Commentary

Op-ed

المقاومة الشعبية السلمية هي مفتاح الحل لإحراز تقدم سياسي في الشرق الأوسط

ما يقارب العشرين عاماً من المفاوضات “لم تجلب لنا سوى المزيد من الاستيطان الإسرائيلي. لقد سئم الفلسطينيون من المفاوضات”. هذا ما قاله مسؤول فلسطيني رفيع في مؤتمر حضرته مؤخراً. حتى الآن، قبل أول زيارة له إلى الشرق الأوسط هذا الشهر كوزير للخارجية الأميركية، يبدو أنّ جون كيري يقترح مزيداً من المفاوضات، حيث يقول: “أتمنى أن تكون هذه اللحظة فرصة لاستئناف الجهود من أجل دفع الجانبين الى المفاوضات”.

إنّ مثل هذه التصريحات هي نذير سوء لزيارة الرئيس أوباما المقررة إلى المنطقة هذا الأسبوع. في الواقع، تبدو هذه الزيارة وكأنها ستكون كالمعتاد للعمل على السياسة الفلسطينية الإسرائيلية خلال فترة الرئيس الثانية، مع المزيد من المحادثات غير المثمرة والإنفصال المتزايد بين الدبلوماسية الأمريكية والتطورات على أرض الواقع.

حتى الآن، لم يستطع المسؤولون والدبلوماسيون الأمريكيون خلق بديل جدير بالثقة لعملية المفاوضات العقيمة التي ترعاها الولايات المتحدة منذ 20 عاماً. المقاومة الشعبية السلمية على العكس من ذلك، لا تساهم في تحقيق انفراج حقيقي فحسب بل أيضاَ في تقديم فرصة للولايات المتحدة للقيام بدورٍ بناء.

في بادئ الأمر، يتعين على كيري وأوباما أن يتقبلا أن إطار عمل المفاوضات الراهن بات من الماضي، فالنموذج الذي يسعى كيري إلى إحيائه أدى بالكاد إلى إنشاء سلطة فلسطينية تصر إسرائيل ليس على القضاء عليها بالكامل ولكن إبقائها في حالة الإنعاش.

يقول الخبير الأمريكي في الشؤون الخارجية ستيفن كوك: “بالنسبة للإسرائيليين فإن السلطة الفلسطينية هي قبل كلّ شي الكيان الذي أُسند إليه المهام الأمنية الخاصة بقوات جيش الدفاع الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة”. وليس ستيفن كوك الوحيد الذي يرى نهاية ضرورية للسلطة الفلسطينية، إذ يشاركه في هذا الرأي يوسي بيلين، أحد المشاركين في تصميم اتفاقية أوسلو للسلام، الذي دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس العام الماضي “لإنهاء هذه المهزلة”. في الواقع، يقول بيلين أنه يتعين على عباس أن يحلّ السلطة الفلسطينية ويعيد زمام السيطرة على الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل، إعترافاً منه بواقع الأمور.
ساهم عدم توازن القوة بين اسرائيل وشبه الدولة الفلسطينية في استمرار الوضع الحالي، في ظلّ إطار المفاوضات الحالي الذي لا يحفز إسرائيل على تقديم تنازلات ولا يمنح الفلسطينيين القدرة على المطالبة بحقوقهم. وما دام هذا التباين قائماً، لن تكون مفاوضات كيري المأمولة أكثر نجاحاً من الجهود السابقة.

يطرح الفلسطينيون طريقتين لحل مشكلة عدم توازن القوة في عملية المفاوضات: المقاومة المسلحة والمقاومة الشعبية السلمية. إلا أن آراء الفلسطينيين لا تزال متباينة حول فعالية العمل العسكري كعامل يعيد للقوة الفلسطينية توازنها مقابل القوة الإسرائيلية. وبالمقابل، تحظى المقاومة الشعبية السلمية بدعم مختلف الأطياف السياسية الفلسطينية وباتت نداء يتوافق عليه الجميع. وعلى سبيل المثال، سبق أن وافق رئيس الوزراء سلام فياض على استمرار المقاومة المدنية كطريقة لإرساء الدولة، وحين توفي المعتقل الفلسطيني عرفات جرادات في السجون الإسرائيلية الشهر الماضي، لم ترد حركة فتح بدعوة إلى العنف بل إلى تصعيد المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وحتى حركة حماس تبنّت المقاومة الشعبية (إلى جانب المقاومة العسكرية) كأحد أشكال المقاومة الشرعية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.

لذلك، سيصل أوباما إلى الشرق الأوسط وسط ارتفاع شعبية المقاومة السلمية التي تسلّط الضوء على شخصيات مثل سامر العيساوي الذي اعتقلته السلطات الإسرائيلية من دون تهمة منذ تموز 2012 والذي “أضرب عن الطعام لأكثر من 200 يوم”، وفقاً لما نشرته قناة الجزيرة. في الوقت عينه، يعمل الناشطون لإعادة بناء مدن الخيام، بما فيها باب الشمس وباب الكرامة، التي شُيّدت اعتراضاً على توسع رقعة الاستيطان الإسرائيلي. صحيح أن إسرائيل أزالت هذه الخيام، إلا أن الناشطين ما زالوا مصرين على المضي قدماً.

على هذه الخلفية، كتب السياسي وزعيم النشاط السلمي الفلسطيني الدكتور مصطفى البرغوثي الشهر الماضي أنه يذكر حين “سخرت الأطراف السياسية الكبرى في فلسطين، حماس وفتح، من نضالنا السلمي ورأوا فيه تحركاً ناعماً غير فعال”.

مما لا شكّ فيه أن هناك غضبا شعبيا عارما مما آلت اليه الامور يعمل كمحرك لزيادة زخم المقاومة المدنية أكثر فأكثر. فبعد أن حجزت اسرائيل على عائدات الضرائب الفلسطينية، بات آلاف الفلسطينيين العاملين في القطاع العام لايعلمون شيئاً عن المبلغ الذي سيحصلون عليه من رواتبهم نهاية كل شهر، في حين أن عملية هدم منازل الفلسطينيين خاصةً في القدس تتواصل على قدم وساق. تلقى الفلسطينيون صفعة أخرى حين فصلت إسرائيل بين الفلسطينيين والإسرائيليين في حافلات النقل في الضفة الغربية، بمعنى آخر سيتوجّب على الفلسطينيين أن يستقلوا حافلات خاصة بهم .

إلا أن الفلسطينيين المستمرين في تنظيم إحتجاحات سلمية يعجزون وحدهم عن تحقيق التغيير المنشود – وسيحتاجون إلى تضامن دولي لدعم نهجهم السلمي كما حدث في جنوب أفريقيا.

قال الرئيس أوباما في الخطاب الذي ألقاه في حزيران 2009 في جامعة القاهرة: ” يجب أن ينبذ الفلسطينيون العنف… لقد عانى السود في أمريكا طوال قرون من الزمن من سوط العبودية ومن مهانة التفرقة والفصل العنصري. لكن العنف لم يكن السبيل الذي مكنهم من الحصول على حقوقهم الكاملة والمتساوية، بل كان السبيل إلى ذلك إصرارهم وعزمهم السلمي على الالتزام بالمُثل التي كانت بمثابة الركيزة لتأسيس أمريكا”.

لن تؤدي المفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة إلا إلى استمرار “إذلال التمييز العنصري” الذي رفضه أوباما بنفسه. ولكن في حال تمكن الرئيس بشكلٍ أو بآخر من التعبير عن دعمه للمقاومة الشعبية السلمية ضدّ أي أخطاء تقترفها السياسة الإسرائيلية، فلا شكّ أنه سيتمكن أخيراً من ترجيح الكفة لصالح الوصول إلى حلّ عادل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

حين يأتي الوقت الذي تختار فيه مواطنة فلسطينية أن تفعل كما فعلت الأمريكية السوداء روزا باركس — عندما أصرت على الجلوس في مكان مخصص للبيض في حافلة عامة أمريكية — وتجلس في حافلة إسرائيلية تشكل نوعا من أنواع التمييز العنصري في الضفة الغربية، فلا بدّ لأوباما أن يصغي إلى ضميره ويتكلّم.