Commentary

Op-ed

الميليشيات الشيعية في العراق: للسياق أهمية

Head of the Badr Organisation Hadi al-Amiri (C, L) walks with Shi'ite fighters in Makhoul mountains, north of Baiji, October 17, 2015. Iraqi forces and Shi'ite militia fighters recaptured most of the country’s largest oil refinery from Islamic State militants on Thursday, security officials said. The report could not be independently confirmed because it is too dangerous for journalists to enter the battle zone around the refinery near the town of Baiji, about 190 km (120 miles) north of Baghdad.
Editor's note:

في ظلّ تغيّرات السلطة في العراق والتحالفات التي تقوم وتتفكّك بين معركة وأخرى، كُتِب الكثير عن التهديدات والمخاطر التي تشكّلها الميليشيات الشيعية في الأحداث الجارية. لكن لا تزال أهداف تلك الميليشيات وتطوّرها في السياق العراقي غير واضحة تماماً. وفي هذا الصدد، زار الزميل في مركز بروكنجز الدوحة رانج علاء الدين العراق مؤخراً لإجراء بحثٍ حول الميليشيات الشيعية في العراق وتحدّث لمنسّقة الاتصالات سمية عطية عن نتائج هذا البحث.

سمية عطية: من الصعب نوعاً ما الحديث عن المشهد السياسي في العراق من دون أن نأتي على ذكر الميليشيات العراقية، إلا أنّ الأمر لم يكن كذلك دائماً. في ظلّ أي ظروف تشكّلت هذه المجموعات؟

رانج علاء الدين: نتجت الميليشيات العراقية الشيعية عن حالة الفقر وعن وحشية حزب البعث في تسعينيات القرن العشرين وعن الفوضى والعنف بعد حرب العام 2003 في العراق. تطوّرت النظرة والوعي السياسيين للمقاتلين الذين يؤلفون اليوم هذه الميليشيات في تسعينيات القرن الماضي، حين انكشفت ثورة العام 1991 وفشلت، فأهلك على أثر ذلك صدام المجتمع الشيعي العراقي وسادت حالة من الفقر.

ببساطة، تحوّل ناشطو الأمس السياسيون الشيعة إلى ميليشيات اليوم الشيعية. وخلافاً لنظرة الناشطين الشيعة العالمية والفكرية والإصلاحية التي شكلت أساساً لحزب الدعوة الإسلامية في خمسينيات القرن الماضي (الحزب الحاكم في العراق وأول تيار اجتماعي سياسي إسلامي شيعي معاصر)، أصبح شيعة العراق عنيفين، متطرفين وطائفيين على نحوٍ متزايد في ظلّ حكم حزب البعث. تركّزت أهدافهم على العدالة السياسية والاجتماعية، المظالم الطائفية والتخفيف من حدة الفقر. 

تتألف الميليشيات الشيعية اليوم من فصائل مختلفة لها هويات مستقلة تشكّل مع ذلك مكوّنات حركة جماعية. هذا التيار موحّدٌ في مظالمه وإحساسه بأنه ضحية وأهدافه؛ وهو يرمي إلى منع قيامة جديدة لحزب البعث (وهذا تفسيره لبروز داعش) والمحافظة على النظام السياسي الذي ساد بعد العام 2003 والذي تمتّع الشيعة في ظله بالقوة والسلطة.

سمية عطية: زرتَ العراق في الآونة الأخيرة؛ ما الهدف من زيارتك هذه؟

رانج علاء الدين: زرت العراق لتقييم أزمة الحكم والسلطة، وكذلك للوقوف على أجوبة لأسئلة بخصوص حالة السياسة العراقية، مستقبل العراق واحتمالات قيام دولة كردية، كما استقصيت أحوال الميليشيات الشيعية والحشد الشعبي. وقد سنحت لي الفرصة للتحدّث إلى ممثلين عن مختلف المجموعات التي تؤلّف الحشد الشعبي، بالإضافة إلى العديد من رؤساء الميليشيات والسياسيين والمواطنين العراقيين العاديين.

ويتطلّب فهم هذه الميليشيات وتفاعلها مع الدولة والمجتمع وتصوّراها الأساسية حول أنفسهم ومكانتها في العراق، عملاً ميدانياً واسعاً. كما يتطلّب فهم السياق التاريخي للنشاط الشيعي في العراق والتطورات التي حصلت منذ العام 2003. ومن الضروري إجراء حوار مع الميليشيات لصياغة توصيات سياسية واقعية بشكلِ أفضل في ما يتعلق بهذه المجموعات.

رانج علاء الدين: عانى العراق خلال العقد الماضي من الميليشيات الشيعية. ولكن في الآونة الأخيرة، ساهم الفراغ الأمني الذي تبع ظهور داعش في تقوية الميليشيات الشيعية الموجودة سابقاً والتي تتمتع بخبرة قتالية عالية. قد يكون لذلك عواقب بعيدة على الدولة العراقية ونسيج المجتمع السياسي خلال السنوات المقبلة. بعد أن كانت هذه المجموعات الإجرامية انتهازية، أصبحت في الآونة الأخيرة جزءاً من النظام في الدولة العراقية، وكثيرٌ منها لا يراعي حقوق الإنسان والمعايير الدولية.

ونرى ذلك في مناطق الصراع المنتشرة في مختلف أنحاء العالم؛ إذ تظهر مجموعات مسلحة لتملأ فراغاً ناتجاً عن انهيار الدولة أو عن فشل مؤسساتي، ما يؤدي في الغالب إلى نتائج كارثية على الاستقرار وإعادة الإعمار. وبينما تحظى هذه الجهات الفاعلة بالدعم والشرعية الشعبيين، فإن وجودها وسلوكها وحوارها وأهدافها يقوّض الاستقرار والحوكمة الرشيدة ولا يهيئ للتعايش والمصالحة. إنّ الميليشيات الشيعية أقل ميلاً وتأهّلاً للمشاركة في مجال الحوكمة، لا سيما وأنها معتادة على العمل في مجالات الصراع المسلّح والاقتصاد السرّي المرافق له.

سمية عطية: ذكرت أن الميليشيات الشيعية الحالية تتألف من مجموعة من الفصائل المختلفة. كيف ظهرت هذه المجموعات المختلفة؟

رانج علاء الدين: بعد انهيار الدولة، وجد مئات آلاف الشيعة أنفسهم عاطلين عن العمل أو غير قادرين على الوصول إلى الخدمات العامة. واجهت مجتمعاتهم هجمات مستمرة من المجموعات الإرهابية المحلية والأجنبية، وبقايا حزب البعث، ومن القوى الغربية المحتلة بحسب وجهة نظرهم.

من قلب أزمة الأمن والحوكمة هذه نشأ جيش المهدي (سُمّيَ لاحقاً بسرايا السلام). وهذه المنظمة هي الجناح المسلّح للتيار الصدري الذي أسسه محمد صادق الصدر في تسعينيات القرن الماضي ويقوده اليوم ابنه مقتدى الصدر. لم يكن جيش المهدي مُعداً جيداً لتحّمل عبء يجمع بين الإدارة والتمرد. صحيح أنّ الحركة واللواء تمحورا حول قيادة الصدر، إلا أنهما تمتّعا بالاستقلالية على الصعيد التشغيلي. وفي خلال الصراع، اكتسب قادة جيش المهدي دعمهم الشعبي الخاص، وقادوا في نهاية المطاف مجموعاتهم المنشقة بدعمٍ من إيران.

نجد في منظمة بدر (التي أسستها إيران في ثمانينيات القرن الماضي) مثالاً جيداً عن التعقيدات التي تتسم بها الميليشيات. تُعتبر منظمة بدر أقوى الميليشيات نظراً لحجمها وتاريخها ولاندماجها في النظام السياسي الذي ساد بعد العام 2003. وهي تسيطر على وزارة الداخلية، التي تُعتبر أهم وزارة في العراق، وانخرطت في المجتمع الدولي رغم علاقاتها القوية مع إيران.

أما الميليشيات الأخرى فهي وكلاء لإيران، تأسست كفروع للتيار الصدري أو منظمة بدر. وعلى الرغم من أنها مصدر إزعاج، إلا أنها غالباً ما ناضلت لتتطور إلى حركات اجتماعية ثقافية بارزة. وفي حين كان بعضها، كعصائب أهل الحق (فرع صدري)، أكثر تنظيماً وثبتت نفسها كجهات فاعلة اجتماعية ثقافية حليفة بشكلٍ وثيق مع إيران.

سمية عطية: ما هي استراتيجية إيران في العراق وكيف تستخدم ميليشياتها بالوكالة لتدعم مصالحها أكثر؟

رانج علاء الدين: لا شك في أنّ استراتيجية إيران في العراق متعددة الأوجه، إلا أنها أساساً استراتيجية فرّق تسد. وحيث ظهرت المظالم والانقسامات في صفوف التيار الصدري وغيرها من المجموعات، بادرت إيران إلى تقديم الأسلحة والمال والتدريب. بعد غزو العام 2003، عملت إيران مع القادة السابقين لمنظمة بدر لتأسيس وكالات من شأنها أن تستغل ازدياد العنف والصراع الطائفي. ويقود بعض هذه الوكالات ميليشيا الحشد الشعبي التي أُلحِقت في الآونة الأخيرة بالنظام، لتشكل مجموعات موازية للميليشيا العراقية الأضعف.

عموماً، تشكّل الميليشيات الشيعية بالوكالة زر تشغيلٍ وعازلاً في آنٍ معاً. من ناحية، هي الزر الذي يمكن لإيران أن تضغط عليه لتواجه، بشكلٍ غير مباشر، أولئك الذي يهددون مصالحها وتخوّفهم وتعزلهم أو تضرهم. وتشكّل من ناحية أخرى عازلاً يتيح لإيران أن تنأى بنفسها عن الموقف. بفضل هذه الميليشيات بشكلٍ خاص، لا تُعزى أي انتهاكات للمعايير الدولة وحقوق الإنسان بشكلٍ مباشر إلى إيران، الأمر الذي يتيح لها المحافظة على صورة إيجابية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

سمية عطية: كيف يفسّر ذلك تدخّل إيران في العراق؟

رانج علاء الدين: العراق دولة مجاورة لإيران وكان معها في حالة حرب على مدى عقدِ من الزمن تقريباً. إنّ الإيرانيين الذين يقودون السياسة الخارجية الإيرانية في العراق كانوا جزءاً من الحرب الإيرانية العراقية وأصبحوا اليوم يسيطرون على الحرس الثوري. لطالما تمتعت العراق بالقدرة على مواجهة إيران أو تهميشها أو إضعافها. تريد إيران أن تتأكد من أنّ العراق لن يكون مجدداً في وضع يسمح له بتهديد أمنها الوطني مجدداً، والأهم من ذلك، هي ترمي إلى منع العراق من أن يصبح منصة إطلاق عمليات لغزو أراضيها.

في المقابل، تريد إيران أن يكون العراق منصة إطلاق لخدمة مصالحها الإقليمية ولشنّ صراعات كتلك الحاصلة في سوريا. وقد هدفت إيران إلى جعل العراق ركيزة أساسية لبنيتها الأمنية الإقليمية. وقد نجحت تماماً في ذلك؛ إذ بينما كانت في السابق محاطةً بحكومات عربية قوية ومستقرة تتمتع بموارد ضخمة وتحظى بدعم حلفاء غربيين، انقلب حال جارة إيران خلال السنوات العشرة الماضية.

سمية عطية: بعد تحرير الموصل، كيف يتعين على المجتمع الدولي أن يتعامل مع الميليشيات العراقية الشيعية؟ ما الدور الذي سيؤديه في العراق والمنطقة؟

رانج علاء الدين: لفهم الميليشيات الشيعية في العراق والتعامل معها، من المهم في البداية النظر إلى هذه المجموعات بعيداً عن نموذج الأنشطة الإيرانية العسكرية الإجرامية بالوكالة المستخدم غالباً لتحديد هذه المجموعات ووصفها. لا يؤدي إطار العمل هذا إلى تحاليل غير مناسبة فحسب، بل أيضاً إلى المبالغة في النفوذ الإيراني بشكلٍ يخدم إيران. تتطلب أي خطوة للتقدم إلى الأمام نهجاً شمولياً يفهم الديناميكيات المجتمعية الشعبية ضمن المجتمع الشيعي.

بعبارات أبسط، الميليشيات نوعان؛ منها الجيد ومنها السيء. لا بدّ من تعزيز الأولى، فهي في أغلب الأحيان أضعف من الميليشيات السيئة التي تميل إلى التحالف مع إيران وتجاهل حقوق الإنسان والمعايير الدولية. وسأعمد إلى مناقشة هذه النقاط بالتفصيل في موجز السياسة المقبل.

Authors