Commentary

لماذا سيشكّل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس خطوة خطيرة وغير حكيمة

An aerial view shows the Dome of the Rock (R) on the compound known to Muslims as the Noble Sanctuary and to Jews as Temple Mount, and the Western Wall (L) in Jerusalem's Old City.

بعد أسابيع من التكهنات بأن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قد ينفّذ الوعد الذي قطعه خلال حملته الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، يبدو الآن أن الإدارة الجديدة قد أجّلت هذه المسألة، بهدف قياس إمكانية اتفاق سلام عربي- إسرائيلي في المنطقة كما جاء في التقارير.

بيد أنّ إدارة ترامب لم تشر إلى أنها تعيد النظر في تعهدها بنقل السفارة، قائلة إنها “في المراحل الأولى” للنظر في هذه المسألة.

صحيح أنّ تصريحات من هذا النوع ستستمر في إثارة التكهنات حول ما إذا كان ترامب سيقرر نقل السفارة وحول موعد نقلها، إلا أنّ السؤال الأهم الذي لا بد أن يُطرح هو السبب وراء تفكير إدارة ترامب في مثل هذه الخطوة في المقام الأول. في حين أن نقل السفارة سيكون له بعضاً من الجاذبية السياسية أو الثقافية المحلية وذلك من وجهة نظر مصالح الولايات المتحدة وعملية السلام والاستقرار الإقليمي ولكنه سيأتي بتكلفة مرتفعة بشكل استثنائي مع القليل من الفائدة أو حتى عدمه.

في حال نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس تكون قد اعترفت فعلياً بأن هذه المدينة هي عاصمة إسرائيل، وهي خطوة عمدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة من الحزبين بالإضافة إلى كل بلدان العالم تقريباً في العالم على تجنّبها بشكل ثابت منذ العام 1948. ولا تزال القدس تشكّل إحدى أصعب القضايا وأكثرها تعقيداً في الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذي بدأ منذ قرن، بالإضافة إلى كونها رمزاً سياسياً ودينياً قوياً لمليارات من الناس في جميع أنحاء العالم.

وفي حين تقول إسرائيل إنّ القدس هي عاصمتها “الابدية والموحدة”، يعتبر الفلسطينيون أنّ الجزء الشرقي من المدينة، الذي تحتله إسرائيل منذ العام 1967، هو عاصمة دولتهم المستقبلية.

ونظراً لوضع القدس الفريد، فهي أرض مقدسة للأديان السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، لطالما كان الإجماع الدولي منذ زمن بعيد أن أياً من هذه المجموعات تتمتّع بالحق الحصري لهذه المدينة. وقد بنت الولايات المتحدة سياستها تجاه القدس على هذا المبدأ على مدى السنوات السبعين الماضية على الأقل حتى وأنه سبق إعلان قيام دولة إسرائيل. إذ يعود تاريخ هذا المبدأ إلى خطة الأمم المتحدة لعام 1947 لتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية مستقلة، والتي بموجبها كانت ستوضع القدس تحت رقابة دولية.

من شأن أي محاولة لتغيير وضع القدس خارج إطار تسوية تفاوضية أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار إلى حد كبير وأن تضرّ بالمصالح الأمريكية بشكل لا يمكن إصلاحه. وقد حذّر الرئيس أوباما ومسؤولون من الاتحاد الأوروبي وحلفاء أمريكا العرب جميعهم من العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن هذه الخطوة على الولايات المتحدة والمنطقة. سيشكّل نقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس هدية كبيرة للمتطرفين الدينيين في الشرق الأوسط، وسيؤكّد على الروايات التي تطلقها جماعات على غرار داعش والقاعدة بأن الولايات المتحدة وإسرائيل تشنان حرباً ضد الإسلام. زد على ذلك أنّ الولايات المتحدة ستخسر دورها كوسيط في الصراع، وقد تصبح “طرفاً مباشراً في الصراع” على حد تعبير مسؤولين فلسطينيين.

يؤكّد أولئك الذين يدافعون عن نقل مقر السفارة على أنه لن يكون لهذه الخطوة تداعيات أمنية ودبلوماسية تُذكر. ففهي رأيهم، لن يمنع نقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس الغربية بالضرورة إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة أو عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية. ولكن، ما لم تكون الولايات المتحدة مستعدة في الوقت نفسه لإقامة سفارة لها في “دولة فلسطين” وفي القدس الشرقية – علماً أنّ احتمال حدوث ذلك شبه معدومة، ستكون بذلك قد أكّدت على سيطرة إسرائيل الحصرية على القدس بكاملها.

ومهما كانت الذرائع المستخدمة، إلا أنّ الواقع هو أن الدعوات لنقل السفارة لا تتعلّق كثيراً بالسياسة الأمريكية أو اعتبارات الأمن القومي إنما باعتبارات ثقافية وأيديولوجية أخرى. وكان ذلك جلياً في خطاب ترامب خلال مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) الصيف الماضي، والذي أعلن خلاله لأول مرة عن نيته “نقل السفارة الأمريكية إلى عاصمة الشعب اليهودي الأبدية، القدس”. وتعكس مثل هذه التأكيدات النظرة الخاصة إلى العالم القائلة إنّ القدس تنتمي فقط للشعب اليهودي، أو في أحسن الأحوال إلى الحضارة “اليهودية-المسيحية”، ومتغاضية عن تراث المدينة الفلسطيني والعربي والإسلامي (أو رافضته كلياً).

صحيح أنّ وجهة النظر هذه قد تبرز بين مجموعات معينة من المسيحيين واليهود المحافظين، إلا أنها لا تمثل رأي جميع المسيحيين أو اليهود – ناهيك عن مسلمي العالم البالغ عددهم 1,7 مليار نسمة – بشأن القدس. والأهم من ذلك، نظراً لكون الولايات المتحدة البلد الأقوى والاقتصاد الأكبر في العالم، وكونها لديها مصالح في جميع أنحاء العالم، لا يمكنها أن تأخذ هكذا قرار حيوي يخص سياستها الخارجية على أساس مشاعر طائفية من منظار ضيّق أو محدود.

في غضون ذلك، وبما أنه من المرجح أن الكلام عن هذه المسألة سيتجدد في الأشهر والسنوات المقبلة، ستقع المسؤولية على عاتق الرئيس ترامب وإدارته لكي يشرحوا للشعب الأمريكي والعالم كيف أنّ الانقلاب على 70 عاماً من السياسة الأمريكية ومعاداة ربع سكان العالم بدون أي داعٍ، يمكن أن يخدم مصالح الولايات المتحدة، أو يجعل الأمريكيين أكثر أمنا في الداخل أو الخارج.

Authors