Commentary

لإنقاذ إرثه السياسي في الشرق الأوسط، لا بدّ أن يعترف أوباما بدولة فلسطينية الآن

مدفوعاً بالبحث عن إرثٍ له في الشرق الأوسط، يبدو أن الرئيس باراك أوباما قد قرر أن يستثمر مجدداً في إحياء المحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية قبل انتهاء ولايته الثانية.

أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الشهر الماضي أن البيت الأبيض يعمل على إحياء جهود السلام، بما في ذلك قرارٌ محتملٌ لمجلس الأمن أو أي مبادرات أخرى على غرار “خطاب رئاسي وبيان مشترك من اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط”. وبينما لا تزال النقطة التي يرمي إليها الرئيس أوباما عبر هذه الجهود المتجددة مبهمة، يتعين عليه أن يفهم أن اعتماد الأساليب القديمة ذاتها للوساطة الأمريكية لن تزيد الأزمة إلا استفحالاً، وبالتالي ستشوه شرعيته في الشرق الأوسط. لإنقاذ إرثه في المنطقة، ودفع المصالح الأمريكية في العالم العربي، وليتماشى مع موقف المجتمع المدني من هذا الصراع، يتعين على الرئيس الأمريكي أن يتخذ القرار الذي طال انتظاره والذي يعترف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قبل أن تنتهي ولايته الرئاسية. بداية، يتعين على أوباما أن يتعلم من أخطاء سلفيه، جورج دبليو بوش وبيل كلينتون، اللذان حاولا أيضاً قبل أشهر من انتهاء ولايتهما التوصل إلى اتفاق يرضي كلّ من الفلسطينيين والإسرائيليين.

إن التوصل إلى اتفاق بين الطرفين في ظلّ ظروف ضغط صعبة لن يجديَ نفعاً. فمن شأن طرف لا يهتم لاتفاق سلام أن يناور عن طريق استخدام خطط تؤخر هذا الاتفاق إلى أن تنتهي ولاية أوباما. وقد سبق أن استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الاستراتيجية حين رفض علناً دعوة أوباما له لزيارة البيت الأبيض من أجل مناقشة عملية السلام، ذلك لأنه أراد أن “يتجنب أي نفوذ محتمل” في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة. صدرت هذه الملاحظات عن الشخص ذاته الذي تدخل في الشؤون الأمريكية المحلية من خلال الضغط بشدة ضد أوباما أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.

بدأ أوباما فعلاً بترجمة جهوده من خلال العمل مع الأطراف المعنية، إلا أنه يحتاج الآن إلى اتخاذ قرارات. خلافاً للعديد من الرؤساء الأمريكيين، وضع أوباما حلّ هذا الصراع على رأس أولوياته. رغم الحروب الأهلية العنيفة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في السنوات الخمسة الماضية، أظهر أوباما التزاماً صارماً وحدد المتطلبات السياسية الضرورية لتحقيق تقدمم في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. أثناء ولايته، خصص وزير الخارجية جون كيري وقتاً للمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية  أطول من الوقت الذي خصصه لأي صراع دولي آخر. إلا أن الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها إدارة أوباما منيت بالفشل الذريع، إذ انتهت من دون أن تؤدي إلى أي اتفاق أو حتى مذكرة تفاهم، اتفاقيات كان من شأنها أن تُبنى على شرعية أوباما في الشرق الأوسط.

رغم ذلك، يدرك أوباما تماماً من الذي تسبب بفشله. فقد تحدى نتنياهو أوباما مراراً وتكراراً: في الكونغرس ، رفض نتنياهو أن يخوض أي مفاوضات جادة كان من شأنها أن تؤدي إلى اتفاق، ومارس علناً ضغطاً اعتراضاً على وصول أوباما مجدداً إلى سدة الرئاسة الأمريكية. ما كان على أوباما أن يتوقع من نتنياهو أن يبدل موقفه ويتعاون لإنجاح أي جهود جديدة من شأنها أن تحفظ لأوباما ما فقده من إرثٍ في الشرق الأوسط، فهو لا يزال هو نفسه ذلك الذي أحبط أوباما كثيراً طوال فترة ولايته الرئاسية.

مع الأشهر القليلة المتبقية له في منصبه ، حان الوقت ليصوغ أوباما إرثه في الشرق الأوسط كما يريده هو، وليس كما حددتها ضغوط نتنياهو. أمام أوباما فرصة ليخلّد التاريخ اسمه كأول رئيس أمريكي يعترف رسمياً بدولة فلسطينية مستقلة.

عاجلاً أم آجلاً، ستقوم دولة فلسطينية والولايات المتحدة ستعترف بها. وأوباما يدرك ذلك تماماً. لماذا يفوّت هذه الفرصة إذاً ويتركها لرئيس آخر ليغتنمها في المستقبل؟ لا بدّ أن يقلق أوباما على شرعيته، وليس على آراء نتنياهو المتطرفة. لا يجدر أن يسمح أوباما لنتنياهو أن يصوغ له شرعيته في الشرق الأوسط وأن يبقيه ملطخاً بالفشل.

حالة شرعية أوباما الشرق أوسطية مزرية أيضاً في أجزاء أخرى من المنطقة، فسوريا ممكن أن تكون رواندا أوباما؛ بنغازي والسفير الراحل كريس ستيفنز شاهدان على إرثه في ليبيا؛ وتنظيم القاعدة في اليمن أقوى بكثير اليوم مما كان عليه حين كثّف أوباما سياسته ضد التنظيم؛ ووحده التاريخ سيوضح نتائج الاتفاق النووي الإيراني. للأسف، لا يمكن أن يغيّر أوباما الحقائق في أي من تلك الدول في ما تبقى له من وقتٍ كرئيس، ولكن لا يزال بإمكانه أن يستعيد إرثه في الشرق الأوسط من خلال الاعتراف بدولة فلسطينية.

بالاعتراف بالدولة الفلسطينية اليوم، يكون أوباما قد حجز فرصة تاريخية للتأثير على المستقبل ولتأسيس قاعدة للإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط. بغض النظر عمن سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة، سيتعين عليه أن يتعامل مع هذه الحقيقة الجديدة. المجتمع الدولي يدعم أوباما في اعترافه بفلسطين. فق أعلنت فرنسا مؤخراً أنها ستعترف بدولة فلسطينية مستقلة إن فشلت الجهود النهائية بإرساء السلام. علاوة على ذلك، اعترفت دولة السويد رسمياً بدولة فلسطين.

اعتاد الدبلوماسيون الأمريكيون موازنة آرائهم بعد انتهاء ولايتهم مع تحررهم من ضغط اللوبي الإسرائيلي والسياسات المحلية؛ وجيمي كارتر خير مثال على ذلك.

لا ينبغي أن يمشي أوباما على خطاهم. لا أهمية لتغيير رأيه بعد انتهاء ولايته، فهو لن ينقذ إرثه في الشرق الأوسط ولن يحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إن لم يعترف بدولة فلسطينية وهو لا يزال يملك السلطة للقيام بذلك. الوقت المناسب لذلك هو الآن ويتعين عليه أن يتصرف بدلاً من الندم لاحقاً.

سيدي الرئيس، إن لم يكن من أجل إرثك، اعترف على الأقل بفلسطين لتستحق جائزة نوبل للسلام التي حصلت عليها. اللجنة تثق بك ووهبتك الجائزة  قبل أن تحقق أي سلام حقيقي؛ فلا تخيب أملها. اضمن أن تستحق هذه الجائزة أيها الرئيس. إن لم يكن لإرثك أو للجائزة المهيبة، فليكن لكبريائك وكن أنت من يضحك أخيراً وليس بنيامين نتنياهو.  

سيدي الرئيس، اعترف بفلسطين الآن.