعلن الرئيس ترامب في وقتٍ مبكرِ من الأزمة – عبر سلسلة من التغريدات – أنه يقف إلى جانب خصوم قطر؛ ثم حاول التدخل من خلال إجراء مكالمات هاتفية مباشرة معهم، عارضاً استضافة الجهود الرامية إلى حلّ الأزمة في البيت الأبيض. وقد تضرّر الموقف الأمريكي من الأزمة أيضاً بسبب الافتقار الواضح إلى الاتّساق في التناقضات بين تصريحات وزير الخارجية تيلرسون وتصريحات الرئيس ترامب وتغريداته. ويؤثّر ذلك في فعّالية أي دور وساطة محتمل يمكن للولايات المتحدة أن تؤدّيه. وهو يقوّض كذلك مبدأ التحكيم المحايد الذي يُعتبر أمر أساسي لحل الأزمات بفعالية.

حتى وإن قررت إدارة ترامب تأدية دورٍ في حلّ أسوأ أزمة تواجه مجلس التعاون الخليجي، ستبقى مشاركة الكويت أو أي جهة فاعلة محلية أخرى مناسبة لهذا الدور عاملاً مساعداً. ولكن عموماً، أفضل ما يمكن أن تقوم به واشنطن هو البقاء جانباً واتخاذ موقفٍ أكثر حيادية لتعطي الجهود الإقليمية المبذولة لحلّ الأزمة فرصةً حقيقية للنجاح.