Commentary

Op-ed

رئيس الوزراء الهندي مودي يبني علاقات مع منطقة الخليج

كانت زيارة نارندرا مودي لدولة الإمارات العربية المتحدة والتي دامت لمدة يومين الأولى من نوعها لرئيس وزراء هندي منذ 34 عاماً. وتأتي هذه الزيارة لتكسر نمطاً من الإهمال الخفيف على مستوى التفكير الاستراتيجي الهندي الذي شهدته المنطقة على مدى عقود.

حتى يومنا هذا، كانت منطقة الخليج تُعتبر، بشكلٍ حصري تقريباً، كمصدر للمواد الهيدروكربونية والتحويلات المالية. وقد وصفها رئيس الوزراء السابق مانموهان سينغ بأنها المنطقة الاقتصادية الطبيعية بالنسبة للهند. فقد بلغت التبادلات الاقتصادية بين الهند وغرب آسيا حوالي 186 مليار دولار أمريكي في العامين 2013-2014، مما جعلها أكبر شريك تجاري للهند.

إنّ حصّة دولة الإمارات العربية المتحدة من هذا التبادل التجاري كبيرة جداً وتوازي 60 مليار دولار أمريكي. كما وأنها ثاني أكبر مستورد لصادرات الهند مع أكثر من 30 مليار دولار. وهي رابع أكبر مصدّري النفط إلى الهند. هذا ويجعل احتياطي العملات الأجنبية الكبير من دول الخليج مستثمرين محتملين – تسعى الهند وراءها بغية تحقيق طموحاتها في البنية التحتية. زد على ذلك أنّ دولة الإمارات العربية تأتي في المرتبة العاشرة من بين المستثمرين الأجانب في الهند.

وفي حين تبيع دول الخليج الفائض من نفطها وغازها، تبيع الهند فائضها من القوى العاملة. تستضيف المنطقة حوالي 7 ملايين هندي يساهمون بحوالي 50 مليار دولار على شكل تحويلات مالية.

 إلا أنّ أهمية الخليج بالنسبة للهند تتنامى حالياً لتتخطى هذه المصالح التجارية. هذه هي نتيجة عددٍ من العوامل المترابطة. أولاً، إنّ الطاقة المستوردة باتت تلبّي نسبة متزايدة من متطلبات الهند. ومن المتوقع أن يزيد الطلب على النفط بشكلٍ أسرع من العرض. تواجه الاحتياطات المحلية تحديات هامة، نذكر منها البنية التحتية وتمرد الماويين في الجزء الشرقي من البلاد الغني بالطاقة. إن الاعتماد المتزايد في مجال الطاقة يمنح للعلاقة في هذا المضمار بعداً أكثر استراتيجية.

ثانياً، يهدد ضعف الدولة المتزايد في منطقة غرب آسيا الأوسع مصالح الهند الاقتصادية في الخليج. تتعاظم قوة الجهات غير الحكومية، وكذلك تزداد مصادر الهويات التي لا تمثل دولاً، بما فيها تلك الهويات (الفرعية) التي تتسم بصبغة طائفية وقبلية. وتزداد حدة عدم الاستقرار المتزعزع بفعل ردات فعل الحكومة إزاء البيئة العدائية، بما في ذلك السباق المحتمل إلى التسلح بين المملكة العربية السعودية وإيران. يرى صناع السياسة الهنود أن القوى العظمى الحالية المعنية بشؤون المنطقة تفتقر إما إلى القدرة على تسهيل الاستقرار أو إلى الإرادة للقيام بذلك.

ثالثاً، تقع منطقة غرب آسيا عند الجهة الغربية من المحيط الهندي، وهي منطقة تعتبرها نيودلهي مجالها الشرعي من النفوذ الاستراتيجي، ولكنها تشهد وجوداً عسكرياً صينياً متزايداً.

رابعاً، شكّلت منطقة غرب آسيا حتى الآن منظاراً يمكن من خلاله رؤية ديناميكيات القوة بين أهم اللاعبين العالميين. فلكلٍ من الولايات المتحدة وروسيا أصدقاء استراتيجيون معروفون جيداً في المنطقة، دولٌ تعتمد عليهما للحصول على الدعم الدبلوماسي والعسكري. إلا أننا نلاحظ اليوم تراجعاً في مصالح الولايات المتحدة ونفوذها، مما يتيح الفرصة أمام قوى عظمى أخرى متنامية للتدخل. وتخطو الصين في هذا المضمار خطوات سريعة.

إن تمتع بكين بنفوذ محتمل على أمن الطاقة الهندي سيرعب حتى صناع السياسة الهندية الأكثر تفاؤلاً. يمكن القول إن الهند أكثر اعتماداً على الواردات من الخليج مما هي حال كلٍ من الصين أو الولايات المتحدة أو روسيا.

ترحّب الدول الخليجية بمنطقة متعددة الأقطاب في غرب آسيا، وهي تسعى إلى تنويع شراكاتها الاستراتيجية. تستفيد الهند، بمجرد دخولها لعبة غرب آسيا الاستراتيجية، من صورتها الحميدة والتعددية التي تتمتع بها في جميع أنحاء المنطقة، وكذلك من الروابط التاريخية والثقافية القديمة التي تربطها بالإسلام. فزيارة مودي للمسجد الكبير يوم الأحد هي خطوة لتعزيز هذه الروابط  والتخلص من صورته السلبية بين الناس في العالم الإسلامي.

وكما سبق وفعل وزير الخارجية  الهندي سوشما سواراج، أقرّ مودي بالقيمة الاستراتيجية للجالية الهندية من خلال التركيز على هذه الجالية أثناء زيارته. خلافاً لما حصل في ماديسون سكوير في نيويورك وأولمبيك بارك في سيدني، ضم الجمهور الذي خاطبه مودي في استاد دبي الدولي يوم الاثنين أعداداً غفيرة من الجالية الهندية، أكثر مما ضم أشخاصاً من أصلٍ هندي. ولم يكن الحضور، الذي تشكّل بالأغلب من مغتربين هنود من جنوب الهند ومن المسلمين، من الداعمين التقليديين لحزب «بهاراتيا جاناتا» كما كان الحال في الولايات المتحدة وأستراليا.

إذا كان مودي سيستجيب كما يجب للتغيرات التي تؤثر على الخليج، فبإمكانه أن يتعلم من واشنطن وموسكو اللتين تجمعهما علاقات مع  غرب آسيا تفوق مسألة “النفط من أجل تحقيق الأمن”. تقوّي هذه العلاقات مجموعةٌ متنوعةٌ من الأسس الأيديولوجية المشتركة، والتجارب التاريخية وتركة من العلاقات الحكومية والعلاقات الشخصية. يمكن أن تكون هذه الزيارة تأشيرة لطالما انتظرتها الهند للدخول إلى غرب آسيا.