Commentary

Op-ed

كيف يمكن للدول الخليجية أن تقود الاستجابة العالمية لفيروس كورونا المستجدّ

A police officer wears a smart helmet as he uses it to test the temperature of workers during the outbreak of the coronavirus disease (COVID-19) in Dubai, United Arab Emirates April 23, 2020. REUTERS/Ahmed Jadallah

مع تفاقم حدّة جائحة فيروس كورونا المستجدّ، يبدو من الواضح أنّه ما من بوادر لاستجابة دولية موحدة تلوح في الأفق، لا بل تقوّضت المنظّمات الدولية بسبب إجراءات محليّة، على غرار القرار غير المدروس الذي اتّخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف تمويل منظّمة الصحّة العالمية. وعوضاً عن التنسيق على المستوى العالمي، أُلقيت المسؤولية على عاتق الجهات الفاعلة الفردية والمحلّية والوطنية والإقليمية، ممّا أدّى إلى استجابات مُتغايرة وغالباً مُتناقضة للأزمة.

لكنّ غياب الاستجابة الدولية للجائحة أدّى إلى بروز خطوات تنسيق غير متوقّعة لكن إيجابية. ففي أواسط أبريل مثلاً، اتّفقت الدول الأعضاء الستّة كلّها في مجلس التعاون الخليجي، من ضمنها قطر، على إنشاء شبكة موحدة لأمن إمدادات الغذاء. وكان ذلك خطوة مفاجئة، نظراً إلى الحصار الذي تفرضه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على قطر منذ العام 2017. ويشير هذا الأمر إلى أنّه عندما واجهت الدول الخليجية عدواً مشتركاً مُرعباً قرّرت (على الأقل بشكل مؤقّت) أن تتغاضى عن خلافاتها الثانوية من أجل المصلحة العليا. 

علاوة على ذلك، قدّمت الأزمة دليلاً إضافياً على أنّ الولايات المتّحدة قد تخلّت عن دورها القيادي المعهود على الساحة العالمية، ففتحت مجالاً أمام لاعبين آخرين للارتقاء في سُلّم النظام العالمي. وقد سبق أن لفت عددٌ من المحلّلين الانتباه إلى أنّ دولاً أخرى، على غرار الصين، عمدت إلى ملء هذا الفراغ. بيد أنّ الأزمة تعطي فرصة أيضاً لدول على غرار تلك التي في الخليج لكي تبرز كدول رائدة عالمياً، بطرق غير معهودة.

الدول الخليجية تستجيب للجائحة داخلياً وخارجياً

سبق أن برهنت دول مجلس التعاون الخليجي قدرتها على التصرّف بفعالية لاحتواء التداعيات الصحّية والاقتصادية للجائحة داخل حدودها، ولو شاب أداءَها تقصيرٌ واضحٌ في ما يخصّ حماية العمال الوافدين. فقد اتّخذت خطوات حازمةً لمنع التجمّعات العامة وحظر السفر وتطبيق إجراءات الحجر والفحص والمحافظة على الخدمات الأساسية، مع التواصل باستمرار مع الشعب في الوقت عينه. وباشرت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بتطبيق رزم تحفيز اقتصادي بلغت قيمتها 97 مليار دولار، بهدف حماية القطاع الخاص.

وقدّمت الدول الخليجية كذلك مساعدات إنسانية كبيرة لدول أخرى منذ اندلاع الأزمة، لا بل تدخّلت أحياناً عندما رفضت الولايات المتّحدة أن تقوم بذلك. فقد بدأت قطر والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة بشحن الإمدادات الطبّية إلى الصين منذ فبراير. وفي الأشهر التي تلت، انعكست وجهة المساعدات وردّت الصين الجميل. وعرضت الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر تقديم المساعدات إلى إيران التي تأثّرت بشكل حادّ ومبكر بالجائحة. في المقابل، تابعت الولايات المتّحدة بفرض العقوبات على إيران فحدّت من قدرة الجمهورية الإسلامية على استيراد الأدوية اللازمة وعارضت إرشادات منظّمات مثل الأمم المتّحدة وهيومن رايتس ووتش. وبشكل منفصل، عرضت قطر أن تدعم برامج الأمم المتحدة التي تستجيب للجائحة في قطاع غزّة. وقد عانت هذه البرامج عينها ضغوطات شديدة في موازناتها منذ أن أوقفت الولايات المتحدة تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) في العام 2018.

ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي النظر إلى ما هو أبعد من مصالحها الوطنية

لقد برهنت جائحة فيروس كورونا المستجدّ أيضاً على أنّ دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على إحداث تغيير سريع على المستوى العالمي، لكنّ هذا التغيير لا يكون دائماً إلى الأفضل. فقرار المملكة العربية السعودية مثلاً بالانخراط في حرب أسعار النفط مع روسيا في وقت كان فيه الطلب العالمي يتباطأ بيّن أنّها تتحلّى بما يكفي من القوّة لإسقاط الأسواق العالمية بمفردها تقريباً. فبعد أن خفّضت المملكة العربية السعودية الأسعار وزادت الإنتاج انخفض سعر برميل النفط الخام برنت إلى أدنى مستوياته في عشرين سنة تقريباً، مشارفاً على عشرين دولاراً للبرميل. وقبلت دول “أوبك بلس” في نهاية المطاف أن تخفّض الإنتاج، لكن لم يجرِ ذلك قبل أن تشارف منشآت التخزين على الامتلاء وتنخفض أسعار النفط في الولايات المتحدة إلى ما تحت الصفر لأوّل مرّة في التاريخ.

وينبغي أن يشكّل الأثر الذي خلفّته تصرّفات المملكة العربية السعودية تحذيراً لِما يُمكن أن يحصل في حال تناحرت الدول في خلال الجائحة، فتُحارب كلُّ واحدة لأجل مصلحتها الخاصة لا أكثر. لذا، لتفادي هذا المصير، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من مواردها المالية والسياسية الضخمة للتضافر مع المجتمعات في أرجاء العالم، فتتعاون لتقود الاستجابة العالمية للجائحة. وفي حال نجحت الدول الخليجية في ذلك، بإمكانها أن تحضّر نفسها لتولّي مسؤوليّة تنسيق عمليات الاستجابة الدولية لتحديات عالمية مُلحّة أخرى، على غرار التغيّر المناخي وانتشار الأسلحة النووية.

كيف يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي قيادة عملية الاستجابة العالمية

هل تتحلّى دول مجلس التعاون الخليجي إذاً بالقدرة على البروز في الأشهر القادمة كدولٍ عالمية رائدة في الاستجابة لأزمة فيروس كورونا المستجدّ؟ وإن تحلّت بهذه القدرة، ما الخطوات التي ينبغي على حكوماتها اتخّاذها؟ علاوة على الدور القيادي المهمّ والبديهي التي تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي تأديته لتأمين استقرار أسواق الطاقة، نطرح هذه التوصيات الأربعة:

أولاً، والنقطة الأهم ربما، سيكون من الضروري للدول الأعضاء الستّة في مجلس التعاون الخليجي أن تعمل معاً لتحقيق الأهداف ذاتها. فينبغي على القادة العالميين الطامحين أن يبرهنوا على قدرتهم على إنشاء تحالفات مع جيرانهم والتعاون معهم. ومن المصلحة الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي أيضاً أن تعمل معاً للحدّ من الأثر الاقتصادي للجائحة ولأسعار النفط المنخفضة. ويتطلّب تحقيقُ ذلك المزيدَ من الخطوات التي تشبه القرار الذي اتّخذته مؤخّراً بإنشاء شبكة موحدة لأمن إمدادات الغذاء، وعلى نحوٍ مثاليّ تعليقَ الحصار على قطر طوال فترة الجائحة. 

ثانياً، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن تستفيد من رأس المال السياسي الكبير الذي حصّلته مع الإدارة الأمريكية الحالية لحثّها على اعتماد تغييرات حاسمة في سياساتها داعمة لجهود المنظّمات الدولية. وسيشكّل تشجيع الولايات المتّحدة على المتابعة بتمويل منظّمة الصحّة العالمية وعلى تخفيف عقوباتها على إيران بدايةً حسنة. فمن خلال العمل مع الولايات المتّحدة بهذه الطريقة، لن تكسب دول مجلس التعاون الخليجي مخزوناً من النيّة الحسنة لدى المنظّمات الدولية فحسب، بل ستمنح أيضاً دعماً كبيراً للدول الأعضاء ذات الدخل الأقل نسبياً لكي تعتمد على هذه المنظّمات لنيل المساعدة التقنية والمالية في خلال فترات المِحن.

ثالثاً، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن تتدخّل لحماية الشعوب الأكثر هشاشة في العالم من تداعيات الجائحة. فمن جهة، ينبغي على الدول الخليجية أن تحثّ على وقف الصراعات في المناطق المنخرطة هي فيها عسكرياً، شأن اليمن وليبيا. فمَن يعيش في المناطق التي تعاني صراعات يواجه خطراً أكبر بكثير إزاء الجائحة، التي تهدّد هي بدورها بمفاقمة الصراعات وزيادتها. من ناحية أخرى، ينبغي على الدول الخليجية في فترة الجائحة أن تقدّم حماية ودعماً أفضلَين لعمّالها الوافدين، الذين يعانون بشكل غير متناسب أصلاً. فعبر العمل على حماية السكّان الضعفاء في الداخل والخارج، تُبيِّن دول مجلس التعاون الخليجي أنّها تتحلّى بقيادة أخلاقية، ممّا يعزّز مكانتها الدولية إلى حدّ بعيد.

رابعاً، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن تستمرّ، على قدر المستطاع، بتقديم المساعدات الطبّية للدول التي هي بحاجة إليها، ولا سيّما تلك التي تعاني اقتصادات أضعف وموارد أقلّ. فعلى الرغم من أنّ دول مجلس التعاون الخليجي تواجه تحدياتها الخاصة على المديَين القصير والبعيد، لم يمنعها ذلك في الماضي من تقديمها المساعدات والمؤازرة بسخاء لمن هم بحاجة إلى مساعدات. ولهو من المصلحة الفضلى للدول الأغنى أن تدعم الدول الأفقر منها، إذ قبل القضاء على الفيروس في العالم كله ما من بلد بمأمن من بليّته.

تكمّل هذه النقاط الأربعة أعلاه الواحدة الأخرى ويمكن العمل على تطبيقها بالترادف. وعبر القيام بهذه الخطوات، لا تستفيد دول مجلس التعاون الخليجي على المستويَين الوطني والإقليمي فحسب، بل يمكنها تغيير مسار الجائحة العالمي أيضاً، مع ضمان دور قيادي رئيسيّ في عالم تزداد فيه الأقطاب تعدّداً.

Authors