Commentary

Op-ed

النفط خلال الأوقات الصعبة؟

قال الدكتور صموئيل جونسون: “عندما يعرف المرء أنه سوف يُعدم خلال أسبوعين، فإنه يركّز ذهنه بشكل مذهل”. وينطبق الشيء نفسه على مُنتج رئيسي للنفط عندما ينخفض السعر دون 28 دولاراً للبرميل، كما حدث يوم الجمعة. وفي مقابلة لنجل الملك السعودي البارز محمد بن سلمان مع مجلة ذي أيكونوميست، كشف أن خطط الإصلاح الاقتصادي في المملكة العربية السعودية هي مكثّفة بالتأكيد. ولا شيء يبدو أروع بالنسبة للمستثمرين العالميين من الاقتراح أن المملكة يمكن أن تبيع حصة في شركتها النفطية الوطنية العريقة، أرامكو. تثير فكرة الطرح العام الأولي لأرامكو بعض الأسئلة المدهشة. ما هي قيمة أرامكو؟ كيف يُنظّم هذا العرض العامّ الأولي؟ وماذا يأمل السعوديون أن يحققوا؟

أولاً، لا بد من تقدير حجم شركة النفط الحكومية السعودية الهائل. مع الاحتكار المحلي، يبلغ إنتاجها أكثر بقليل من 10 مليون برميل من النفط يومياً – أي أكثر من عِشر الناتج العالمي وضعف ما تنتجه ثاني أكبر شركة نفط في العالم، شركة روسنفت الروسية. تملك أرامكو أكبر احتياطيات النفط التقليدية في العالم، رسمياً 265 مليار برميل، وإنتاجها أيضاً من بين الأرخص، بمعدّل أقل من 10 دولار للبرميل. كونها رابع أكبر شركة تكرير في العالم، تدعم مشاريعها المشتركة في الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية قدرتها على الوصول إلى الأسواق العالمية وتقوّيها.

كما وتُعتبر أرامكو أصلاً (asset) استراتيجياً وطنياً وعالمياً. تمّ تأميم أرامكو، وهي بالأصل اتحاد يضم أكبر أربع شركات نفط أمريكية في العام 1980 بشكلٍ تدريجي ، الأمر الذي ضمن لها المهارة التقنية والإدارية. وإذ تحظى باحترام كشركةٍ محترفة وفعالة – بالمقارنة مع عددٍ من شركات النفط الحكومية ذات الإدارة السيئة -أنتجت هذه الشركة 77 بالمئة من ميزانية الحكومة السعودية في العام 2015، علماً أن النفط يشكل 45 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد. والأهم من ذلك، يسمح إنتاج 2 مليون برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية الفائضة للرياض أن تأثّر على أسعار النفط العالمية – فتعاقب الدول المتمردة الزميلة لها في منظّمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، أو تحاول أن تدفع المنافسين ذوي التكلفة العالية، كشركات النفط الصخري الأمريكية، من السوق.

إذاً ما هي قيمة هذه الشركة العملاقة؟ هذا تمرين لصناعة أرقام كبيرة: 781 مليار دولار أمريكي كما اقترحت شركة ماكنزي في العام 2005، و2,5 ترليون دولار أمريكي وفقاً لوكالة بلومبيرغ، أو أكثر من 10 ترليون دولار حسب المستشار الاقتصادي والنفطي السعودي السابق محمد الصبان. قارن هذه الأرقام بقيمة إحدى أكبر الشركات المدرجة على لائحة شركات النفط، أي شركة إكسون موبيل البالغة قيمتها 350 مليار دولار أمريكي.

تبقى هذه التقديرات من دون معنى ما لم نوضح أمرين: احتياطي أرامكو وإنتاجها من النفط، وطريقة فرض الضرائب عليها.

أشار بعض المراقبين إلى مبالغة كبيرة في تقدير الاحتياطي السعودي. تقدر إحدى المؤسسات الاستشارية أن السعودية تمتلك احتياطياً يصل إلى 204 مليار برميل، أي أقل من الرقم الرسمي. إلا أن هذه النقاشات تغفل النقطة الأساسية: حتى وإن كان الرقم الحقيقي أقل من الرقم المعلن عنه، فهو يعادل إنتاج 50 عاماً بالمستويات الحالية. ويمكن أن نقارن ذلك بشركة عامة كشيل، التي يصل عمر احتياطي النفط لديها إلى نحو 11 عاماً.

وقال أمين الناصر، المدير التنفيذي لأرامكو منذ سبتمبر الماضي، إن الشركة خططت في العام 2008 إلى زيادة احتياطي النفط لديها إلى 450 مليار برميل مع حلول العام 2020. يبدو ذلك مبالغاً به، ولكن لا شكّ أن السعوديين يمكنهم أن يحافظوا على إنتاجهم لعقود ويزيدوه، معززين الانتعاش من خلال الحقول المعروفة واكتشاف موارد حديثة. وبالكاد يُحتسب النفط الذي سيُنتج في العام 2050 في التقدير الراهن – حتى وإن افتُرِض وجود سوق له. إن معدل النضوب البطيء هذا يعني أن حكم التجربة البسيط لتقييم شركة نفطية استناداً إلى ما تملكه من احتياطي لا يعني الكثير بالنسبة لأرامكو.

لا نعرف الكثير عن كيفية فرض الضرائب على أرامكو اليوم، وهذا ليس بالأمر المهم حين تمتلك الدولة الشركة كاملةً. قد تحتاج شركة أرامكو إن كانت شركة خاصة جزئياً إلى خطة ضرائب محددة لتسديد الجزء الأكبر من الأرباح للحكومة السعودية، بينما تترك لها أموالاً كافية لإعادة الاستثمار. على سبيل المثال، اختنقت شركة بيميكس النفطية المكسيكية بالقواعد التي نقلت نحو 60 بالمئة من عائداتها – وليس أرباحها – إلى الحكومة.

يمكن لبيع 5 بالمئة من الشركة أن يحصد بسهولة 50 مليار دولار أو أكثر، وهو العرض العامّ الأولي الأعلى على الإطلاق وأكبر من أن تتمكن السوق المالية السعودية (تداول) والتي تقدر بـ 350 مليار دولار من امتصاصه – وهو يتطلب إدراجاً إما في لندن أو نيويورك. ولكن مجدداً قد يتطلب ذلك إفصاحاً تاماً عن البيانات المالية واحتياطي النفط، وهي أمور تُعتبر ملفات حكومية سرية، وكشفها أمام دعاوي المساهمين وقوانين مكافحة الفساد وغير ذلك من الأعين غير المرحب بها.

إن إدراج جزءاً من الشركة فقط يمكن أن يجنّب حدوث مثل هذه المسائل الصعبة. نظراً لكونه أصغر وأسهل على السوق أن يحتويه، لا يزال هذا النهج يحتفظ بخيار بيع أجزاء أخرى في وقت لاحق. يمكن لشركة أرامكو أن تطرح أسهماً في وحدة التكرير والبتروكيماويات ووقود التجزئة. يتم التداول أصلاً بـ 25 بالمئة من مصفاة بترو رابغ في السوق المالية السعودية (تداول). أو يمكن للشركة أن تأسس شركة تابعة تضمّ عدداً أقل من حقول النفط والغاز، وتبقى الأصول غير النفطية، على غرار الخدمات الاجتماعية، مع الشركة الأم. من شأن ذلك أن يخوّل المستثمرين من الوصول إلى قطاع التنقيب عن النفط وانتاجه المرغوب، ولكن من دون الإفصاح عن الكثير من المعلومات المتعلّقة باحتياطيات البلاد العامة. كما أن من شأنه أن يخفف أي اعتراضات من جهات وطنية على بيع الحق الطبيعي للبلاد. هذا هو النهج الذي اعتمدته شركات النفط الحكومية الصينية مع شركة بتروتشاينا، إحدى الشركات التابعة المتداولة في هونغ كونغ.

إذاً، لماذا يفكّر السعوديون في مثل هذه الخطوة الجذرية الآن؟ رغم أنها تعاني عجزاً كبيراً في الموازنة من المتوقع أن يبلغ 87 مليار دولار أمريكي هذا العام، لا يزال مجموع صافي الأصول الأجنبية يبلغ 628 مليار دولار أمريكي ومعدل الدين 5,8 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. إذاً، ما من حاجة ملحّة للسيولة النقدية.

إنّ إدراج أي جزء من أرامكو سيكون عملية طويلة، لذلك من الجيّد البدء الآن. ولكن أبعد من مسألة المال، لا بدّ من النظر إلى اقتراح الاكتتاب العام كجزء من خطة إعادة هيكلة الاقتصاد الطموحة التي أعلنها الأمير محمد. بالنسبة إلى العالم الخارجي –وبخاصة الشركات المنتجة للنفط المنافسة – أن تكون شركة أرامكو أقوى يشير إلى أن السعودية مستعدة لإبقاء الإنتاج على مستوى عالٍ ولتجاوز فترة طويلة من أسعار النفط المنخفضة. من شأن مساهمة صندوق صيني حكومي، على سبيل المثال، أن توفّر بعض الضمانات السياسية لآل سعود.

أما بالنسبة للداخل، يمكن أن يكون التأثير أكبر من ذلك. فقد اعتُبر المزيد من الشفافية منفعةً. مما لا شك فيه أنّ أرامكو فعالة، ولكن قد لا تكون كذلك كونها حكراً على الدولة. قد يكون الحديث عن القضاء على الفساد تحذيراً لشخصيات سعودية بارزة ممن لهم وصول إلى سيولة الشركة النقدية. وأن يأتي هذا التصريح الجريء من الأمير محمد – بدلاً من الملك أو ولي العهد أو وزير البترول أو الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو – يؤكّد على مكانته المهمّة.

صحيحٌ أنّ الأمير أشاد بمارجريت تاتشر، ولكن قد تكون الصين الحديثة مثالاً يحتذى به – لم تهدف الخصخصة للقضاء على الشركات المملوكة للدولة ولكن لتعزيزها، ولم يهدف الإصلاح الاقتصادي للتمهيد للإصلاح السياسي، بل لمنع حدوثه.