Commentary

Op-ed

تقدم الدولة الإسلامية لا ينحصر في العراق فحسب بل يتخطاه إلى سوريا

منذ سيطرتها على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية في العاشر من يونيو، حظيت الدولة التي تطلق على نفسها اسم الدولة الإسلامية وتقدمها المستمر في العراق على اهتمام كبير. في الثاني من أغسطس، سيطر مقاتلو الدولة الإسلامية على بلدة سنجار ذات الأغلبية اليزيدية في الثاني من أغسطس، وعلى حقول النفط والمصافي في زومار ووانا وعين زالة في الثالث من الشهر عينه. ومع حلول السابع من أغسطس، أوفدت المعلومات أن الدولة الإسلامية استولت على مدينة قرقوش المسيحية على مقربة من الموصل وجسر الموصل وقريتي غاور ومحمور الواقعتين على بعد 30 كلم فقط من أربيل عاصمة كردستان العراق. بكل المقاييس، لا تهدد هذه المكاسب بشكلٍ كبير وعميق استقرار العراق على المدى الطويل فحسب، إنما تهدد أيضاً احتمالات الأمن في المنطقة أجمع.

إلا أن الدولة الإسلامية لا تحقق المكاسب في العراق فقط. بعد نحو عام على الحد الأدنى من المواجهات مع الحكومة السورية، تجد الدولة الإسلامية نفسها الآن في خضم هجوم كبير على منشآت الجيش العربي السوري في شمال شرق سوريا. 

منذ منتصف شهر يوليو، جددت الدولة الإسلامية عملياتها العدائية مستهدفةً نقاطاً تابعة للحكومة السورية، بدءاً من حقل النفط في الشاعر في محافظة حمص التي استولت عليه في 17 يوليو، مما أدى إلى مقتل 270 شخص على الأقل من الجنود ورجال الأمن والمدنيين. وكما كانت المنشأة تُعتبر مصدراً كبيراً للغاز الطبيعي، كذلك شكلت قاعدة عسكرية كبيرة، ويُعتقد أن الدولة الإسلامية استولت على 15 شاحنة وترسانة واسعة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة من هذه المنشأة قبل أن تنسحب منها في 26 يوليو.  

في 24 يوليو، توسّع هذا التركيز على ضرب أهداف حكومية قيّمة من الناحية الاستراتيجية ليشمل على نحوٍ واسع عمليات في الرقة والحسكة وحلب. في 25 يوليو، استولت الدولة الإسلامية على الفرقة 17 التابعة للجيش العربي السوري في الرقة، وفي 26 من الشهر عينه استولت على الفوج 121 التابع للجيش العربي السوري في الحسكة. في غضون ذلك، كانت التفجيرات الكبيرة والهجمات الدورية تُنفّذ على قاعدة كويرس الجوية (المنشأة السورية الأساسية التي كانت قبل الحرب مخصصة للتدريب الجوي) في حلب، وأهداف تابعة للجيش العربي السوري وأهداف كردية حول مدينة الحسكة، ومراكز كردية حول عين العرب (أو كوباني)، ومراكز تابعة للجيش العربي السوري في مدينة دير الزور. وأثناء الليلة الماضية، أضافت الدولة الإسلامية نصراً جديداً إلى لائحة انتصاراتها بعد أن سيطرت على اللواء 93 التابع للجيش العربي السوري في الرقة.

لا تكمن أهمية هذه المكاسب الاستراتيجية في دورها في إضعاف الجيش العربي السوري في المناطق المحيطة بالأراضي التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية فحسب، إنما على نحوٍ أهم في تقوية قدرة التنظيم، بشكلٍ مباشر، على متابعة توسيع قدراته العسكرية. فعلى سبيل المثال، إن مراقبة صور السيطرة على الفوج 121 مراقبة سطحية، تبيّن أن الدولة الإسلامية استولت على 12 مدفع ام 46 130 ملم واغتنمت العشرات من صناديق الذخيرة على الأقل، علماَ أن أنظمة المدفعية الطويلة المدى هذه يمكن أن تضرب أهدافاً تقع على بعد 27 كلم. علاوةً على ذلك، تحتوي القاعدة على الأقل على سبع شاحنات تحمل منصات إطلاق صواريخ متعددة، ووفقاً لحساباتي، فإنها مرفقة على الأقل بـ 400-500 صاروخ غراد 122 ملم. استناداً إلى نوع صاروخ الغراد، يمكن لهذه الصواريخ أن تضرب أهدافاً تقع على بعد يتراوح على الأقل بين 15-20 كلم. إلا أن أسلحة المواجهة لم تكن القدرة الوحيدة التي حققها التنظيم جراء سيطرته على الفوج 121، إذ تمت السيطرة كذلك على عدد من دبابات تي 55 التشغيلية بالإضافة إلى مئات قذائف الأر بي جي وعشرات الألاف من علب الذخيرة الخاصة بالأسلحة الصغيرة، وعشرات الآليات العسكرية، والبنادق، والقذائف اليدوية وعددٍ من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.

كذلك تم الاستيلاء على كمياتٍ كبيرة من السلاح في كتيبة الفرقة 17 والكتيبة 93، علماً أنه من المحتمل أن تكون الأخيرة مليئة بعددٍ من الآليات العسكرية، بما في ذلك الدبابات. وبشكلٍ مثير للإهتمام، تم استعمال منصات إطلاق صواريخ بي إم 21 في الهجوم الأخير على الكتيبة 93 في السادس من أغسطس (بدأ الهجوم فعلياً واحتدم في 31 يوليو)، مما يشير على وجه التقدير إلى التأثير الإضافي المترتب على السيطرة على الأسلحة (من الفوج 121) مع القدرة على تنفيذ هجمات لاحقة ناجحة.

يثير هذا الأمر سؤالاً لا مفر منه حول السبب الذي دفع الدولة الإسلامية إلى اختيار إعادة شنّ عمليات ضدّ الحكومة السورية حين قامت بذلك (في الحقيقة، قد يكون السؤال الأكثر دقة هو السبب الذي دفع الجيش العربي السوري إلى اختيار البدء بشن غارات جوية مستهدفاً مراكز الدولة الإسلامية في يونيو). ولما كانت الهجمات ضدّ الجيش العربي السوري قد توقفت في منتصف العام 2013 (وتلك التي يشنها الجيش العربي السوري)، حظيت نظرية تعاون الدولة الإسلامية مع نظام الأسد على اهتمام بعض الأوساط. نظراً لتاريخ التسهيلات والتلاعبات الطويل التي قدمته المخابرات السورية للجهاديين السُّنة – بما في ذلك التنظيم السابق للدولة الإسلامية، القاعدة في العراق – بدا، وفقاً للنظرية، من المرجح أن الأسد قد استخدم هذه العلاقات للمساعدة على دعم أجنبي لتقسيم المعارضة السورية وإضعافها. 

إن توسّع الدولة الإسلامية عبر شمال سوريا في العام 2013، قسّم فعلياً المعارضة وأضعفها. بالإضافة إلى ذلك، من شبه المؤكّد أن نظام الأسد قد اختار استراتيجياً عدم مواجهة أولئك الذين تفيد أعمالهم بكل وضوح استمرارية حكمه. ولكن، يبقى احتمال وجود تعاون بين السلفي الجهادي أبو بكر البغدادي ودائرته المغلقة من المساعدين والقادة العسكريين التي تحيط به من جهة وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يترأسه علوّي من جهة أخرى نظرية بعيدة. 

يمكن تفسير قرار الحكومة السورية بعدم استهداف الدولة الإسلامية، والتركيز بدلاً من ذلك على مواجهة فصائل المعارضة الأخرى، وعلى ضمان أمن الأراضي الممتدة بين دمشق وحمص والمؤدية إلى طرطوس واللاذقية، بالحاجة إلى التركيز على الأولويات الفورية. كذلك، ركّزت الدولة الإسلامية على الأولويات العاجلة لإنشاء قاعدة على الأرض ومواجهة المعارضة التي ترتفع وتيرة عدائيتها، ووحدات الحماية الشعبية (YPG) ذات القدرة العالية. 

لا تتجلى زلة الأسد الكبرى (أو نقطة ضعفه) في عدم أخذ احتمال عودة الدولة الإسلامية مع قدرة أكبر على إضافة أهداف جديدة إلى أهدافها المباشرة. ويبدو أن هذا ما حصل بالفعل. تسلّحت الدولة الإسلامية بالزخم الذي حصلت عليه من انتصاراتها في العراق، مدعماً بكميات كبيرة من الأسلحة التي نُقلت من العراق إلى سوريا، وتمكنت الدولة الإسلامية من السيطرة بشكل شبه كامل على ريف دير الزور. في منتصف يوليو، وجدت الدولة الإسلامية نفسها في مركز حيث أصبحت الآن قادرة على محاولة توسيع رقعة الأراضي التي تسيطر عليها داخل سوريا. ولما كانت الدولة الإسلامية قد انسحبت تقريباً من نصف أراضيها في سوريا بين يناير ومارس 2014، أصبحت، حالياً، قوة قادرة عسكرياً بشكلٍ كافٍ لتحاول مجدداً، وإن كان مع المزيد من القوى البشرية، و الأموال والأسلحة. 

بشكل عام، إنّ المكاسب العسكرية والاعتداءات المستمرة التي تشنها الدولة الإسلامية في العراق وسوريا غاية في الأهميةً. على الرغم من حصول التنظيم على دورٍ في لبنان عبر الأحداث الأخيرة التي شهدتها بلدة عرسال، فمن غير المرجح أن يستأثر لبنان على تركيز التنظيم المباشر. 

في سوريا، من المرجح أن الدولة الإسلامية ستسعى إلى المحافظة على زخمها الهجومي، وذلك من خلال الاستمرار في استهداف المراكز المتبقية التابعة للحكومة والجيش العربي السوري، وسيطرة وحدات الحماية الشعبية (YPG) في الحسكة والرقة وشرق حلب، موسعةً بذلك نطاق ولاياتها الموجودة في البركة (الحسكة)، الرقة، وحلب. ستشكل المرحلة الرابعة من مراحل استراتيجية الدولة الإسلامية العسكرية أي “التمكين” عاملاً حاسماً يحدد إلى أي مدى ستكون استدامة سيطرتها الموسعة في الأشهر المقبلة.

سيجلب التمرد المستمر الذي تقوم به عشيرة الشعيطات في دير الزور (والتي أطلقت عليها الدولة الإسلامية تسمية ولاية الخير) الموارد في الأيام وربما الأسابيع المقبلة، مع سعي الدولة الإسلامية إلى تعزيز مكانتها في المنطقة الشرقية على طول نهر الفرات ونهر الخابور. بينما تبدو إنتفاضة عشيرة الشعيطات من الناحية الرمزية هامة جداً في التأكيد على السخط المضطرب داخل قطاعات المجتمع السوري غير الراغبة في الخضوع لحكم الدولة الإسلامية، من غير المرجح أن تكون القوة العشائرية، المسلحة بشكلٍ سيء نسبياً، قادرة على الصمود ضد هجوم الدولة الإسلامية المضاد والنشط.

تبدو الدولة الإسلامية قوةً لا تُقهر في شمال شرق سوريا (والعراق) في الوقت الراهن، وفي القريب العاجل قد يبدو ذلك تقييماً دقيقاً. لا يبدو أن الحكومتين السورية أو العراقية، أو الأكراد، أو المجموعات المسلحة الأخرى، أو الحكومات الغربية تتمتع بالقدرة أو الإلحاح أو العزيمة لتنفيذ القرارات والأعمال الضرورية لبدء عملية قتال طويلة الأمد.

وفي حال تمكنت الدولة الإسلامية من تعزيز مكاسبها في شمال شرق سوريا، فإنها ستضع المنطقة الغربية نصب أعينها كهدفها التالي بدءاً من قاعدة كويرس الجوية، والأراضي الكردية حول عين العرب،وستستهدف بشكل حاسم ما تبقى من حلب وإدلب وحتى ربما اللاذقية. وفي حال دخل هذا الاحتمال حيّز التنفيذ، ستواجه الدولة الإسلامية معارضة أكثر شدة – بما في ذلك ة مجموعات الجبهة الإسلامية، والائتلافات المعتدلة المدعومة حديثاً على غرار جبهة ثوار سوريا وحركة حزم ووحدات الحماية الشعبية (YPG). سيشكل ذلك اختباراً واضحاً للمعنيين جميعاً، مع نتائج هامة ستؤثر على مستقبل الصراع والدولة الإسلامية.