Commentary

Op-ed

معضلة العراق الأمنية وأزمة قوّات الحشد الشعبي المستعصية

Shi'ite Popular Mobilization Forces (PMF) are seen in Zumar, Nineveh province, Iraq October 18, 2017. REUTERS
Editor's note:

 تم نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية في موقع Open Democracy.

بعد حوالي عام من إقرار تشريع لدمج قوّات الحشد الشعبي في أجهزة الأمن العراقية، باتت هذه القوّات تشكّل اليوم تقريباً نصف القوى الأمنية الخاضعة إسمياً لسيطرة الحكومة.

وكانت قوّات الحشد الشعبي ذات الأغلبية الشيعية أحد أهم اللاعبين في عملية منع تقدّم تنظيم داعش في العام 2014 نحو بغداد، واضطلعت بدور يقرّ به الجميع في الجهود اللاحقة لتحرير المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش.

ومع ذلك، ومع تراجع تهديد داعش وبعد أن أصبح تحقيقُ الاستقرار الأولويةَ الأولى في العراق، تتفاقم الخلافات السياسية حول مستقبل قوّات الحشد الشعبي في بغداد ويطال صداها جميع أنحاء البلاد.

وتكمن أسباب الخلاف في مخاوف حول الولاءات الحقيقية لدى قيادات قوّات الحشد الشعبي. وتتركّز هذه المخاوف على الولاءات الطائفية المستمرّة التي قد تطغى على الجهد الوطني الهادف إلى إعادة بناء البلاد لجميع مواطنيها.

على الأرض في الموصل

يبرز النقاش حول قوّات الحشد الشعبي بأوضح وجوهه في الموصل. فقد جذبت الجهود الرامية إلى إعادة بناء الأمن في تلك المنطقة قدراً كبيراً من الاهتمام الدولي. ويعتبر الخبراء الأمنيون في العراق والتحالف أنّ الموصل مؤشّرٌ مبكرٌ حول نجاح الجهود المتواصلة لهزيمة داعش وإرساء الاستقرار في العراق على نطاق أوسع.

ونظراً إلى أن الموصل تشكّل أحد مراكز الصراع وغالبية سنّية، يُعتبر الوضع الأمني فيها اليوم شديد الهشاشة وقد تفاقم نتيجة وجود قوّات الحشد الشعبي الشيعية ذات التوجّه الطائفي.

وبعيداً عن التوترات الطائفية الواضحة التي تهيمن على الخطاب حول قوّات الحشد الشعبي، يطرح وجود هذه القوّات تحديات غير بارزة لكنها أعمق ربّما.

وحدة القيادة

يرى القادة العراقيون والأمريكيون الحقائق بشكل مماثل ولكن من خلال زوايا مختلفة. فمن وجهة نظر الولايات المتحدة، أحد أكبر التحديات التي تواجه تأمين الأمن والاستقرار هو ضرورة تحقيق وحدة القيادة.

ففي خلال عملية تطهير الموصل من تنظيم داعش، اجتمع التحالف المستبعد الذي نشأ بين قوّات الحشد الشعبي وقوّات البشمركة الكردية وقوّات التحالف الغربية وقوى الأمن العراقية الأخرى من أجل الإطاحة بتنظيم داعش.

وبعد هزيمة تنظيم داعش عسكرياً، تعاني جهود تثبيت الاستقرار الأكثر تعقيداً نقصَ التنسيق بين الوحدات المساهمة في عملية “السيطرة” في الموصل. وتقع مسؤولية السيطرة هذه على مجموعة متنافرة من المنظمات الفرعية. وتضمّ هذه المسؤولية وضع نقاط التفتيش واستهداف خلايا داعش النائمة المشبوهة والتحقيق في الشبكات الإجرامية واحتجاز المجرمين.

وتحدّد الحدود السياسية المنبثقة عن الوزارات الأم لهذه المجموعات في بغداد ولاءها. بالتالي، يعتقد أن قوّات الحشد الشعبي تتأثّر بشدّة بوزارة الداخلية التي تسيطر عليها منظّمة بدر الموالية لإيران. وقد أثبتت وحدات وزارة الداخلية بدورها عدم رغبتها في التعاون مع قوى الأمن العاملة تحت جناح وزارة الدفاع.

وما يزيد الطين بلّة أنه من المعروف على نطاق واسع أنّ بين المجموعات ضمن قوّات الحشد الشعبي انقسامات سياسيةً وأيديولوجية عميقة، وتدين بعض المجموعات الفردية بولائها لقادة سياسيين ورجال دين مختلفين (وغالباً ما يكونون متعارضين)، وتسعى إلى الوصول إلى توزيع سياسي مختلف في العراق بعد هزيمة داعش.

من الناحية العملية، يعني ذلك أنّ التنسيق بين وحدات قوّات الحشد الشعبي والمنظّمات الأمنية المتاخمة صعبٌ، لا بل غائب في بعض الأماكن.

لهذه الأسباب، وعلى الرغم من تنظيمٍ للمهمّات يضع وحدات قوّات الحشد الشعبي في الموصل بشكل إسمي تحت سيطرة الجيش العراقي، أشار بعض كبار القادة الأمنيين إلى أنّ نفوذهم ضئيل من حيث كيفية عمل هذه القوّات أو مكان عملها، وأن شبح النفوذ الإيراني الضارّ يطغى بشدّة.

العلاقة بين قوى الأمن والشعب

وتبرز لدى قادة الأمن العراقيين في الموصل مسألة منفصلة ولكنها ذات صلة وتشكّل مصدر قلقهم الرئيسي في جهود تحقيق الاستقرار بعد هزيمة داعش.

ففي إحدى المقابلات، أكّد اللواء نجم الجبوري، قائد عمليات نينوى، أنّ العامل الأهمّ في الحؤول دون تحوّل الموصل مجدداً إلى ملاذ آمن للجهاد التكفيري هو الحرص على إقامة علاقة جيّدة بين قوى الأمن والسكّان المحلّيين.

ولتحقيق هذه الغاية، تبرز اليوم رغبةٌ بين كبار القادة السياسيين والأمنيين في نينوى في الانتقال بسرعة نحو مفهوم الشرطة المجتمعية وإزالة العناصر الأمنية غير المحلية والمُعسكَرة من الموصل. ويشمل ذلك نقل الجيش العراقي إلى خارج حدود المدينة.

وتشكّل الادّعاءات الأخيرة بوقوع جرائم حرب اقترفتها الفرقة السادسة عشرة في الجيش العراقي خيرَ مثال على الخطر الاستراتيجي الذي يتضمّنه وجود عسكري طويل الأمد في المجتمع المدني. ويدرك اللواء الجبوري هذا الخطر كل الإدراك ويودّ التخفيف منه عن طريق إبعاد الجيش العراقي وقوّات الحشد الشعبي كليهما عن مراكز المدينة في جميع أنحاء محافظة نينوى.

ويتعزّز خطر إقصاءِ السكان المحلّيين وعودةِ بيئة المظالم التي تشكّل أرضاً خصبة لبروز تنظيم داعش من جديد جرّاء تواجد قوّات الحشد الشعبي في المراكز السكّانية، إذ يسري إجماع واسع على أن قوّات الحشد الشعبي هي مجموعةٌ من الغرباء.

وينبع هذا الإجماع بمعظمه من تزايد التقارير عن عمليات اختطاف مقابل فدية والاستيلاء غير المشروع على الممتلكات وغير ذلك من أشكال المضايقات التي يُزعم أن بعض وحدات قوّات الحشد الشعبي قد ارتكبتها.

وتحدّثت بعض المصادر المحلية حتّى عن مخاوف من أن تستقرّ قوّات الحشد الشعبي في الموصل فينتقل أفرادها وأسرهم وأصدقاؤهم من خارج المنطقة إلى الممتلكات المهجورة من أجل تغيير التوازن السكّاني في المدينة.

بيد أن قوّات الحشد الشعبي تعمل تحت رعاية حكومة العراق. وبالنسبة إلى معظم السكّان المحلّيين، تشكّل قوى الأمن العاملة داخل المدينة المظهر الأكثر حسّية للدولة، وتؤكّد هذه الانتهاكات التي يرتكبها الجيش العراقي وقوّات الحشد الشعبي على حدّ سواء على خطاب تنظيم داعش الذي يقول إن حكومة العراق دمية طائفية في يد إيران.

وتؤثر وحدات قوّات الحشد الشعبي سلباً في الجهود المبذولة لضمان أمن السكّان وتحقيق الاستقرار في الموصل. ويُلحق ارتباطها الرسمي بالدولة العراقية وميلها الطائفي العلني وجرميّتها المتزايدة ضرراً راسخاً بشرعية حكومة العراق بين أهل الموصل المحلّيين.

المعضلة الأمنية

ستبقى كثيرةً التحدياتُ التي تعرقل تحقيق الاستقرار في الموصل لسنوات في المستقبل، إلا أن إزالة قوّات الحشد الشعبي تماماً من المعادلة الأمنية من شأنه أن يزيد من احتمال أن تتمكّن حكومة العراق من تعزيز المكاسب التي حقّقتها في حملتها المناهضة لتنظيم داعش.

وفي نهاية المطاف، ينبغي إزالة وحدات قوّات الحشد الشعبي التي تتألف من عناصر غير محلية من محافظة نينوى، وينبغي أيضاً حلّ الوحدات السنّية المحلّية (المشار إليها باسم قوّات الحشد العشائري) ودمج أفرادها في قوّات الشرطة المحلّية أو أجهزة الخدمة العامة الأخرى.

غير أنه نظراً إلى القوى السياسية الحالية في بغداد والواقع الأمني ​​في الموصل، تبرز حاجة ملحّة إلى مقاربة متدرّجة، ولعلّ هذه المقاربة هي الوحيدة الممكنة في الوقت الراهن. أما قرار إزالة قوّات الحشد الشعبي من الموصل فتمليه قرارات من بغداد.

وباستطاعة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أن يساهم في هذه المسألة، أولاً من خلال الاستمرار في تقديم الدعم الثابت لرئيس الوزراء العبادي، وذلك عبر التزام واضح ومتواصل بتأمين المستشارين العسكريين والدعم المادي وقدرة الوصول إلى الموارد اللازمة لبناء القدرات وجهود إعادة الإعمار.

وقد أدّى الاستفتاء الذي جرى مؤخراً على الاستقلال وإعادة سيطرة قوى الأمن العراقية على كركوك عقب ذلك إلى تعقيد موقف الولايات المتحدة السياسي في بغداد، لكن ينبغي بذل جهود لفصل هذه التحديات العرقية-السياسية العربية الكردية عن الجهود الرامية إلى الحؤول دون بروز داعش مجدداً في المناطق السنّية في العراق.

وثانياً، في الموصل، على مستشاري التحالف المتابعة بإشراك القادة السياسيين والأمنيين لتعزيز قدرتهم على فهم بيئتهم العملانية وتنسيق العمليات بين المنظمات ولا سيّما من حيث صلتها بعمليات السيطرة المختلفة في شرق المدينة وغربها.

وبشكل أدقّ، ينبغي على التحالف بقيادة الولايات المتحدة أن يدعم قوى الأمن العراقية في محاولتها التخفيف من الأنشطة الإجرامية والطائفية التي تمارسها قوّات الحشد الشعبي من خلال تسيير دوريات مشتركة تابعة للتحالف والقوى العراقية في جميع أنحاء الموصل مع التركيز على القطاعات التي تسيطر عليها قوّات الحشد الشعبي. إلا أنه ينبغي فرض شروط على هذا الدعم من حيث سلوك قوى الأمن العراقية القانوني والأخلاقي، ويجدر بالولايات المتحدة أن توضح بشكل جدّي أنه سيتم سحب هذا الدعم إذا استمرت الادعاءات بارتكاب جرائم حرب.

وفي حال بدأت وحدات قوّات الحشد الشعبي الانسحاب من الموصل وعند بدء هذا الانسحاب، من شأن الفهم الدقيق للفجوات الأمنية التي ستتركها وراءها أن يسهّل إعادة تنظيم قوى الأمن بشكل أسرع والحدّ من حظوظ عودة داعش.

أخيراً، ينبغي على مستشاري التحالف الاستفادة من الفرص المتاحة لدعم قادة الأمن العراقيين بالكلام العلني في الاجتماعات التي تركّز على مخالفات قوّات الحشد الشعبي، ولا سيما الاجتماعات التي يحضرها قادة هذه القوات.

ومن شأن هذه الممارسات مجتمعة أن تساعد على تحديد معالم البيئة الأمنية في الموصل عبر الإظهار لوحدات قوّات الحشد الشعبي أنه لا يمكنها أن تتصرّف على هواها من دون عقاب، بالإضافة إلى أن هذه الممارسات تشجّع قوى الأمن العراقية على مواجهة نشاط قوّات الحشد الشعبي غير المشروع والطائفي مع تحسين قدراتها العملانية أيضاً لإرساء الاستقرار في الموصل.