Commentary

Op-ed

من ترامب إلى أردوغان، حذار من التوجهات الشعبوية

People wait for Turkey’s main opposition Republican People’s Party (CHP) leader Kemal Kilicdaroglu (not pictured) as he walks on the final stage of his 25-day long protest, dubbed “Justice March”, against the detention of the party’s lawmaker Enis Berberoglu, in Istanbul, Turkey, July 9, 2017.
Editor's note:

تم نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية في جريدة ذا غلوب آند ميل.

أكّد خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي ألقاه في وارسو يوم الجمعة الفائت النمط المثير للقلق الذي ينتهجه قادة شعوب اليوم – بدءاً من السيد ترامب ومروراً بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووصولاً إلى الرئيس البولندي أندريه دودا والرئيس المجري فيكتور أوربان. فكلمات السيد ترامب لم تكن مجرّد كلمات في الهواء، وينبغي عدم تجاهلها، إذ تعكس خطاباً شعبوياً يمثل عقيدة يجب أن تقلقنا جميعاً. 

غالباً ما يلجأ القادة الشعبويون إلى إثارة ثنائيات حماسية، مثل: “نحن وهم”، أو “الخير مقابل الشر”، أو “المتحضرون ضد الهمج”. لقد أوضح السيد ترامب أنه يؤمن بأن حكومة السيد دودا تساند الناس المتحضرين المحبين لله، رغم سمعتها الدولية بأنها حكومة لا تحترم منظمات حقوق الإنسان. يؤمن الشعبويون أنّهم هم وحدهم من يمثل إرادة الناس الحقيقية وأنّ المؤسسات تعمل على تثبيطهم في كل الأوقات.

بنظرهم، تتألف المؤسسات من القانونيين والخبراء الأكاديميين والمثقفين والصحفيين والعاملين في قطاع الخدمة الاجتماعية. والسيد ترامب، مثله مثل الكثير من الحكّام الشعبويين، يرى أنّ “أعداء الشعوب هؤلاء” هم قوى داخلية يجب قمعها. وما يثير القلق هو أنّ الشعبويين يروّجون لفكرة أنهم صوت الشعب النقي الأصيل، ويشكّكون في وطنية النخب التقدمية التي تتألف منها المؤسسات، بل حتى يتّهمونها بأنها تمثّل المصالح الأجنبية.

يؤمن الشعبويون أن الله بجانبهم دائماً في معركتهم ضد المؤسسات، لأنهم هم الذين يدافعون عن الحضارة وعن كل ما هو جيد. وعندما سأل السيد ترامب الحشود المهلّلة التي بلغ عددها 15,000 شخصاً في ساحة وارسو، “هل لدينا الرغبة والشجاعة للحفاظ على حضارتنا في وجه أولئك الساعين إلى خرابها وتدميرها؟”، إنما قصد بالقوى التخريبية تلك المؤسسات الديموقراطية التي تعارضه.

أما المحاكم التي تتحدى الشعبويين وتدعوهم للالتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان، فتُتهم بأنها غير وطنية. هناك عدد قليل من القانونيين المحترمين القادرين على تبرير التمييز العرقي أو الإثني في مسألة دخول البلاد أو السفر. لكن الشعبويين يمقتون مبادئ المساواة، كونها تدحض فكرة التفوّق الأخلاقي “للشعب” الذي يكوّن القاعدة الشعبوية. إنّ المعاني المبطنة لرسائل الشعبويين العنصرية ليست خافية على أحد.

يهدّد كل من السادة ترامب ودودا وأوربان استقلالية محاكمهم، ويملؤونها تدريجياً بشخصيات يُعتقد أنهم موالون لعقائدهم. فالسيد مادورو أقال نائبه العام لتحديه سياساته الاقتصادية وتجريده السلطة التشريعية الفنزويلية من سلطاتها. أما السيد أردوغان، فيعمل على تغيير الدستور بحيث يحصر السلطة بمكتبه الرئاسي، ويصبح بإمكانه التحكم بالهيئة المسؤولة عن تعيين القانونيين في تركيا.

ويعتبر السادة أوربان ودودا وأردوغان أنّ منظمات المجتمع المدني، مثل منظمة العفو الدولية، هي عدوة للشعب، لأنها تحاول تلويث أخلاقيات دولهم. فقد اعتقل السيد أردوغان هذا الأسبوع مدير منظمة العفو الدولية في تركيا إلى جانب 22 محامياً، إضافة إلى 50,000 تركي ألقي القبض عليهم سابقاً واحتُجزوا، و150,000 آخرين سُرّحوا من أعمالهم.

وليس من المستغرب أن يكون بعض أشد الليبراليين غيرة على حقوق الإنسان هم أساتذة جامعيون. وفي تركيا، كانت هذه الفئة من بين الحشود التركية التي سُرّحت أو سُجنت لتشكيكها في سياسات السيد أردوغان. أما السيد أوربان، فهو بدوره يحاول أن يغلق الجامعة الأوروبية المركزية في بودابست بسبب حصولها على تمويل من قبل المحسن المجري-الأمريكي جورج سوروس. فالأكاديميون والمثقفون هم مبغَوضون من الشعبويين بسبب عيشهم في برجهم العاجي وبسبب قيمهم الليبرالية وامتلاكهم المعرفة والخبرة التي تتعارض مع “إرادة الشعب”.

وفي نهاية المطاف، يلجأ معظم الشعبويين إلى وسائل الإعلام التقليدية، لأن أولئك الذين يسلطون الضوء على انتهاكات السلطة هم في الواقع أعداء للسلطة. وللالتفاف حول “الإعلام المفلتر”، يتلذذون باستخدام الخطب النارية ووسائل التواصل الاجتماعي والأحاديث الإذاعية والمنابر التي لا تضع رقابة على كلامهم، والأهم أنها لا تحلله.

وقد استبدلت الحكومة البولندية فعلاً إدارة التلفزيون والإذاعة الحكوميين بأشخاص يتبعون نهجها، وطردت مئات الصحفيين الذين رفضوا الرقابة الحكومية. كذلك أغلقت تركيا أكثر من 100 مؤسسة إعلامية بسبب تحدّيها السيد أردوغان. وفي الوقت نفسه، ضيّقت إدارة ترامب تواصل الصحافة مع المسؤولين والناطقين الرسميين، في حين يحاول الرئيس نفسه إلغاء شرعية الصحافة الأمريكية واصفاً إياها بمؤسسات الأخبار المزيفة.

وقد أشار القادة الشعبويون المنتخبون إلى نواياهم بوضوح وهي: تقويض المؤسسات الديموقراطية الليبرالية. ولم يكن خطاب السيد ترامب في وارسو مختلفاً عن الخطابات الشعبوية الأخرى في جميع أنحاء العالم. دعونا لا نخطىء فهذه ليست مجرد كلمات بريئة؛ بل هي تمهّد الطريق لمستقبل خطير إذا لم يُطعن فيها.