Commentary

Op-ed

لِمَ لا يجدر بالولايات المتحدة التخلّي عن إقليم كردستان العراق؟

U.S. Defense Secretary Jim Mattis meets with Iraq's Kurdistan region's President Massoud Barzani in Erbil, Iraq, August 22, 2017. REUTERS/Azad Lashkari -
Editor's note:

تم نشر هذا المقال باللغة الإنكليزية في موقع الجزيرة باللغة الإنجليزية.

تلقّت العلاقات الأمريكية مع إقليم كردستان العراق ضربةً موجعة في الأسابيع الأخيرة. ففي أعقاب استفتاء الاستقلال الكردي، شنّت قوّات الجيش العراقي، بمؤازرة الميليشيات الشيعية التابعة لقوات الحشد الشعبي، هجوماً على قوّات البشمركة في إقليم كركوك المتنازع عليه مع إذعان الولايات المتحدة.

ويوم الثلاثاء، شنّت هذه القوّات هجوماً على منطقة فيشخابور على الحدود العراقية التركية، حيث يقع أهمّ مركز للنفط في كردستان العراق، لكنّ قوّات البشمركة تمكّنت من صدّ الهجوم. ثمّ وقعت اشتباكات أخرى يوم الخميس بعد أن نشرت بغداد قوّاتٍ إضافيةً في المنطقة.

وحاولت الحكومة العراقية، التي تعتمد بشكل كبير على النفط لتأمين الاستقرار الاقتصادي والسياسي، الاستيلاءَ على كركوك التي تشكّل محافظة حيوية استراتيجياً يُقدَّر أنّها تحوي حوالي 9 مليارات برميل من الاحتياطيات النفطية والتي تخضع إلى سيطرة أربيل منذ العام 2015. بيد أنّ محاولة بغداد الاستيلاءَ على منطقة فيشخابور قد يؤدّي إلى تفاقم الصراع ليصبح حرباً أهلية، وهذا أمر لا يسع الولايات المتحدة تحمّل تبِعات السماح به.

وكان قد حذّر المسؤولون الأمريكيون حكومةَ إقليم كردستان سابقاً من إجراء الاستفتاء ولكنّهم عجزوا عن إقناع القيادة الكردية بأنهم يستطيعون التوصّل إلى حلّ توافقي بين حكومة إقليم كردستان وبغداد بشأن الخلافات الراسخة. وحذّروا أيضاً من أن الاستفتاء سيؤدّي إلى مخاطر لا تستطيع الولايات المتحدة السيطرة عليها.

في المقابل، أعربت القيادة الكردستانية عن خيبة أملها إزاء ما تعتبره لا مبالاة وإهمال أمريكيَّين، لأنّ البيت الأبيض أكّد أنه لن ينحاز إلى أيّ جهة، فاعتبر الرأي العام الكردي إذعانَ واشنطن خيانةً.

وعلى الرغم من قرار واشنطن بدعم بغداد، لا تزال الولايات المتّحدة بحاجة إلى حكومة إقليم كردستان كحليف لها في العراق والمنطقة. فبدون مساعدتها، تخاطر واشنطن بخسارة مواقعها في العراق والسماح لإيران بإحكام قبضتها على البلاد.

السياسة الأمريكية المتقلقلة في العراق

استند قرار واشنطن بدعم بغداد في نزاعها مع أربيل إلى استراتيجيّتها القاضية بمساعدة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على ترسيخ السلطة وكبح النفوذ الإيراني.

إلا أنه عبر الإذعان لهجوم بغداد على كركوك، عزّزت الولايات المتحدة عن غير قصد قوّة الميليشيات المدعومة من إيران التي هيمنت على المجال الأمني ​​في العراق منذ انهيار القوّات المسلحة العراقية في العام 2014.

جدير بالذكر أن قوات الحشد الشعبي تتلقى دعمَ شرائح كبيرة من المجتمع الشيعي في العراق، ومن المؤكّد أنها ستغيّر خريطة البلاد السياسية في الانتخابات المقبلة في العام 2018. ومع أنّ صفوفَها تضمّ عدداً من الوحدات الموالية للدولة العراقية التي لا تنصاع لطهران، تخضع قوات الحشد الشعبي لقيادة ميليشيَتَين مرتبطتَين بطهران وسيطرتهما، ألا وهما منظّمة بدر وكتائب حزب الله.

وقد أسّس الحرس الثوري الإيراني منظّمةَ بدر في الثمانينيات، وصنّفت الولايات المتحدة كتائبَ حزب الله منظّمة إرهابية. وتشمل قوات الحشد الشعبي أيضاً عصائب أهل الحقّ التي أقامتها إيران وسلّحتها والتي شنّت هجمات لا تعد ولا تحصى ضدّ عسكريين أمريكيين منذ العام 2006.

وخيارات الولايات المتحدة من حيث الشركاء في العراق ليست كثيرة: فالفصائل في النخبة السياسية الراغبة في العمل مع واشنطن إما ضعيفة جداً أو غير مهمّة. وتميل أقوى الأحزاب والفصائل إلى التحالف مع إيران. أما المجموعة الوحيدة القوية المناهضة لإيران فيقودها رجل الدين المعادي للولايات المتحدة مقتدى الصدر، وهو على رأس التيار الصدر القوي التي يتبنى تقليدياً خطاباً قومياً عراقياً قوياً، إلا أنّ التيار مسيء جداً لغايات الولايات المتحدة، وهو المسؤول عن عدد لا يحصى من الفظائع والهجمات على المواطنين الأمريكيين.

وقد دعمت واشنطن العبادي الذي يفتقر إلى قاعدة شعبية وسياسية قوية بما فيه الكفاية، على أمل أن تحلّ مكاسب العراق العسكرية ضد تنظيم داعش أوجه قصوره. بيد أنّ هذه الاستراتيجية محفوفة بالتحديات، وقد تتداعى حتى قبل الانتخابات إذا واصل خصومه الطعنَ في رئاسته للوزراء والاستفادةَ من تزايد شعبيّتهم.

في الواقع، يعجز العبادي وحده عن التصدّي لإيران. وهنا يأتي دور حكومة إقليم كردستان. فإذا كانت واشنطن جادّة بشأن تحقيق الاستقرار في العراق، ينبغي عليها إصلاح علاقاتها مع الأكراد. وللقيام بذلك، يتعيّن عليها أن تحرص على أن تنال حكومة إقليم كردستان حصّة في الدولة العراقية وعلى أن يشارك الأكراد في حكومة بغداد، على الرغم من الأحداث الأخيرة. فمنذ العام 2003، لم يتمّ تشكيل أيّ حكومة من دون مشاركة كردية.

وقد عانت بغداد عجزاً في المصداقية والشرعية بعد أن حرمت الطبقةُ السياسية الشيعية الحاكمة العربَ السنّة حقوقهم وهمشّتْهم. وليس بإمكان بغداد أيضاً تحمّل خسارة الأكراد الذين يضطلعون عادة بدور صانع الملك (kingmaker) نظراً إلى الطبيعة المنتشرة للسلطة والسياسة في العراق وترتيبات تقاسم السلطة الطائفية المتأتّية عن ذلك.

وإذا غابت المشاركة الكردية من أجل تعزيز موقف العبادي، ستهيمن الفصائل المتشددة الموالية لإيران بالتأكيد على الحكومة وتحكم قبضتها على مؤسّسات الدولة. ولكي ينجح ترتيب من هذا النوع على الأجلَين القصير والطويل، ينبغي إرساء ترتيبات لتقاسم السلطة تتميّز بالإنصاف والعدل والاستدامة بشكل راسخ في النظام السياسي العراقي.

وتؤمّن حكومة إقليم كردستان للولايات المتحدة، كما فعلت على مرّ التاريخ، العمقَ الاستراتيجي في بلد تزداد فيه هيمنة الجهات المعادية لالتزاماتها وقيمها. ففي العام المقبل، قد لا يكون العبادي في الحكم حتّى. لكن باستطاعة الأكراد تعزيز النفوذ الأميركي في العراق، وذلك إذا حالت واشنطن دون محاولات بغداد المستمرّة الهادفة إلى وضع حكومة إقليم كردستان تحت الحصار الاقتصادي. وإذا حدث ذلك، قد يتفاقم الوضع ليصبح حرباً أهلية أخرى.