Commentary

رأب خطوط الصدع في التحالف الذي تقوده السعودية

فيما تتزامن الهدنة التي استمرت أسبوعاً في اليمن مع ختام أعمال محادثات السلام المقررة، ينبغي على قوات التحالف التي تقودها المملكة العربية السعودية أن تتوقّف قليلاً للنظر في التصدعات الناشئة داخل صفوفها، والتي أصبحت واضحة بشكل خاص في خلال الهجوم الأخير على تعز. يجد أعضاء التحالف من خارج منطقة الخليج صعوبة متزايدة في حشد الدعم الشعبي للحرب، مما يجعل نشر قوات منسّقة ومنظّمة تحدياً صعباً جداً.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي النظر بجدية في مواقف بعض شركاء التحالف – وبخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر – من الإخوان المسلمين، الذين يمثّلهم التجمع اليمني للإصلاح في اليمن.

قيمة رمزية

تعد تعز مدينة ذات رمزية كبيرة، فهي أول مدينة يمنية انتفضت ضدّ علي عبدالله صالح خلال الربيع العربي لدرجة أن “ساحة الحرية” في المدينة أصبحت رمزاً للثورة. إلا أنه وبعد أن استعادت قوات التحالف عدن، أحكم الحوثيين قبضتهم على تعز بسرعة لما تمثله المدينة من رمزٍ لاستمرار سلطتهم في الجنوب. وقد أدى ذلك إلى ما اعتبرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر “حصاراً كارثياً” يمثل وحشية الحرب، وباتت قمم التلال ومشارف المدينة في أيدي الحوثيين ومركزها في قبضة الميليشيات التي يقودها التجمع اليمني للإصلاح، فيما يعاني 200 ألف مدني من نقص حاد في الماء، والغذاء، والكهرباء، والرعاية الطبية.

بتاريخ 16 نوفمبر، أرسلت قوات التحالف تعزيزات كبيرة إلى تعز، في محاولة متجددة لكسر الحصار الذي دام لأشهر. وأصبحت تعز عندئذ “بوابة” التحالف للوصول إلى صنعاء.

تلعب المدينة اليوم دوراً رمزياً آخر، إذ تشكّل أساساً لإثبات وحدة التحالف بقيادة السعودية، مما سيختبر براغماتية حملة القمع التي أطلقتها كلّ من السعودية والإمارات ضدّ الإخوان المسلمين وذلك بعد الربيع العربي. تعتبر تعز ذات الأغلبية السنية، بكونها معقل للتجمع اليمني للإصلاح. وفي الواقع، كان من أخرج صالح من تعز عضو التجمع اليمني للإصلاح حمود سعيد المخلافي، الذي برز أسمه على الساحة في الأيام الأولى للثورة حينما قاد لجان المقاومة الشعبية.

مواطن الضعف على الأرض

التحالف على ما هو عليه الآن عرضة للانقسام على طول أكثر من خطّ صدع واحد، فخطوط الصدع هذه تتحدى قدرته على الفوز بالحرب – إلى جانب قضايا الحرب الأخلاقية – وعلى ما هو أهمّ من ذلك، أي بناء السلام. أولاً، وعلى الرغم من أنّ العديد من الدول انضمت عن طيب خاطر إلى التحالف في بداياته، قليلة كانت تلك المتحمسة للمساهمة في القوات اللازمة للعمليات البرية. وفي الواقع، تجد غالبية الدول (خارج منطقة الخليج) صعوبة متزايدة في الحفاظ على التأييد المحلي المطلوب للحرب. وبعد تسعة أشهر على بداية الحرب، هناك عدداً متزايداً من الناس، في دول مثل الأردن والمغرب وحتى مصر، ترى في الصراع حرباً بعيدة لا ينبغي بهم الانخراط فيها. ونظراً لتزايد التوتر مع إيران، قد تجد السعودية نفسها غير قادرة على الاستثمار بشكلٍ أكبر في اليمن، خصوصاً مع تطور الأحداث في سوريا والعراق. ثانياً، لم تعمل الدول غير الخليجية القليلة التي تساهم بجنود ، على غرار السودان، وموريتانيا والسنغال بحسب المزاعم، معاً تحت قيادة موحدة من قبل، مما يجعل إمكانية التنسيق صعبة.

وستشكّل حماية المدنيين تحدياً صعباً بشكل خاص بالنظر إلى تاريخ بعض شركاء التحالف الذين لا يهتمون باحترام قوانين الحرب، مما يطرح ذلك تساؤلات حول “الثمن الذي قد يدفعه المدنيون اليمنيون في خلال مسار هذه العمليات العسكرية”.

في الواقع، يُزعم أنّ التحالف قد توجّه إلى شركات أمن خاصة لتوفيره بعناصر مرتزقة، مما زاد من المخاوف بشأن حماية المدنيين مع تداخل الحوافز والأهداف المتناقضة في المهمة. وأخيراً، والأهم من كل ذلك، فإن التحالف منقسم بشأن رؤيته للمستقبل السياسي في اليمن، وبوجه خاص بشأن مكانة التجمع اليمني للإصلاح وأفراد مثل المخلافي في أي نتيجة سياسية.

لذلك، وقبل الشروع في مفاوضات السلام، يجب أن يتفق التحالف على كيفية التعامل مع التجمع اليمني للإصلاح وطموحه السياسي. فتأثير التجمع اليمني للإصلاح في اليمن واضح، فقد بقي المخلافي بارزاً، حتى بعد أن عيّن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي شوقي هائل سعيد محافظاً، وتابع التصرف كوسيط في النزاعات المحلية وظلّت ميليشياته قوية نسبياً..

في خلال ولايته التي امتدت على مدى عاميْن، حاول سعيد – وهو مسؤول مالي سابق عيّنه هادي في محاولة لجعل الحكم في تعز “غير سياسي” و”تكنوقراطي” – أن يستقيل من منصبه ثلاث مرات بسبب شعوره بالإحباط من تكتيكات التجمع اليمني للإصلاح.

مصالح متنوعة

ولكن اليوم، وعلى الرغم من الدور الذي يلعبه التجمع اليمني للإصلاح لإبقاء تعز بعيدة عن سيطرة الحوثيين، تمّ اتهامه بـ”الخيانة،” إذ غرّد وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش قائلاً: “لولا فشل الإصلاح و[الإخوان المسلمين] في التصرّف، [لتمّ] تحرير [تعز] “.

ففي حين خففت المملكة العربية السعودية إلى حدّ كبير من موقفها المناهض للإخوان المسلمين منذ أن أصبح سلمان ملكاً – ويعزى ذلك جزئياً إلى كونه رداً على تنافس المملكة المتصاعد مع إيران وجزئياً إلى دعمها التاريخي للقادة الدينيين والقبليين في التجمع اليمني للإصلاح منذ ستينات القرن الماضي، جدّد عضوان مهمان من التحالف، وهما دولة الإمارات ومصر، العداء تجاه هذه الجماعة.

شنت دولة الإمارات العربية المتحدة حملة قمع قاسية على الإخوان المسلمين في العام 2012 وسجنت ما يصل إلى 200 متعاطف مزعوم مع الجماعة، وما زالت تدرج الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية.

ويبدو أنّ كبار المسؤولين الإماراتيين يعتبرون اليوم أنّ حربهم ليست فقط ضدّ “الجماعات التي تدعم النظام الإيراني الطائفي”، بل أيضاً ضدّ من “يتبنون أيديولوجية الإخوان المسلمين”.

وبالمثل، تعارض حكومة عبد الفتاح السيسي في مصر جماعة الإخوان المسلمين بشدة، وبالتالي، تُعتبر غالباً على تنسيق وثيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

على العكس من ذلك، كانت قطر داعماً تقليدياً للتجمع اليمني للإصلاح، إلى حين اعتمدت مؤخراً ما صنّفه البعض سياسة خارجية أقل نشاطاً في المنطقة. ولذلك، تميل قطر إلى الوقوف بجانب السعودية في حال اعتمدت هذه الأخيرة سياسات أكثر براغماتية تجاه الجماعة. وسيعتمد أعضاء التحالف الرئيسيون الآخرون – مثل المغرب، والأردن، والكويت – على الأرجح مقاربةً براغماتية للتجمع اليمني للإصلاح أيضاً. وعلى الرغم من بعض حالات السجن وفرض القيود على المتعاطفين المحليين مع الإخوان المسلمين، تعلّمت الدول الثلاث أن تتحمّل الجماعة داخلياً.

مع ذلك، ونظراً للدور الرئيسي الذي تضطلع به دولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن، حيث ينظر إليها بشكل متزايد على أنها “من تمسك بزمام الأمور”، لا يستطيع السعوديون التفريط بها.

تحتاج الرياض إلى إيجاد وسيلة لإشراك التجمع اليمني للإصلاح في محاولاتها لإنهاء الصراع وتهدئة المخاوف في أبو ظبي والقاهرة بشأن أجندة الإخوان المسلمين على المدى الطويل. ويمكن لتحالف منهجي مع التجمع اليمني للإصلاح “تتم إدارته بشكل مدروس” أن يجلب الأمن إلى منطقة الخليج، في كلّ من اليمن والدول الأخرى، فيما التنافس بين إيران والسعودية في ازدياد مستمر.