Commentary

الرئيس الإيراني الجديد والحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط

صاحب انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران موجة عارمة من التفاؤل، وهي ليست متعلقة باحتمالات التوصل لاتفاق بشأن الملف النووي فحسب، وإنما تتعلق أيضاً بفرص التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية بشأن الصراع الإقليمي المتزايد والمتعاظم الرامي إلى الاستئثار بالنفوذ. بذل الرئيس روحاني شخصياً جهوداً كبيرة للإشارة إلى استعداده لإقامة علاقات جديدة مع الرياض. حتى أن السعوديين المشككين بالنوايا الإيرانية أراحهم انتخاب الرئيس الإيراني الجديد.

تُعتبر مشاركة روحاني في جهود بُذلت في ما مضى والتي نجحت بتحسين العلاقات السعودية-الإيرانية أحد أسباب موجة التفاؤل هذه. بصفته أحد كبار مساعدي الرئيس السابق رفسنجاني، أقام روحاني مفاوضات مباشرة مع السعوديين في منتصف التسعينيات في محاولة لتحسين العلاقات بعد الحرب الإيرانية-العراقية، حين دعمت الرياض العراق برئاسة صدام حسين ضد إيران. استمرت تلك الجهود في عهد الرئيس خاتمي، الذي انتُخب في العام 1997، وبلغت ذروتها مع توقيع اتفاق للتعاون بشأن قضايا جنائية مثل التهريب والاتجار بالمخدرات في خلال زيارة قام بها وزير الداخلية السعودي الأمير نايف لطهران في أبريل 2001. يُشار إلى أنّ الاتفاق هذا كان اتفاقاً ثنائياً بشأن المسائل الجنائية، وليس تحالف أمنياً أو حتى تفاهماً مشتركاً في الشؤون السياسية الإقليمية والدولية. وقد جسّد تحسناً في العلاقات الثنائية، إلا أنه لم يُظهر أي تقارب في الأفكار ووجهات النظر في مجال السياسة الخارجية.

وفي حين يشكّل انتخاب روحاني سبباً أكيداً للتفاؤل، لا بدّ من الإشارة إلى أن الظروف الجيوسياسية الإقليمية للتقارب السعودي-الإيراني في أواخر التسعينيات تختلف كثيراً عن الظروف الراهنة. فعلى الأقل، قد يتفق السعوديون والإيرانيون اليوم أن صدام حسين كان رجلاً سيئاً. في الواقع، دفع تراجع أسعار النفط في أواخر التسعينيات الطرفين بالإضافة إلى الدول المنتجة للنفط في منظمة أوبك ودول أخرى خارجها إلى خفض إنتاج النفط وإلى زيادة الأسعار. خلافات كثيرة شابت العلاقة بين الرياض وطهران، إلا أن عدداً كبيراً من المصالح يجمع بينهما. ولكن يصعب رؤية تلك المصالح المشتركة اليوم.

إلا أن الفرق الجيوسياسي الأهم بين الحاضر والماضي يكمن في انهيار السلطة في كل من سوريا والعراق. كان صدام لا يزال حاكماً للعراق العربي في التسعينيات، صحيحٌ أن حكمه لم يكن جيداً أو مدنياً، إلا أنه سيطر في نهاية المطاف علي العراق. الأمر كذلك بالنسبة لزميله البعثي حافظ الأسد في سوريا. فقد قمعا المعارضة المحلية وحافظا على غطاءٍ محكم على سياساتهما الداخلية، مما جعل أي تدخل أجنبي في السياسة المحلية أمراً مستحيلاً. أزال الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 الغطاء عن السياسة العراقية وسمح لإيران (بشكلٍ خاص) وتركيا والسعودية وأطراف إقليمية أخرى بتأدية دورٍ في السياسة العراقية. فلم يتطلب منهم الموضوع في حينها فرض أنفسهم. وطلبت الأحزاب العراقية المحلية، التي كانت تحارب من أجل الهيمنة في العراق الجديد، الدعم الأجنبي. وهذا تماماً ما يحصل حالياً في سوريا. بات دولة العراق ودولة سوريا، اللتين أديتا ذات يومٍ دوراً أساسياً في اللعبة الإقليمية ساحات للعب.

تدور مجريات الحرب الباردة الجديدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في السياسة الداخلية في هذه الدول العربية التي ضعفت حديثاً لتنضم إلى دولٍ عربية تميّزت عبر التاريخ بالضعف وبمركزٍ أقل إستراتيجية كلبنان واليمن الذين تغلغل التدخل الأجنبي في شؤونهما منذ عقود. لا يشكل الطموح الدافع الوحيد الكامن وراء التدخل السعودي والإيراني في هذه الدول، بل يُضاف إليه بنية العلاقات الإقليمية والدولية. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الابتعاد عن مخاطر هذه الصراعات الأهلية الفوضوية يعني إخلاء الساحة للخصوم ووضع الدول في موقفٍ خطير. ورغم مدى انفتاح الرئيس روحاني في ما يتعلق بتحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، إلا أنّه غير مستعد للتخلي عن المكاسب الإيرانية في العراق. ورغم مدى رغبة السعوديين بفتح صفحة جديدة مع روحاني، إلا أنهم لن ينسحبوا من سوريا ببساطة كدليل على حسن نواياهم.

ومع تواجد أمل صغير على المدى القصير إلى المتوسط باكتساب الدولتين العراقية والسورية المزيد من القوة، وبالتالي القدرة على إغلاق المجال أمام التدخل الأجنبي، تبدو فرصة التقارب السعودي-الإيراني حقيقي ضئيلة. ومع ذلك، ثمة أسباب متفائلة حتى في ظلّ الظروف الهيكلية المتشائمة هذه تشير إلى احتمال توصل روحاني والسعوديين إلى التخفيف من حدة طبيعة المنافسة الطائفية الشديدة بينهما.

لا شكّ أن الطائفية تُعتبر حقيقة واقعة في كل من الصراعات العراقية والسورية. ولكن المملكة العربية السعودية وإيران يشجعان بأسلوبهما الخاص الخط الطائفي لحشد أتباعهما وتشويه سمعة أعدائهما بشكلٍ يبث السموم في الحياة السياسية في المنطقة بأسرها. يعارض زرع الطائفية في المنطقة المصالح السعودية والإيرانية الطويلة الأمد. بالنسبة للسعوديين، تساهم الطائفية إلى تنفير الأقلية الشيعية ويرمي بالشيعة العرب في أحضان إيران ويشجع الجهاديين السنة على الالتفاف حول الرياض تماماً كما فعلوا في ما مضى. أما بالنسبة لإيران، يؤكد زرع الطائفية على وضع الشيعة كأقلية في العالم الإسلامي ويحدّ من نفوذهم. تفقد الولايات المتحدة كذلك الكثير بفعل انتشار الطائفية في الشرق الأوسط بشكلٍ كبير لأن الانتشار هذا يعزز من زعزعة الاستقرار على الصعيد الإقليمي ولأن الصراع الطائفي يوفر أرضاً خصبة لازدهار بعض المنظمات على غرار تنظيم القاعدة. في حال تمكن روحاني من تحسين أجواء العلاقات السعودية الإيرانية بشكلٍ يساعد الجانبين على تقويض الطائفية التي تطبع نزاعهم من أجل النفوذ، سيستفيد الجميع على المدى الطويل.