Commentary

السياسة الاقتصادية في مصر: عينٌ لا ترى، أذن لا تسمع

A bank employee holds up a stack of 50 piastre notes at Bank Misr in downtown Cairo, Egypt June 8, 2016. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh - RTSGPW8
Editor's note:

يبدو أن الحكومة المصرية على وشك أن تخفض قيمة الجنيه المصري أكثر بعد. هناك شعور بخسارة وشكية. ويكتب عادل عبد الغفار: يدرك المصريون أن الخطوة واقعة لا محال، إلا أنهم لا يعرفون متى وما ينتظرهم. هذه المقالة نشرت في موقع قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية وتم ترجمتها إلى اللغة العربية.

يبدو أن الحكومة المصرية على وشك أن تخفض قيمة الجنيه المصري أكثر بعد. التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي محافظ البنك المركزي طارق عامر ليمنح هذه الخطوة تغطيةً سياسية.

وقد أشار بنك بيلتون فايننشال، وهو بنك استثماري مصري، إلى أن هذه الخطوة باتت وشيكة. إن خفض القيمة والطفو الجزئي قد يكونا جزءاً من صفقة أوسع مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ إصلاحات اقتصادية مقابل الحصول على قرضٍ ضروري جداً بقيمة 12 مليار دولار لتحريك عجلة الاقتصاد.

إنّ المصريين الذين من المرجح أن يروا قيمة مدخراتهم تنخفض حتى 30 بالمئة يشعرون بخسارة وشيكة. يدرك المصريون أن الخطوة واقعة لا محال، إلا أنهم لا يعرفون متى وما ينتظرهم.

صحيح أنّ انخفاض قيمة الجنيه هو أمر مفيد من الناحية الاقتصادية على المدى الطويل، إلا أنه لا بد من عواقب فورية تترتّب على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة الكادحة.

في غضون ذلك، ينعكس انعدام شفافية عملية اتخاذ القرار بشكل سيء على الاقتصاد ويشكل استمراراً للنهج التقليدي الذي لطالما اعتمدته الحكومة المصرية بإقصاء الشعب عن التحولات الاقتصادية والسياسية الكبرى.

“انتفاضة الحرامية”

تذكّرنا الأزمة المصرية الراهنة بالعامين 1976 و1977 عندما أجبرت الظروف المالية السيئة حكومة الرئيس أنور السادات على التفاوض مع البنك الدولي للحصول على قروض.

في أكتوبر 1976، أرسل ممثل البنك الدولي في القاهرة بول ديكي مذكرة تفاهم سرية إلى وزير الاقتصاد زكي الشافعي يشير فيها إلى حاجة مصر لاتخاذ قرارات جريئة كخفض قيمة الجنيه والحد من الدعم ثم إلغائه.

حاول الشافعي وفريق عمله أن يشرح أنّ مصر كانت مستوّرداً صافياً وأنّ خفض قيمة الجنيه تزيد أسعار الواردات أضعافاً مضاعفة. علاوةً على ذلك، كانوا يخشون التأثير السياسي لخفض الدعم أو إلغائه. ولكن سرعان ما اتضح أن “الاقتراحات” المشار إليها في المذكرة كانت فعلياً الشروط للحصول على قرض.

في 17 يناير 1977، أعلن نائب رئيس الوزراء خفض الدعم على السلع والمواد الغذائية الأساسية. فما كان من الصحف في اليوم التالي إلا الإعلان عن زيادة أسعار بعض السلع، بما في ذلك الخبز والأرز والمعكرونة والغاز والزيت والسكر وحتى السجائر.

وانتشرت الأخبار سريعاً وانطلقت الاحتجاجات صباح ذلك اليوم. وكان عمال المصانع في محافظة حلوان في القاهرة أول من تظاهر ضد الحكومة. وسرعان ما انضم إليهم عمال المصانع العسكرية القريبة وانتقلت المظاهرات إلى المصانع والجامعات في القاهرة حتى وصلت إلى مختلف أنحاء مصر.

وعندما لم يتبق أمام الحكومة إلا القليل من الخيارات، أعلنت عشية 19 يناير إلغاء خفض الدعم وأمرت الجيش بحفظ النظام وتفريق التظاهرات التي أطلق عليها السادات اسم “انتفاضة الحرامية”.

تخفيض مدروس لقيمة العملة

لو عدنا إلى السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين لوجدنا أن الاقتصاد المصري كان يمر بأزمة أخرى.

في العام 2001، كانت سوق الأسهم على وشك أن تتحطم وبلغ تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي 3,3 بالمئة. وكان جزء من المشكلة أن الجنيه كان مرتبطاً بالدولار، الأمر الذي جعل الصادرات المصرية أقل قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية. وكانت الحكومة قد “حافظت على ثبات العملة من أجل رفع عائدات العملة الصعبة من السياحة إلى حدها الاقصى… إلا أنّ النتيجة كانت مجرد تأخير قيام الاحتجاجات السياسية التي تلي تخفيض قيمة العملة التي لا مفر منها”. ولطالما شكّل خفض قيمة العملة هدف الحكومة وكان ضرورياً لتحقيق النمو الاقتصادي على المدى الطويل في الوقت الذي كانت فيه قيمة الجنيه مبالغ فيها بطريقة غير طبيعية.

ولكن عندما خفضت الحكومة قيمة الجنيه في يناير 2003، قامت بذلك بطريقة عشوائية من دون تشاور أو استقصاء مجتمعي يُذكر.

ونتج عن خفض قيمة العملة ارتفاعٌ بالأسعار أمام المستهلك، وخاصة على المواد الغذائية، الأمر الذي أضرّ أفقر شرائح المجتمع بصورة غير متناسبة. وردت الحكومة على ذلك بزيادة الدعم على المواد الغذائية الأساسية كإجراء مؤقت، بيد أن هذا الإجراء فشل في ردع الضغوط التضخمية الكبيرة قصيرة المدى.

العودة إلى المستقبل

تواجه مصر اليوم ظروفاً اقتصادية صعبة. انتُخب الرئيس السيسي في العام 2014 ووعد بتحسين الوضع الاقتصادي ونشر الاستقرار ودفع عجلة الاقتصاد، بيد أنه لم ينفّذ أياً من وعوده بعد على جميع الأصعدة.

لطالما تم التركيز على مشاريع ضخمة التي من غير المرجح ان تعالج على المدى القصير مشكلة البطالة المتفشية بين الشباب. لقد دخل مجال صناعة السياسات الاقتصادية مؤخراً عالم اللامعقول عندما اقترح السيسي تمويل مشاريع تنموية من خلال جمع “الفكة” الزائدة.

على صعيد السياسة النقدية، حاولت الحكومة، منذ العام 2011، دعم الجنيه المصري مقابل الدولار، وهي سياسة اعتبرها محافظ البنك المركزي الذي عُيّن في نوفمبر 2015 “خطأً جسيماً”.

يواجه المصريون أصلاً ضوابط على رأس المال، بما في ذلك القيود المفروضة على تحويل العملة في الخارج والمبلغ الذي يمكن سحبه للسفر إلى الخارج.

بالإضافة إلى ذلك، إنّ الشركات التي تستورد المكونات الأجنبية تعاني كثيراَ في هذا الصدد، فهي تكافح من أجل جمع الدولارات اللازمة لمواصلة عملها. لقد أثّرت هذه الضوابط على رأس المال سلباً على المصريين الذين يدرسون في الخارج بسبب القيود الموضوعة على المبالغ التي يمكنهم سحبها من أجهزة الصراف الآلي في الخارج لتمويل نفقات دراستهم ومعيشتهم.

عندما لا توضّح الحكومة المصرية متى ستخفض قيمة العملة وكيف ستقوم بالأمر وما إذا كان سيتبعه تعويم الجنيه (Free Float) أم لا، فهي تكون قد حافظت على نهجها التقليدي باعتماد الغموض مع شعبها. وبغض النظر عن متى سيحصل ذلك، فإنه من المرجح أن ترتفع الأسعار بشكلٍ كبير، على اعتبار أن التضخم قد بلغ أصلاً  15,5 بالمئة وهو أعلى معدل يُسجل في سبع سنوات.

وكما حصل في العام 2003، سيرزح فقراء مصر تحت وطأة انخفاض قيمة العملة، حيث أن 27 بالمئة من الشعب يعيش أصلاً تحت خط الفقر. على المدى القصير، قد تتمكن الحكومة من التعامل مع النتائج السياسية واجتماعية-الاقتصادية المترتبة على التصحيح البنيوي.

ولكن، من دون رؤية شاملة وإدارة واضحة واستشارة وتشاور مجتمعي كافيين، سيبقى المصريون أمام تخطيط اقتصادي غير منظم سيستمر في التأثير على حياتهم ويقود بها إلى الأسوأ.

Authors