Commentary

رسائل أوباما إلى آية الله: مكمن الخطأ في المحاولة للتواصل مع المرشد الأعلى

مع اقتراب انتهاء الموعد النهائي للمفاوضات النووية الإيرانية في في الأسابيع القليلة المقبلة، وفي خضمّ الاختلافات الكبيرة التي لا تزال قائمة، قيل إنّ الرئيس باراك أوباما أرسل الشهر الماضي نداءً شخصياً للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي. وتكشف هذه الخطوة عن سوء فهمٍ كبير للقيادة الإيرانية، ومن المرجّح أنّها بدلاً من أن تساعد، ستعيق تحقيق حلّ دائم لطموحات إيران النووية والأهداف الأمريكية الأخرى في ما يتعلّق بالملفّ الإيراني.

لو صدقت التقارير – والإدارة الأمريكية لم تؤكّد بعد السبق الصحفي الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال – يكون الخطاب على ما يبدو قد حاول حثّ خامنئي على وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي ولمّح إلى إمكانية التعاون الثنائي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضاً باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو داعش) كحافز على ذلك. وهذه هي المرة الرابعة التي يتواصل فيها أوباما مع خامنئي شخصياً منذ وصوله إلى سدّة الرئاسة في العام 2009، بالإضافة إلى تبادله الرسائل (ومكالمة هاتفية غير مسبوقة) مع الرئيس الإيراني حسن روحاني.

يشكّل ذلك زيادةً ملحوظةً في محاولة الولايات المتحدة التواصل مع القيادة الإيرانية منذ قيام الثورة. فقد انقطعت العلاقات الدبلوماسية المباشرة بين الدولتيْن منذ شهر أبريل من العام 1980، ولم تدخلا في حوار مباشر منذ ذلك الوقت إلا بشكل متقطع، وكان آخرها محادثات جمعتهما وخمس قوى عالمية أخرى بهدف وضع حدٍّ للمسار الإيراني المتوجّه للحصول على قدرات أسلحة نووية.

لا شكّ في أنّ المزيد من الحوار المباشر أمر إيجابي للتعامل مع واحدة من الأزمات الأكثر إلحاحا في العالم. ولكنّ تقنية الحوار وتكتيكاته تبقى ذات أهمية، ولربما هي أكثر أهمية في هذه الحالة مما هي في معظم النزاعات الأخرى حيث يكون التواصل أكثر روتينية وحيث ثمة أساس أكثر جوهرية من التفاهم المتبادل أو الألفة على الأقل. على سبيل المثال، من المنطقيّ أن يكون الجيش الأمريكي على ما يبدو قد استعمل المسؤولين العراقيين كوسطاء بشأن قضايا ذات صلة بالحملة ضدّ داعش، والتي شنّتها طهران من خلال وكلائها على الأرض في العراق وبشكلٍ مستقلّ عن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة.

ومع ذلك، هذا هو بالضبط ما يجعل خطاب أوباما لخامنئي عند هذا المنعطف يبدو مغلوطاً بشكل مذهل على المستوى التكتيكي. بادئ ذي بدء، لا يقدّم هذا الخطاب أيّ إمكانية واقعية للدفع قدماً بعجلة المحادثات النووية أو أي جانب آخر من جوانب العلاقات الأمريكية-الإيرانية. ففي نهاية المطاف، وحده المراقب الأكثر سذاجة والأقلّ اطلاعاً على الشؤون الإيرانية قد يظنّ أنّ أيّ نداء شخصي من أوباما سيغيّر موقف المرشد الأعلى بطريقة إيجابية.

كانت الكراهية التي يكنّها خامنئي لواشنطن وعدم ثقته بها من السمات الثابتة في خطاباته العلنية على مرّ تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتدّ على 35 عاماً. فقد وصف واشنطن بكلّ ألفاظ الذمّ الممكنة، كما أنه يتمادى في إنكار مسألة محرقة اليهود وفي نسج المؤامرات بشأن أحداث 11 أيلول. كما يصرّ بانتظام أنّ الولايات المتحدة عازمة على تغيير النظام في إيران وإدامة الأزمة النووية. ليست هذه الآراء وليدة الأحداث ولا هي عابرة، فالعداء للولايات المتحدة الأمريكية حجر أساس تفكير خامنئي وهو مترسّخ في رؤيته للعالم، وهو بالتالي ليس بعرضةٍ للإغراءات – ولا سيما ليس من الجهة التي ينصبّ عليها بغضه.

وعلاوة على ذلك، فإنّ قيادة الجمهورية الإسلامية غارقة في مفهوم المنافسة الأنانية بلا ضوابط للنظام الدولي؛ فعلى حدّ قول صحيفة ذات توجهات متشددة: “ليس عالمنا بعالم عادل، ويحصل كلّ منّا على أقصى ما يستطيع من القوة، ليس بفضل قوة المنطق التي يتمتع بها أو تكييف طلبه مع القوانين الدولية، ولكن عن طريق التهويل…” ومن هذا المنطلق، لا شكّ في أنّ طلب أوباما الموجّه لأعلى سلطة في إيران في هذه المرحلة الحرجة من الدبلوماسية النووية سيُعتبر توسّلاً – وتأكيداً إضافياً على يأس الولايات المتحدة وضعفها في مواجهة موقف ايران الأقوى.

قد يبدو ذلك سخيفاً بالنظر إلى التفاوت النسبي بين قدرات البلديْن ونفوذهما الدولي. فبالاستناد إلى أيّ معيار موضوعي، نجد أنّ لإيران مصلحة أكثر إلحاحاً في التوصّل إلى حلّ سريع للمأزق النووي القائم منذ زمن طويل. إذ إنّ توقيع اتفاق بهذا الشأن سيبدأ بالتخفيف من العقوبات المدمّرة التي خفّضت صادرات النفط الإيرانية إلى النصف وشتّتت أرباح البلاد في البنوك الأجنبية التي لا يمكن للخزينة الإيرانية التعامل معها.

ولكن لطالما سعت طهران إلى إقناع نفسها والعالم بخلاف ذلك. فخامنئي نفسه يتباهى بانتظام بقناعته بأنّ الولايات المتحدة تتراجع في مواجهة قوّة إيران العظمى. وقد أوضح هذا الموضوع مؤخراً بالقول: “ما يجعلنا أقوى هو أنّ [الولايات المتحدة] تتراجع خطوة خطوة في كلّ المجالات التي سبق وتواجهنا فيها معها. ولكنّنا لا نتراجع، بل نتقدّم. وهذه دلالة على تفوّقنا على الأمريكيين”.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ للحافز الذي يبدو أنّ أوباما تقدّم به في آخر مراسلاته – الرغبة في استكشاف التقاء المصالح بين طهران وواشنطن في مسألة محاربة المتطرفين السُنّة – قدرة ضعيفة جداً على اجتذاب إيران بشكلٍ ذات مغزى. فالحقيقة البسيطة هي أنّ أياً من الطرفيْن لا يعطي الأولوية للمعركة ضدّ داعش على حساب ملفّ الدبلوماسية النووية، والدليل على ذلك هو أنّ الدبلوماسيين الإيرانين قد لجؤوا إلى حيلة الربط الضمني نفسها لإغراء واشنطن لتقدّم تنازلات نووية أكبر. وفي الوقت عينه، رفضت المؤسسة الأمنية الإيرانية بشكل قاطع التكهنّات بشأن التعاون المباشر مع الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، مفضّلةً أن تواصل هجومها الخاص ومقتنعةً (وعن حقّ ربما) بأنّ الغلبة لطهران ووكلائها في كل من العراق وسوريا.

بالتالي وبكلّ بساطة، ما من سيناريو يمكن فيه لخطاب من الرئيس الأمريكي إلى علي خامنئي أن يولّد قدراً أكبر من المرونة الإيرانية بشأن البرنامج النووي، الذي دفع النظام ثمناً باهظاً للحفاظ عليه، أو أن يدفع بطريقة ما بالاتفاق النهائي نحو المحطّة النهائية، ألا وهي محطّة إبرامه. على عكس ذلك تماماً، إذ لا شكّ في أنّ الخطاب قد زاد من ازدراء خامنئي لواشنطن وعزّز عزمه القائم منذ فترة طويلة على انتزاع تنازلات قصوى من المجتمع الدولي. هذا الخطاب بمثابة ضربة للمرحلة النهائية الحساسة من المحادثات النووية في اللحظة التي كان الوضع بأمسّ الحاجة إلى العزم الأمريكي.

كما وأنّ الكشف عن الخطاب يقطع الطريق على أوباما على أصعدة أخرى. فهو يزيد من حدّة التوترات مع حلفاء الولايات المتحدة الإقليمييين، في وقت ثمّة حاجة ماسة إلى مساعدتهم في تعزيز المعارضة السنية في وجه داعش. ويعود الخطاب بالضرر على أوباما في الداخل الأمريكي أيضاً، ومرةً أخرى في أسوأ وقت ممكن، نظراً لنتائج الانتخابات النصفية والأغلبية المستجدّة من الجمهوريين في مجلسيْ النواب والشيوخ. كان منافسو أوباما في الكونغرس يخطّطون أصلاً لجدول ناشط بشأن إيران قد يعطّل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الإدارة الأمريكية. سيُعتبر أنّ الخطاب – بشكلٍ خاطئ – يؤكد أكثر نظريات المؤامرة سخافة التي يروّج لها اليمين الأمريكي بشأن تحالف أمريكي-إيراني سري.

من الصعب أن نتصوّر المنطق الذي ألهم أوباما بتوجيه أحدث خطاباته الرسمية، عدا عن عدم قدرة مطلقة على فهم الديناميات السياسية الإيرانية. ومع ذلك، فهو يتّسق مع العاطفية المفرطة التي سبق للإدارة الأمريكية أنّ بيّنتها تجاه القيادة الإيرانية خلال زيارتيْ روحاني إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة – وما ذلك إلاّ بسعي ساذج وغير لائق خلف بعض التقارب الشخصي أملاً في الدفع بعجلة الدبلوماسية الثنائية قدماً.

ليس أوباما أوّل رئيس أمريكي يوهم نفسه بأنه يستطيع التغلّب على النزاعات الدولية من خلال قوة جاذبيته الخاصة – لنتذكّر على سبيل المثال تأكيد الرئيس جورج بوش الابن أنّه نظر إلى عينيْ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولمس روحه. إلا أنه قد يكون أوّل من يعيق طريق اتّفاق حاسم بشأن الحدّ من التسلح بعد اقترابه من خطّ النهاية، وذلك بسبب ثقة مفرطة مضلّلة بشأن قوّة كلامه الخاص.