What’s at stake in the 2024 election: Federal debt and the implications for government spending and programs

LIVE

What’s at stake in the 2024 election: Federal debt and the implications for government spending and programs

Commentary

Op-ed

لماذا لا يوجد تحالفٌ ضدَّ إيران؟

تخوض المملكة العربية السعودية حرباً في اليمن، وتدعم المتمردين في سوريا، في محاولة منها لصدِّ النفوذ الإيراني وإبعاده. ويمكن لهذه الجهود الحثيثة التي تبذلها السعودية أن تصرف النظر عن أحد أبرز العناصر غير المقدّرة في الشرق الأوسط الحالي، ألا وهو عدم وجود تحالفٍ إقليميٍ قوي ضدَّ إيران. ويُفسر غياب مثل هذا التحالف المضاد بما أطلق عليه أستاذ العلوم السياسية، راندال شويلر: “اختلال في التوازن” (underbalancing)، أي عدم قدرة الدول أو افتقارها إلى الإرادة على تشكيل نوعٍ من التحالف المضاد (blocking alliances)، التي تتنبأ بظهورها نظرية توازن القوى.

مما لا شكّ فيه أن إيران هي الفائز الجيوسياسي في الاضطرابات التي تضرب المنطقة. فهي اللاعب الأكثر تأثيراً في السياسة العراقية، إذ تربطها علاقاتٌ وثيقة مع حكومة العبادي، وترعى عدداً من الميليشيات الشيعية ، إنْ لم تكنْ تسيطر عليها، وتحافظ على علاقةٍ تعاونية مع حكومة إقليم كردستان (تمثلت بتزويد حكومة الإقليم بأسلحةٍ خلال تعرضها لهجومٍ من الدولة الإسلامية في الصيف الماضي). وكان الدعم الإيراني أيضاً أساسياً في الحفاظ على نظام الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، ولا يزال عميلها حزب الله هو القوة المهيمنة على الساحة السياسة اللبنانية. وفي حين أنَّ علاقة طهران بالحوثيين ليست بمتانة علاقتها بحزب الله أو الميليشيات العراقية، فإنَّ نجاح الحوثيين في اليمن يُسهم في زيادة الشعور الإقليمي بأنَّ لإيران يداً في الأمر. أما جهود القوى الإقليمية الأخرى للوقوف في وجه المكاسب الإيرانية، فقد باءت جميعها بالفشل حتى الآن، سواءٌ أكان الدعم التركي والسعودي للمعارضة السورية، أو التمويل السعودي لائتلاف قوى 14 آذار في لبنان وتقديم المساعدات العسكرية للحكومة اللبنانية، أو الحملة الجوية السعودية الحالية ضد الحوثيين.

ووفقاً لمنطق توازن القوى، أو “توازن التهديد” البديل، كان يجب أن تشهد المنطقة تحالفاً سعودياً تركياً-إسرائيلياً لمواجهة إيران. إنَّ تجميع الموارد أمرٌ منطقي، لأنه لا يمكن لدولةٍ واحدةٍ بمفردها مجابهة القوة الإيرانية. ويبدو أنَّ إسرائيل والسعودية تعتبران إيران الخطر الأكبر الذي يهددهما. ورغم أن تركيا قد لا تركز على إيران بالقدر ذاته، إلا أنها تشعر بالقلق حيال تنامي إيران على المستوى الإقليمي. ويبدو التفاهم السعودي التركي منطقياً للغايةمن الناحية الطائفية، والذي يعتقد كثيرون أنه هو الذي يقود السياسة الإقليمية، نظراً لكونهما دولتين سنّيتين. ولكن لا الحلفَ الثلاثي ولا حتى الثنائي لإيجاد التوازن ضدَّ إيران قد ظهر للوجود حتى الآن.

إنَّ العائق الأكبر أمام تحالفٍ إقليميٍ كبير من هذا القبيل ليس هو الولايات المتحدة. تودُّ واشنطن رؤية حدوث احتواءٍ لهذا النفوذ الإيراني الإقليمي ، حتى وهي تتفاوض مع طهران بشأن برنامجها النووية، فهي لا تقف في طريق تشكيل أي تحالفٍ إقليمي ضدَّ إيران. حتى ولو حصل هذا، فإنّ تركيا أو إسرائيل أو المملكة العربية السعودية لا تنتظر الإشارة من إدارة أوباما في هذه الأيام.

إنَّ السبب الرئيسي لاختلال التوازن ضدَّ إيران يكمن في عالم الأفكار. إذ لا تمثّل إيران مجرد تحدٍّ لقوة جيرانها العرب فحسب، بل أيضاً تحدياً لنُظُمِها السياسية الداخلية من خلال رفضها لنظام الحكم الملكي وبتأثير الجاذبية القوية لنظامها على كثيرٍ من الشيعة. كما أنها ترفض قبول النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة، الذي ساد منذ نهاية الحرب الباردة، وبالتالي فهي تتحدى بشكل مباشر السياسة الخارجية للعديد من جيرانها.

إنَّ الأعضاء المحتملين لتشكيل تحالفٍ مضاد لإيران لا تجمعهم أفكارٌ مشتركة حول الكيفية التي ينبغي أن تُنظم بها الحياة السياسية في المنطقة، وهم يتوجسون من التعاون مع بعضهم البعض. تمثل المملكة العربية السعودية وتركيا نموذجين مختلفين جداً للأنظمة السياسية الداخلية. فالسعوديون يدعمون أنظمة الحكم الملكية ولا يشجعون الإصلاح الديمقراطي في الداخل أو الخارج. أما تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية، فقد دعمت نموذجاً من الحكم الشعبوي والإصلاح الديمقراطي الاسلامي في العالم العربي، لا سيما من خلال دعمها لحركات الإخوان المسلمين. وفي الوقت نفسه، فإنَّ إسرائيل، مُمَثلة برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، تنفذ مشروعاً استعمارياً في الضفة الغربية، على المكشوف تقريباً، مما يجعل التحالف معها لعنة محرمة أمام الرأي العام في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ليس الشرق الأوسط مجرد منطقة متعددة الأقطاب من حيث القوة فحسب، بل أيضاً من حيث الإيديولوجيات. وفي هذا السياق، يقدم مارك هاس، أستاذ العلوم السياسية، إطاراً نظرياً يساعد على فهم الأسباب التي تجعل المناطق ذات الأيديولوجيات السياسية المتعددة والمتنافسة أكثر عُرضة لنشوء الاختلال بالتوازن. ويشير هاس إلى أنه في النظم التي تتميز بالثنائية الأيديولوجية، كالحرب الباردة، ستميل التحالفات إلى اتباع خطوطٍ أيديولوجية (حلف الناتو في مواجهة حلف وارسو) وتكون مستقرةً جداً. ولكن، عندما تكون هناك أيديولوجيات مختلفة في الساحة، يتحاشى قادة الدول الدخول في التحالفات التي تبدو منطقية من منظور القوة، لأنهم يكرهون ويخشون الموقف الإيديولوجي لحليفٍ محتمل. والمثال النموذجي الذي يقدمه هاس لإثبات ذلك هو الوضع في أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث كانت دول الديمقراطيات الغربية والاتحاد السوفياتي غير مستعدة للتحالف ضدَّ القوة المتنامية لألمانيا النازية.

إنَّ نموذج هاس للتعددية القطبية الأيديولوجية ينطبق تماماً على الوضع الراهن في الشرق الاوسط. فلم يعدْ الأمر يقتصر على أنَّ الإيرانيين والسعوديين والأتراك لديهم نماذج سياسية تتعارض مع بعضها البعض، بل تضيف الدولة الإسلامية نموذجاً آخرَ لهذا الخليط. فهي تقدم نموذجٍاً سلفيٍاً جهادياً عابراً للحدود، فيه عناصر من الإسلام المحافظ في المملكة العربية السعودية، ومن رفض إيران الثوري للنظام الإقليمي القائم، ومن الشعبوية الإسلامية السُنية في تركيا بزعامة حزب العدالة والتنمية — ويشكل هذا النموذج بدوره تهديداً مباشراً للدول الثلاثة كلها. إنَّ هذه التعددية القطبية الأيديولوجية تضع عقباتٍ خطيرة أمام قيام تحالفاتٍ “منطقية”، وفقاً لما تراه اعتبارات القوة البحتة.

إنَّ السعوديين يبدون غير متأكدين حيال من يمثل لهم التهديد الأكبر، أهي إيران أم الدولة الإسلامية؟ تعيق قيام تحالف تركي- سعودي لتوازن القوى ضدَّ ايران، الذي كان تشكيله سيبدو طبيعياً، مخاوفٌ سعودية من أنَّ النموذج التركي للإسلام الشعبوي الديمقراطي سيقوي شوكة الإخوان المسلمين في العالم العربي. وفي حين يريد السعوديون بشكلٍ واضح دحر النفوذ الإيراني، فهم أيضاً أعلنوا أنَّ جماعة الإخوان المسلمين منظمة ارهابية. وقد تحالفت تركيا مع قطر، التي هي لاعبٌ إقليميٌ آخر راهن على الإخوان المسلمين، لدعم المعارضة الاسلامية في مواجهة الأسد. ولكن يبدو أن هذا التحالف عالق بين مطرقة إزاحة نظام الأسد وسندان الخوف من الدولة الإسلامية، التي أصبحت تمثل التهديد الأبرز للأمن التركي. فأنقرة، التي حافظت تاريخياً على علاقاتٍ متوازنة مع إسرائيل، اختارت الآن أن تنأى بنفسها عن القدس بطريقةٍ علنيةٍ جداً، لأسبابٍ أيديولوجية وسياسية داخلية. ولم تتحققْ رغبات بعض أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة في قيام اتصالٍ وتنسيقٍ سعودي-إسرائيلي ضدَّ إيران والدولة الإسلامية على حدّ سواء. فالرياض لا يمكنها التفكير في إقامة علاقةٍ مفتوحة مع حكومة نتنياهو، بسبب مخاوفها من العواقب السياسية الداخلية لمثل هذا التحالف.

إن التصورات بالتهديد الأيديولوجي، التي هي أساس معيقات تشكيل التحالف في التعددية القطبية الأيديولوجية، ليست ثابتة ودائمة. صحيحٌ أن الأمر استغرق بعض الوقت، ولكنَّ دول الديمقراطيات الغربية والاتحاد السوفياتي وحدَّت قواها في نهاية المطاف ضد ألمانيا النازية. وهناك القليل من المؤشرات الأولية بأنَّ مثل هذا التغيير في التصورات قد يحدث في الشرق الأوسط. ويبدو أنَّ العاهل السعودي الجديد، الملك سلمان، يميل إلى اعتبار أن التهديد الذي تشكله جماعة الإخوان المسلمين للنظام السياسي السعودي أقل مما كان يظن سلفه. وقد يكون شعور الرئيس التركي، رجب طيب ارد وغان، بعزلته الإقليمية الحالية أكثر مما كان عليه في الماضي، ولكن زيارته إلى الرياض في شهر فبراير أثارت التكهنات لدى الجانبين بأنَّ هناك تقارباً بين الدولتين في طور الإعداد. وربما يشير الاستيلاء على إدلب من قبل ائتلاف عناصر إسلامية في المعارضة السورية في نهاية مارس إلى وجود رغبة جديدة للتعاون بين السوريين المحسوبين على السعوديين وعلى الأتراك. أما حزب الإصلاح اليمني، الذي يضم الإخوان المسلمين اليمنيين، فقد أعلن مؤخراً دعمه لحملة القصف السعودي ضدَّ الحوثيين.

تثير هذه الأحداث المتناثرة احتمال أن يكون الملك السعودي الجديد منشغلاً حالياً في إعادة تقييم ترتيب التهديدات التي تواجهها الرياض، حسبما كان يراها سلفه، ومقللاً من أهمية تهديد جماعة الإخوان المسلمين لأمن النظام السعودي الداخلي، ومنفتحاً على احتمالية تشكيل تحالفٍ تركي- سعودي ضدَّ إيران. ويمكن لاختتامٍ ناجحٍ لمحادثات ((P5 + 1 مع إيران العمل على زيادة الحوافز لقيام توازن للقوى الإقليمية ضدَّ الإيرانيين. وإذا ما قرر السعوديون والأتراك أنَّ إيران تشكّل تهديداً أكبر لهم من أي لاعبٍ إقليميٍ آخر، بغض النظر عن نجاح مفاوضات ((P5 + 1، فقد تنتهي حينئذٍ حالة “اختلال التوازن” تجاهَ طهران. ومع ذلك، فمن العواقب المحتملة لمثل هذا التحالف ربما تفضي إلى إتاحة مساحةٍ أكبر للدولة الإسلامية وللمجموعات التابعة للقاعدة للمناورة في سوريا والعراق وفي أماكن أخرى. وعلى الأرجح، فإنَّ العدد الكبير من المواقف الأيديولوجية المتصارعة في الشرق الأوسط اليوم سيمنع تشكيل تحالفاتٍ حاسمة ضدَّ أي قوة إقليمية – سواءٌ أكانت إيران أم الدولة الإسلامية. ومن المحتمل أن تظلَّ حالة “اختلال التوازن” هي التي تميز المنطقة لبعض الوقت.