Commentary

Op-ed

العمل الشاق بدأ لتوه مع الاتفاق النووي

وصف باراك أوباما الاتفاق النووي المؤقت مع ايران بـ”الخطوة الأولى التي من شأنها أن تؤدي إلى عقد صفقة جيدة”. يحدّ الاتفاق من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم ويسعى للتخلص من مخزون اليورانيوم عالي التخصيب الذي تملكه ووقف بناء مفاعل أراك للمياه الثقيلة.

ومع ذلك، يضع الاتفاق جانباً مسألة ما اذا كانت إيران تمتلك الحق في تخصيب اليورانيوم أم لا. في الواقع، يجمد هذا الاتفاق عمل إيران النووي، كحلّ دبلوماسي مؤقت، ويفتح المجال أمام إمكانية بدء حقبة تحول في تاريخ الشرق الأوسط وفترة من الشكوك المتزايدة.

يرى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أن هذا الاتفاق يفسح المجال أمام احتمال أن تعمد إيران إلى عكس النكسات التي تعرضت لها في خلال سنوات الضغط الدبلوماسي والعقوبات الدولية. سبق أن وصف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الاتفاق بـ “الخطأ التاريخي”، في حين يتحدث آخرون في حكومته بصراحة عن شنّ عمل عسكري.

علاوةً على ذلك، قد يدفع الاتفاق بعض الدول العربية – لا سيما المملكة العربية السعودية – إلى الاستنتاج أن الوقت حان لتسريع برامجها النووية.

وإذ تؤسس الولايات المتحدة والغرب لعلاقة ثقة مع القيادة الإيرانية الجديدة، تثير أعمال إيران في المنطقة – لا سيما في سوريا – مخاوف بعض حلفاء أمريكا من العرب. لذلك السبب، حان الوقت لتبرهن إيران نواياها السلمية عن طريق الأعمال وليس الأقوال.

تُعتبر الأشهر الستة الأخيرة – الفترة المخصصة للتوصل إلى اتفاق شامل – فترة شكّ وريبة.

يشارك اللاعبون الرئيسون في المنطقة بالفعل في صراع على السلطة يشمل سوريا ولبنان والعراق. يتحدث بعض قادة الغرب عن عدم رغبتهم في الانخراط في الصراعات الطائفية التي تشكل وقوداً للصراعات المستعرة في هذه الدول.

بالإضافة إلى ذلك، يتحدث عدد من المحللين الغربيين عن إمكانيات تغيير قد تطرأ على العلاقات مع قادة إيران، الأمر الذي قد تضاهي أهميته أهمية انخراط ريتشارد نيكسون في الصين.

إلا أن الحديث عن إيران بوصفها “حليفاً” أكثر من كونها دولة راعية للإرهاب تتزعم “محور المقاومة” لن يسمح لأحد في المنطقة أن ينعم بشكل بالراحة.

في سوريا، يعد العام 2014 أنه سيكون الأكثر دموية في تاريخ الصراع. يبدو أن قوى المعارضة المعتدلة تميل إلى الوقوف جانباً مع احتدام الصراع بين نظام الأسد المدعوم من إيران، ائتلاف الفصائل الإسلامية الجديد المعروف باسم الجبهة الإسلامية، والمقاتلين الأجانب التابعين للقاعدة.

تتمتع إيران بقدرةٍ فريدة على اختصار الصراع ونتائجه الكارثية وذلك من خلال الموافقة على شروط بيان جنيف للعام 2012، وهو اتفاق قدمه كوفي عنان، مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

إذا وافقت طهران على مغادرة الأسد السلطة وعلى تشكيل حكومة انتقالية، تصبح فرصة إيجاد حل سياسي للتوسط دبلوماسياً في سوريا حقيقية. وتتحول عملية الحوار الشامل التي تتيح للسوريين من مختلف الخلفيات التفاوض بشأن اتفاق لبناء سوريا جديدة وحرة من قدرة النظام على إلحاق الضرر بهم، تتحول إلى احتمال واضح.

عوضاً عن ذلك، تستمر إيران في تأييد النظام الوحشي عن طريق مدّه بمعدات وخبرة وتمويل عسكري وبدعم سياسي.

بعد التوصل إلى اتفاق مؤقت، يتعين على الولايات المتحدة تأدية دور حاسم في بناء الثقة في المنطقة. رحبت بعض القوى الإقليمية، ومن ضمنها خمس من أصل ست دول من دول الخليج، بحذر بالاتفاق افتقاداً منها للأمل أكثر من اقتناعها به. في الواقع، كثر هم في المنطقة أولئك الذين يعتقدون أن إيران تحرّك أوباما. لهذا السبب، يتعين على الرئيس تولي دورٍ أكبر لردم فجوة واضحة بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

ولكن ما تم تفاديه حتى الآن هو احتمال نشوب صراع عسكري مدمرمع إيران. إلا أنه يتعين علينا أن نتوخى الحذر.

في حال تعين على الولايات المتحدة الرضوخ لاعتقاد إيران أن لها حق لا يقبل الجدال بتخصيب اليورانيوم، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى انهيار كارثي ليس في العلاقات بين الولايات المتحدة والمنطقة فحسب، إنما بين أقطار المنطقة عينها. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط وإلى عالم أكثر خطورة.

في حال استمرت سلطات الولايات المتحدة والعالم بتجاهل أعمال إيران المدمرة في أماكن أخرى من المنطقة، لا سيما في سوريا، فإننا سنشهد انتشار الاضطرابات الإقليمية كالفيروس – وسيمتد الصراع من شرق البحر المتوسط إلى مياه الخليج.

على المدى الطويل، قد يكون تغيير المواقف تدريجياَ بين الخصوم الإقليميين من رؤية كل شيء كصراع وجودي إلى إيمان بقدرة الحوار على فتح الباب أمام التعاون المستقبلي والأمن المتبادل أمراً ممكناً.

إننا اليوم بعيدون جداً عن ذلك. قد يترك الاتفاق النووي المؤقت مع إيران اللاعبين الإقليميين في حيرة من أمرهم. أمام القوى العالمية الآن فترة قصيرة من الزمن للعمل على انجاح هذا الاتفاق.