Commentary

في دعوته المسلمين لمقاومة الإرهاب، أوباما يتجاهل أسبابه الجذرية

بعد سبع سنوات في الرئاسة، قام الرئيس أوباما أخيراً بزيارة أحد المساجد الأمريكية في 3 فبراير. سبقت هذه الزيارة زيارات أخرى قام بها لكنيس يهودي وعدد من الكنائس المسيحية، ناهيك عن زيارة ميشيل أوباما معبداً للسيخ، الأمر الذي أعطى الخطاب الذي ألقاه أوباما في المركز الإسلامي في بالتيمور وقعاً ملفتاً. أشار هذا التأخير في توقيت الزيارة إلى أن التحيّز المتصاعد ضد الإسلام وجرائم الكراهية ليس أولوية لدى إدارة أوباما.

ما يعتبر أولوية كبرى بالنسبة للإدارة هو دفع المسلمين الأمريكيين إلى قيادة جهد عالمي لمكافحة الإرهاب، لكن هذه الاستراتيجية محكومة بالفشل طالما أن واشنطن تدعم أنظمة ديكتاتورية في الدول ذات الأغلبية المسلمة. ومع أن أوباما رفض – مشكوراً- النظرية القائلة بوجود صراع حضارات بين الإسلام والغرب، إلا أنه فشل في تحديد الأسباب الجذرية للإرهاب الذي تقترفه مجموعات باسم الإسلام – والذي يتمثل ببساطة بالاستبداد.

في نفس العبارة التي أعلن فيها أوباما أن “كل الأمريكيين مسؤولون عن رفض التمييز”، أعلن بدقّة أن “المسلمين حول العالم مسؤولون عن نبذ الأيديولوجيات المتطرفة التي تحاول التغلغل في المجتمعات الإسلامية”. وبقوله هذا، يساوي أوباما بين مجتمع منفتح تحكمه قوانين ثابتة تحمي حريّة التعبير وتكوين الجمعيات ومجتمع قمعي يتحايل على القوانين لقمع هذه الحريّات نفسها.

لو أراد أوباما أن يؤخذ طلبه على محمل الجد عندما طلب من العلماء المسلمين حول العالم “التحدّت دائماً برؤية إيجابية عن إيمانهم [و] أن يعلّموا الآخرين أن الإسلام يحرّم الإرهاب”، فيجب على أمريكا ألا تحبط هذه الجهود من خلال دعمها للأنظمة الاستبدادية.

والحقيقة هي أن الأجواء السياسية اللازمة للانخراط في المناظرات العامة – سواء كان ذلك حول مواضيع مدنية أو دينية – هي غير متوافرة في دول الشرق الأوسط. فالشجعان القلائل الذين تجرأوا على رفع الصوت أو على تعبئة المواطنين خضعوا لمحاكمات الكنغر (محاكم قضائية تتجاهل بشكل صارخ القوانين المعترف بها ومبادئ العدالة)، أو “اختفوا”، أو عُذبوا في السجون، أو عُثر عليهم جثثاً هامدة.

في مصر مثلاً، تعرّض آلاف الناس، من انتماءات سياسية متعددة، لهذا المصير منذ الثورات الجماهيرية التي قامت في العام 2011، والتي كانت تسعى للإطاحة بالحكومة المستبدّة الراسخة. وبما أن الغالبية العظمى كانت من المواطنين المعادين للتطرّف، فهذا يعني أن الأولوية الكبرى بالنسبة للحكام الديكتاتوريين لم تكن مكافحة الإرهاب، بل إحكام قبضتهم على السلطة. وبنفس الطريقة، هوجم نشطاء حقوق الإنسان الذين كانوا يطالبون بإصلاحات سياسية في البحرين من قبل الشرطة، وحُكم على آخرين بالسجن لسنوات. كذلك، حُكم على معارضين سياسيين في المملكة العربية السعودية بالجلد أو الإعدام.

طالما أن الدول سادرة في عنفها دون رقيب، سيستمر العنف على مستويات غير حكومية بالتصاعد، ولن تؤثّر فيه الإدانات المخلصة التي يطلقها القادة المسلمون. وسيتم اتهام المعتدلين بالسذاجة وبأنهم أذيال النظام، بينما يستفيد المتشدّدون من الغضب الشعبي الناتج عن عنف الدولة لتقديم أنفسهم كمدافعين عن العدالة.

في الخطاب الذي ألقاه أوباما في أحد مساجد بالتيمور، كان واضحاً إغفاله عن ذكر الأنظمة المستبدة التي تخلق ثقافة الخوف والعنف، التي منها ينبثق الإرهاب. وهذا الإغفال يثير الحنق نظراً للدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في دعم الحكومات المستبدة في الشرق الأوسط، ومدّها بالمساعدات العسكرية والاقتصادية والسياسية.

إن دعوة أوباما المسلمين للمشاركة في مناظرات مفتوحة تتحدى أيديولوجية داعش والقاعدة تتجاهل كلياً البيئة السياسية القمعية التي يعيش في ظلها غالبية مواطني الشرق الأوسط.

من المؤكد أن العنف البربري للدولة الإسلامية (داعش) مرفوض ويجب أن يُقاوم. وفي الحقيقة، لقد فاقت داعش القاعدة بفسادها وعنفها اللذين يستهدفان المسلمين وغير المسلمين على حدٍ سواء. وفي الوقت الذي تتفنن فيه المجموعات الإرهابية في شرّها وعنفها، نرى المجتمع الدولي لا يزال يتبع نفس السياسات الفاشلة في مكافحة الإرهاب.

تتركز استراتيجيات مكافحة الإرهاب، بطريقة مضللة، على معالجة الأعراض بدل التركيز على الظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الكامن الذي يُنتج العنف السياسي. الأهم من هذا أن الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب تحكمها المصالح العسكرية والأمنية للدول المستبدّة، التي غالباً ما تتمخّض عن مظالم محلية يجيّرها الطغاة إلى الشعور المعادي لأمريكا.

وبنفس الطريقة، تحصر الدول الغربية في الغالب مكافحتها للإرهاب بمحاولة منع العنف على أراضيها فقط، بينما تقوم بتزويد الطغاة بالمعدّات العسكرية لاستخدامها ضد مواطنيهم. غارات جويّة تأديبية، أساليب استجوابية قاسية، وعمليات قتل دون محاكمة، كل ذلك يؤجج الصراع ويساعد على توسّع رقعة الإرهاب في كل مكان.

إن عنف الدولة ينتج عنه العنف على مستويات غير حكومية، والخلاصة حلقة مفرغة من الاضطرابات والعنف تلحق الضرر بالجميع.

مع تقدم التكنولوجيا وسهولة انتقال المعلومات بين الدول، لم يعد بمقدور الغرب أن يتجاهل الأوضاع المتدهورة في الدول ذات الأنظمة المستبدّة، التي يمكن أن تتحوّل وبسرعة إلى ملاذات آمنة للإرهابيين. ما علينا إلا أن ننظر إلى الهجمات الإرهابية التي استهدفت نيويورك ومدريد ولندن وباريس مؤخراً حتى ندرك أن الصراعات المحليّة قد أصبحت عالمية. وفي الحقيقة، فإن المجموعات الإرهابية المنتشرة في مناطق الصراعات لم تخفِ خططها باستهداف “العدو البعيد”- أي الدول الغربية التي تدعم الأنظمة المستبدة، تماماً كما تستهدف “العدو القريب”.

وببساطة، لم يعد باستطاعة المواطن الغربي عزل نفسه عن العنف الذي يستهدف مواطني الشرق.

لكن وبدل انتظار وصول المتطرفين إليها، يجب على الدول الغربية أن تستبق الأمر بمعالجة المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدفينة التي تنتج العنف السياسي. وهذا يستلزم تمكين المجتمع المحلي، وليس النخبة السياسية التي تخدم الطغاة، على تشكيل واتخاذ مبادرات تنموية لمعالجة الظلم الممنهج.

في خطابه، سأل أوباما “كيف نتقدم معاً إلى الأمام؟” و”كيف ندافع عن أنفسنا ضد المنظمات العازمة على قتل المدنيين الأبرياء؟”

الخطوة الأولى هي الاعتراف بوجود علاقة بين الطغيان والإرهاب. بعد هذا، يمكننا مواصلة مكافحة الإرهاب بمشاريع مستقبلية استباقية، قد تستمر أجيالاً، بحيث يتم تجفيف مصادر الدعم الأيديولوجي والشرعي للإرهابيين من خلال خطط تنموية طويلة المدى تؤدي بالنتيجة إلى استقرار طوعي.

إلى أن يتم ذلك، فإن كل أمان نحققه الآن سيكون مؤقتاً وقصير الأجل.