Commentary

Op-ed

القاعدة تتنصل من داعش

في الثاني من فبراير، أصدرت القيادة المركزية لتنظيم القاعدة بياناً على المنتديات الجهادية البارزة حول تنصل القاعدة الرسمي من مختلف العلاقات مع الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش). من المرجح أن تبدو عواقب هذا البيان الرمزية كبيرة جداً، لا سيما بالنظر إلى أن السبب الرئيس الذي قدمته القيادة المركزية للقاعدة تجلى في عصيان داعش (في ما يتعلق بتشكيل داعش من خلال الامتداد من العراق إلى سوريا في أبريل 2013 وتقديم نفسها بعد ذلك كـ”دولة”). من نواحي عديدة، يبدو ذلك محاولةً من القيادة المركزية للقاعدة للتأكيد في شكلٍ نهائي على مستوى معين من السلطة على الجهاد في سوريا. وقد ساد جو من التوتر داخل الحركة الجهادية في سوريا منذ أبريل 2013 ولا يزال سائداً حتى الآن، وفشلت القيادة المركزية للقاعدة في اتخاذ خط قوي. ومع ذلك فإن اندلاع القتال بين داعش وغيرها من الجماعات المتمردة السورية في الثالث من يناير جعل إصدار الظواهري والقيادة المركزية للقاعدة حكماً حاسماً مع نتائج دائمة أمراً لا مفر منه – وتم ذلك.

لبعض الوقت، رفض أفراد من داعش اعتبار أنفسهم جزء من تنظيم القاعدة أو فشلوا في ذلك. رغم أن عدداً قليلاً من أعضاء داعش كانوا قد أعلنوا مسبقاً أمام الملأ انشقاقهم عن التنظيم، فمن غير المرجح أن يحصل انشقاق جماعي. ومع ذلك، يمثل ذلك خطوة قوية وصريحة من قبل القيادة المركزية للقاعدة وسيساعد من دون شك على تقديم المزيد من الدعم لدور جبهة النصرة كتسجيد لوجود تنظيم القاعدة في سوريا. على مدى عدة أشهر، أشارت وحدات جبهة النصرة في شكلٍ ملحوظ في عدة مناطق سورية إلى نفسها كتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام، وبالتالي عرّفوا عن أنفسهم في الحقيقة كـ”تنظيم القاعدة في سوريا”. تبنت جبهة النصرة استراتيجية ذكية جداً في سوريا، مع براغماتية أثبتت أنها كانت حاسمة في تحديد نجاح المجموعة المستمر. وبالنظر إلى علاقتها القوية مع تنظيم القاعدة، لاقت جبهة النصرة في شكلٍ مثير للسخرية وعلى نحوٍ فعال قبولاً كعنصر فاعل في عددٍ من مناطق البلاد.

واجهت داعش كذلك ضغطاً من جهةٍ أخرى. ففي الليلة السابقة، أصدر الشيخ السعودي السلفي د. عبد الله بن محمد المحيسني بياناً في ما يتعلق بما أسماه مبادرة الأمة – وهي خطة سلام ترمي إلى معالجة الانقسامات العدائية بين داعش والمجموعات المسلحة الأخرى في سوريا. تلقت الخطة بيانات دعم من مجوعات مهمة استراتيجياً في سوريا، باستثناء داعش، التي أصدرت شروطاً لانخراطها وهي شروط حوّلت الخطة إلى خطة باطلة. مثّل بيان المحيسني الذي أصدره ليلة أمس دعوة مباشرة لقائد داعش أبو بكر البغدادي لإعادة تقييم معارضة فريقة لمبادرة الأمة. ولعل أبرز جوانب البيان هو ذلك الذي تجلى في الدعوة المباشرة التي وجهها إلى مقاتلي داعش للانشقاق والانضمام إلى تنظيمات أخرى أكثر احتراماً – وقد اقترح المحيسني جبهة النصرة وأحرار الشام. ولكن بكلام أكثر بساطة: مارس المحيسني تأثيراً هاماً ضمن العصيان الإسلامي في سوريا ولم تمثل طبيعة بيانه الليلة الماضية إعلاناً دقيقاً يمنح داعش فرصة أخيرة لتخلص نفسها من مأزق رمت نفسها فيه.

توقعات:

بالعودة إلى الوراء، يبدو واضحاً أن القاعدة المركزية للقاعدة قد تصدر بيانات أخرى تزيد من دعمها لجبهة النصرة، وتعزل بهذا داعش أكثر فأكثر. من المحتمل أن يستمر الصراع بين الفصائل في شمال وشرق سوريا، لا سيما في المناطق الحدودية وفي ما يتعلق بمرافق رئيسة ومقرات المجموعات المنخرطة المختلفة وحولها.

وبالنظر إلى المعايير السلوكية الراسخة، يبدو من غير المحتمل أن تصدر داعش أي شيء يقدم اعتذاراً أو يمثل تراجعاً. انخرطت داعش بالفعل في حملة مميتة وفعالة استراتيجياً تستهدف معارضيها بواسطة عمليات انتحارية وسيارات مفخخة. وقد هدفت هذه الهجمات الموجهة، لا سيما في شمال سوريا، إلى إضعاف نقاط المعارضين الرئيسة القوية الاستراتيجية وبناها القيادية والرقابية، وقد أدى ذلك إلى مقتل عددٍ من قادات الجبهة الإسلامية.

على المدى القريب، تضرّ هذه الأمور جميعها بالثورة السورية. بكلّ بساطة يمثل أي توسع للقتال بين الفصائل إنفاقاً للموارد القيّمة على أهداف واضحة بعيدة عن القتال ضدّ حكومة الأسد. وطالما أن الأعمال العدائية بين المجموعات مستمرة، فإن انتصار المعارضة المناطقية، ناهيك عن الوطنية، في سوريا يبدو أمراًمستبعداً.