Commentary

Op-ed

حذار من “ديكتاتور ليبيا العادل”

“نحن على الارجح بحاجة إلى ديكتاتور عادل”. هكذا قال لي صديقي خلال زيارةٍ قمت بها إلى ليبيا في يناير 2013. كان يشير بقوله هذا إلى شعور عام باليأس الذي بدأ يسود بين الشعب الليبي؛ فقد كان الوضع الأمني قد تدهور والليبيون يبحثون عن مخلّص.

 وفي خضم هذا الوضع القاتم، برز خليفة حفتر، وهو لواء ليبي نصّب نفسه مخلّصاً لبلد يعاني من انقسامات عميقة. في حين أن حفتر يبدو استجابةً لدعاء صديقي والعديد من الليبيين أن يقود “ديكتاتور عادل” البلاد خلال الفترة الانتقالية المضطربة التي تمرّ بها، إلا أنّه يحيي شبح انقلاب العام 1969 المشين الذي نفذه العقيد معمر القذافي والعذاب الجماعي التي تلاه. وبالتالي، يتساءل الكثير من الليبيين ما إذا كان اللواء حفتر هو المخلّص المنتظر أو أنه مجرد ديكتاتور آخر؟

 في كلتا الحالتين، على واشنطن أن تكون حذرة. إذ إنّ استيعاباً علنياً أو دعماً غير مباشر لقائد جديد بعد فترة وجيزة على إطاحة ليبيا بديكتاتورها، لن يكون من شأنه تقويض التحول الديمقراطي فحسب، بل أيضاً سيقلل من مصداقية أمريكا في الشرق الأوسط.

لو لم يكن اللواء حفتر موجوداً، لخلقه الشعب الليبي. نظراً للفوضى العارمة في ليبيا، لا ينبغي أن يكون بروز حفتر أمراً مستهجناً،. أما الأمر المستغرب في الموضوع، فهو عدم ظهور اللواء حفتر، أو شخص مثله، قبل هذا الوقت بكثير.

يعاني الليبيون، منذ انهيار نظام القذافي في أكتوبر 2011، من تفشّي حالة انعدام الأمن وجهلهم لمصير بلدهم. أصبحت ليبيا ما بعد القذافي دولتين موازيتين: الدولة الرسمية، التي لا تملك سلطة على الأرض؛ ودولة الميليشيات، التي تخلق حقائق على الأرض. وقد يكون المثال الأكثر فظاعة على غياب السلطة المركزية، عندما اختطفت الميليشيات رئيس الوزراء السابق علي زيدان في أكتوبر 2013. لا تُعتبر ليبيا دولة فاشلة فحسب، بل هي أيضاً على شفا حرب أهلية.

إنّ الحالات التي يبرز فيها جنرالات أقوياء وسط حالات من الفوضى وحروب أهلية لا تنحصر على ليبيا فحسب. ففي اليمن، جاء الرئيس علي عبد الله صالح إلى السلطة في العام 1978 بعد أن عانت البلاد حرباً أهلية. أما في لبنان، فقد مهّدت الحرب الأهلية الطريق للعماد ميشال عون أن يصبح رئيساً لحكومة عسكرية جاءت إلى السلطة في العام 1988. وفي الآونة الأخيرة، تتوّجت عملية الانتقال المضطربة في مصر بتبوّء القائد العام للقوات المسلحة السابق عبد الفتاح السيسي السلطة. في الواقع، يظنّ العديد من الناس أنّ اللواء حفتر سيكون “سيسي ليبيا”.

إلا أنّ تاريخ القادة العسكريين الذين استولوا على السلطة ومن ثم دفعوا ببلدانهم نحو مزيد من الفوضى هو أمر يجب أن يقف عنده صناع السياسات في الولايات المتحدة.

 تجدر الإشارة إلى أنّ اللواء حفتر يمتلك تاريخاً مثيراً للجدل في ليبيا. فقد كان فرداً مشاركاً في الفريق الذي نفّذ انقلاب العام 1969، وقاد في ما بعد حرباً مثيرة للجدل ضد تشاد بين العامين 1978 و1987. وبعد هزيمة ليبيا في الحرب، توجّه اللواء حفتر إلى الولايات المتحدة، حيث أصبح مواطناً أمريكيا وكرّس نفسه لإسقاط نظام القذافي.

مع بداية ثورة العام 2011، عاد اللواء حفتر إلى ليبيا وقاتل جنباً إلى جنب مع الإسلاميين الذين يدينهم الآن. وفي حين اّنه يقدّم نفسه على أنّه موحّد ليبيا، يرى البعض حركته كرد فعل على قرار ليبيا المثير للجدل بحظر جميع أعضاء حكومة العقيد القذافي الكبار من تولي مناصب عامة، بما في ذلك اللواء حفتر.

بغض النظر عن دوافع اللواء حفتر، إنّ ما تحتاج إليه ليبيا هو حوار وطني شامل، وليس تشكيل مليشيا إضافية أو تنفيذ عملية انقلاب.

من المرجح أن يؤدي توافق اللواء حفتر مع الميليشيات إلى تشكيل تحالفات أخرى بين صفوف المقاتلين الليبيين الذين يبلغ عددهم 250,000 مقاتل وتعميق الانقسامات في ليبيا، وربما حتى إلى جرّ البلاد نحو حرب أهلية مطلقة. من بين هؤلاء المقاتلين، 30,000 فقط قاتلوا ضد جيش العقيد القذافي؛ أما الباقون فقد تسلّحوا في وقت لاحق.

لقد استفاد العديد منهم، على مدى العامين الماضيين، من الفوضى التي تكتنف البلاد – ووجدوا منفعة في الحفاظ عليها. لن يستسلم أمراء الحرب، ولا الجماعات الإسلامية، ولا الثوار الآخرين الذين قاتلوا ضد حكومة القذافي أمام حركة اللواء حفتر – وهذا يطرح تهديداً خطيراً على استقرار ليبيا في المستقبل.

وما كان من قبول واشنطن لحركة اللواء حفتر إلا أن زاد الأمور سوءاً. نُقل عن ديبورا جونز، سفيرة الولايات المتحدة لدى ليبيا، قولها: “لن أدين ما فعله بشكل قاطع”، وذلك لأن قوات اللواء حفتر قاموا بمقاتلة بعض الجماعات الموضوعة على قائمة واشنطن الإرهابية.

وبسبب تركيز الولايات المتحدة على الأهداف قصيرة المدى في مكافحة الإرهاب، تعود السياسة الخارجية الأمريكية إلى عادتها الوضيعة في التسامح مع الديكتاتوريات وإعطاء الأولوية للحلول الأمنية. وبالتالي، فإنّ أمريكا تسمح لليبيا أن تنزلق نحو حرب أهلية بدلاً من أن تساعدها على الانتقال إلى حالة من السلام، والديمقراطية، والتعددية. لذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تضغط على اللواء حفتر كي يستخدم سلطته لدعم حوار وطني شامل من شأنه أن ينتج عقداً اجتماعياً جديداً في نهاية المطاف، وأن يضع ليبيا على طريق يؤدي إلى السلام والمصالحة.

سواء كان عادلاً أو ظالماً، يبقى الديكتاتور ديكتاتوراً. تمكّنت ليبيا أخيراً من التخلّص من الحكم الاستبدادي، وينبغي ألا تعود الى الوراء.