Commentary

Op-ed

ما مدى ديمقراطية مسودة الدستور المصري؟

على الجانب الإيجابي، تُعدّ هذه أول عملية صياغة للدستور في مصر تُنتخب جمعيتها من قِبل البرلمان ولا يعينها دكتاتور، سواء في شكل نظام ملكي كما هو الحال في عامي 1923 و 1930، أو في شكل مجلس عسكري كما هو الحال في عامي 1956 و 1971. لسوء الحظ، هذه الحقيقة تفسر جزئياً عدم الاستقرار الحالي. أضف إلى هذا ظهور نخبة سياسية جديدة معظمها من الطبقات الدينية المتوسطة-الدنيا، الذين لا يتمتعون بخبرة الحكم. فهل ستحول هذه النخبة الجديدة مصر إلى دولة ثيوقراطية عبر الدستور كما يدّعي الكثير من أفراد الطبقات المتوسطة-العليا والطبقات المتوسطة الذين يرفضونها؟ أم أن هذا مجرد أسطورة تروجها الجماعات المتنازعة التي تشترك في كونها خاسرة، إما في اللعبة الديمقراطية أو في العملية الثورية؟

كما هو الحال دائماً مع مصر، لا توجد إجابة مباشرة. صحيح أن معسكر “رفض كل شئ” يتكون من الخاسرين، إما في الانتخابات أو في الثورة. ولكن صحيح أيضاً أن هذا المعسكر يضم شخصيات كانوا من الممكن أن يبلوا بلاءً حسناً في ظل رئاسة مرسي، بما في ذلك القليل جداً من النشطاء العلمانيين والمثقفين. في الواقع، يحتوي الدستور على نكهة دينية قوية، سواء بطريقة مباشرة كما هو الحال في المواد 2 و 4 و 10 و 44 و 219، أو أقل من ذلك كما هو الحال في المادتين 11 و 12.

ولكن كي نجعل الأمور أكثر تعقيداً، إليك حقيقة أخرى: بالمقارنة مع دساتير الأعوام 1923، و 1930، و 1956، و 1958، و 1964، و 1971، تُعدّ مسودة دستور عام 2012 هي المسودة الأقل استبدادية التي عرفتها مصر طوال تاريخها. ففي حين أن كل الدساتير الأخرى ضمنت على الورق حدّاً أدنى من الحريات الأساسية وعناصر العدالة الاجتماعية، إلا أن مسودة دستور 2012 تحدّ السلطات الرئاسية وتقسم السلطات بين مؤسسات الدولة. وهذا معناه الوصول إلى السياسات العليا.

في دستور عام 1923، الذي اُحتفى به باعتباره الدستور الأسطوري “الأكثر ليبرالية” في مصر، تؤكد المادة 33 على حرمة وعدم مسّ الملك. المادة 38 تمنحه سلطة حل البرلمان عند رغبته ودون أي قيود. في دستور عام 1971، كان الرئيس يتمتع بسلطات متساوية تقريباً لسلطات الملك. على سبيل المثال، المادة 77 تسمح للرئيس بالترشح لفترات رئاسية مكونة من ست سنوات بعدد غير محدود. المادة 73 تمنحه سلطات واسعة غير عادية لمكافحة التهديدات الغامضة مثل “الخطر على سلامة الوطن.” المادة 76 مهزلة دستورية، فهي مادة مكونة من 709 كلمة وهدفها الوحيد تكييف نصر انتخابي لابن مبارك. المادة 136 تسمح للرئيس بحل البرلمان عند “الضرورة”.

في الواقع، تخفض الدساتير المصرية السابقة سقف التوقعات عندما يتعلق الأمر بصياغة المؤسسات الديمقراطية. والاستثناء الوحيد مسودة دستور عام 1954، الذي نصت مادته الافتتاحية على أن “مصر جمهورية يمثلها البرلمان” وحظرت محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية تحت أي ظرف من الظروف. بطبيعة الحال، لم يتم التصديق عليها. أراد عبد الناصر ومجلسه العسكري دكتاتورية مرتكزة حول عبادة الشخص وليس حول دولة ذات مؤسسات ديمقراطية عاملة. وجد المؤرخ صلاح عيسى النسخة الوحيدة من مسودة دستور 1954 في عام 1999، في الطابق السفلي من مركز أبحاث تابع لجامعة الدول العربية. وقد كتب كتاباً بعنوان “دستور في سلة مهملات” ليعكس القصة الحزينة للديمقراطية الدستورية في مصر.

إذاً، ما هي مشكلات دستور عام 2012؟ يمكن تصنيف معظم المشكلات في ثلاث فئات: دور الدين في النظام الجديد، والعلاقات المدنية-العسكرية، والليبرالية الدستورية. المادة 4 (التي اقترحها عمرو موسى، وهو سياسي علماني شغل منصب وزير خارجية مبارك ويرأس حاليا حزب المؤتمر) تنص على أن “رأي” المؤسسة الدينية المصرية الأبرز، أي الأزهر، هو الجدير بأخذه في المسائل المتصلة بالشريعة الإسلامية. المادة 2 تنص على أن المصدر الرئيسي للتشريع هو مبادئ الشريعة الإسلامية.

الكلمات الرئيسية هنا هي “الرأي” و”المبادئ”. الكلمة الأولى غير ملزمة والكلمة الثانية تتعلق بالقيم الإيجابية المجردة مثل العدالة والحرية. لكن المادة 219 تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل “دلائلها الشاملة، وقواعدها الفقهية والأساسية، ومصادرها المعترف بها في المذاهب السنية”. بالنسبة لمعظم الجمهور المصري العلماني، تُعدّ هذه اللغة غير مفهومة، وكي نكون صادقين، فإنها مخيفة جداً. كانت هذه المادة المثيرة للجدل من بنات أفكار الأعضاء السلفيين في الجمعية التأسيسية، وخصوصاً من حزب النور. فقد أرادوا ما هو أبعد من المبادئ المجردة ومادة واضحة تعكس “خصوصيات” الشريعة الإسلامية كما يفهمونها. حجة حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين هي أن أي انتهاكات محتملة للحريات أو حقوق الإنسان استناداً إلى تفسير هذه المادة سيتم حظرها من جانب مواد أخرى مثل المواد أرقام 6 و 8 و 9 والتي تؤكد على حماية الحريات، واحترام الحقوق، وعدم التمييز على أساس النوع أو الدين أو العرق. ومع ذلك، تحظر المادة 44 الإساءات أو الإساءات “الضمنية” لأنبياء ورسل الله. بالنسبة للكثير من العلمانيين المصريين، يعتبر هذا تقييداً مباشراً لحرية التعبير.

من القضايا الرئيسية الأخرى العلاقات المدنية-العسكرية. فليس من الضروري فقط أن يكون وزير الدفاع ضابطاً عسكرياً (المادة 195)، بل ينبغي على مجلس الدفاع الوطني (NDC) أيضاً أن يضم أغلبية من القادة العسكريين (المادة 197). وهذا سيعطي الجيش بشكل فعال حق الفيتو بخصوص أي قضية أمن قومي أو أي قضية سياسة خارجية حساسة.

صاح اللواء ممدوح شاهين، ممثل الجيش في الجمعية التأسيسية، في وجه أحد أعضاء حزب الحرية والعدالة قائلاً: “إذا وضعت واحداً من عندك سأضع واحداً من عندي.” كان الأخير قد اقترح وجود مدني آخر في مجلس الدفاع الوطني: رئيس لجنة الخزانة في البرلمان. لكن اقتراحه قوبل بالرفض. وتم رصد الحوار بالكاميرا.

بالإضافة إلى ذلك، تسمح المادة 198 بعقد المحاكم العسكرية للمدنيين “عندما تسئ جريمة للقوات

المسلحة.” سوف يضع المشرعون قائمة بجرائم محددة في الدورة القادمة للبرلمان المصري. ربما سيكون هذا القانون صراعاً آخر بين ممثلي المدنية وجنرالات الجيش بشأن الاختبار النهائي للديمقراطية: إصلاح القطاع الأمني. ولكن من المؤكد أن المادة 198 لعام 2012 صيغة أدنى من المادة 20 من مسودة دستور عام 1954، الذي منع منعا باتاً محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية.

المسألة الثالثة الكبرى تتعلق بدعم الليبرالية الدستورية وآثارها، الأمر الذي يعيدنا إلى الدين. من ناحية، يحظر الدستور الأطراف التي تميز على أساس الدين أو النوع أو الجنس (المادة 6) وهو واضح تماماً بشأن المساواة بين جميع المواطنين وحظر التمييز بينهم (المواد 6 و 8 و 9). كما أنه واضح بخصوص مساعدة النساء في مهامهن تجاه “أسرهن وأعمالهن العامة” (المادة 10) وبخصوص أن الدولة توفر “خدمات مجانية في مجال الأمومة والطفولة”.

قال لي عضو الجمعية التأسيسية عصام سلطان: “لقد أردنا في مساعدة الأمهات في “دوامهن” المزدوج: الأسرة والحياة المهنية”. ومع ذلك، تؤكد منظمة العفو الدولية أن الدستور “يعترض سبيل تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة […]. ومن المروع أن تقتصر الإشارات الوحيدة إلى المرأة في الدستور على ما يتصل بالبيت والأسرة فقط”. ومع ذلك، فإن الجملة الأخيرة غير دقيقة، على أقل تقدير.

الدستور المصري أبعد ما يكون عن الكمال في الوقت الراهن. بالتأكيد، عند مقارنته بمسودة دستور عام 1954 غير المصدقة أو بالدساتير في الديمقراطيات الراسخة حديثاً مثل البرازيل أو بولندا، فسوف يبدو أسوأ. ومع ذلك، فإن المسار البديل لجمعية دستورية منتخبة أو الرفض الصريح دون مسار بديل (وهذا بالضبط موقف المعارضة في الوقت الحاضر) لا يضمن إصداراً أفضل. ولذلك بالنسبة للمصريين، تتمثل المسألة الصعبة في سواء قبول دستور ناقص الآن ثم محاولة تعديله في وقت لاحق (مطلوب 20٪ فقط من أعضاء البرلمان لطلب التعديل والثلثين للموافقة) أو الاستمرار في الشوارع حتى يحدث شئ. وأن شيئا ما قد يكون أو لا يكون أفضل من المؤسسات الديمقراطية في ظل دستور ناقص.